إسرائيل والقنابل الفوسفورية.. تماهٍ عقائدي

إسرائيل والقنابل الفوسفورية.. تماهٍ عقائدي

  • ١٨ كانون الثاني ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

هي ليست المرّة الأولى التي تتسبّب فيها إسرائيل بجرائم حرب على الحدود الجنوبية مستخدِمة قنابل الفوسفور. فمنذ اجتياح عام ١٩٨٢، لا تعبأ إسرائيل بالقوانين الدولية وتواصل قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والأبنية السكنية والمدارس والطرقات.

وتداعيات القصف الإسرائيلي البيئية لم تقتصر على الثروة الحرجية فحسب، بل تعدّتها لتشمل الثروة الحيوانية والمائية أيضاً. فحتى تاريخ ٦ كانون الاوّل ٢۰٢٣، تبلغ المساحة الإجمالية التي طالتها الحرائق في الجنوب اللبناني نتيجة القصف الإسرائيلي ٦٣٨ هكتار، وفق المنصة البيئية للإنذار المبكر التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية، التي أوضحت أنّ  ١٦.٨ هكتار هي المساحة الاجمالية للزيتون المحترق، فيما ٢٢.٧هي مساحة الموز والحمضيات المحروقة، و ٥١٧.٦ هكتار هي المساحة الإجمالية للسنديان (الكثيف والقليل الكثافة) المحترق.
 
وتجدر الإشارة إلى أنّ هكتاراً واحداً يحتوي على ٧٥٠ شجرة يفوق سعرها الـ ٤ آلاف دولار تقريباً. ولنا أن نتخيّل هول الخسائر الناتجة عن إشتعال مئات الهكتارات من الغابات وتفحُّم ثروتها الخشبية. أما في فلسطين، فاستخدمت إسرائيل القذائف الفوسفورية في حروبها على قطاع غزة منذ عام ٢٠٠٨، مثيرة جدلاً دولياً بعدما تسببت في حرائق واسعة النطاق وفي إصابات بالغة بين المدنيين وفي البنية التحتية.
 
دخان الفوسفور.. دمار بيئي

وفي هذا السياق، لفتت النائب نجاة عون إلى أنّ القذائف الفوسفورية هي أسلحة تعتمد على الفوسفور الأبيض، وهو مادة كيميائية قابلة للإشتعال تنتج أكسيد الفوسفور، عند التفاعل مع الأكسجين، الذي ينتج بدوره حرارة شديدة تتجاوز ٨٠٠ درجة حيوية تؤدي إلى إحتراق أشجار الزيتون والمساحات الحرجية الواسعة، ناهيك عن قدرة الفوسفور على التراكم في المياه الجوفية والتربة، ما يؤدي إلى تلوّثها وتأثيرها في النظم البيئية الحيوية. ويُضاف إلى ذلك تضرُّر وتلَف المنتجات غير الخشبية، من نباتات طبيّة وعطرية وموارد طبيعية أخرى تحتضنها الغابات.

وتشرح نجاة عون أنّ إتصال أسيد الفوسفور مع جلد الإنسان تلف الأنسجة ويتسلل مباشرة إلى العظام، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة. هذا وتنصّ المعاهدات الدولية المتعلقة بالحروب والأسلحة الحربية على أنّه لا يستخدم إلّا في ميادين القتال. ويبقى السؤال: هل يُعتبر الجنوب اللبناني ميداناً للقتال؟
 
الفوسفور الأبيض.. سمّ قاتل

ومن تداعيات الفوسفور البيئية ننتقل إلى التداعيات الصحية حيث أشارت رئيسة مصلحة الطب الوقائي د. عاتكة بري إلى أنّ جسم الإنسان يمتص الفوسفور عن طريق تنشق الدخان أو الهواء الملوّث الناتج عن الفوسفور الأبيض، إضافة إلى ملامسة الجلد أو العين للفوسفور، ومن خلال شرب المياه الملوثة أو تناول أسماك أو طيور من مواقع ملوثة بالفوسفور الأبيض.
 
وفنّدت د. بري الحالات كافة، موضحة أنّ استنشاق دخان الفوسفور الأبيض يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي وسعال حاد، ناهيك عن ضيق شديد في التنفس والتهاب رئوي كيميائي وخلل في وظائف الأعضاء الداخلية في الجسم.

أما عند ملامسة الجلد، فيؤدي الفوسفور إلى حروق حرارية وكيميائية شديدة قد تصل الى العظام ومن الممكن أن يؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء الداخلية في الجسم. هذا وتؤدي أبخرة الفوسفور الأبيض إلى تهيج شديد وإحساس بوجود جسم غريب في العينين، وإلى تهيج في الحنجرة، ناهيك عن فشل بعض الأعضاء كالكلى والكبد.  لذلك عند التعرّض لأي من هذا الحالات، من الضروري الخروج من المنطقة الملوّثة الى مكان آمن والتخلّص من الملابس الملوّثة والإغتسال بالماء البارد . 
 
وفي هذا الأطار، أوضح الناشط البيئي في جمعية «الجنوبيون الخضر» عباس بعلبكي أنّ خلال فحصه عينات من التربة المختلطة بالفوسفور الأبيض، عمرها أكثر من ثلاثة أسابيع والتي من المفترض أن تكون خاملة، أصابته بصداع حاد وحالة تسمم إستمرت لثلاثة أيام. وأشار إلى أنّ دراسة للجيش الأمريكي تبيّن أنّ الفوسفور الأبيض يبقى في الهواء لدقائق وفي المياه لعدة أيام فقط، لكن الواقع يدحض هذه النظرية إذ إنّ بقايا القذائف في الجنوب قد إشتعلت بعد أكثر من ثلاثين يوماً من إنفجارها.
 
كما أظهرت دراسات روسية إلى أنّ الفوسفور قد يؤدي إلى تشوهات جينية وإلى سُمية خلوية قد تؤثر على الدورة الدموية وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
 
وتقوم وزارة الصحة العامة بدورات تدريبية للعاملين الصحيين حول كيفية التعامل مع الفوسفور الأبيض في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة مع التركيز على المستشفيات المتواجدة في المناطق الأكثر عرضة للإصابة في محافظتي الجنوب والنبطية.
 
تنديد دولي وإصرار إسرائيلي

إنّ استخدام إسرائيل للقذائف الفوسفورية  أثار إنتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي. ونشرت منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تقارير توثق إستخدام القذائف الفوسفورية ضدّ المدنيين في غزة وتحليل تأثيرها على المدنيين والأضرار التي تلحقها في الهياكل البنائية.
 
وأثارت هذه الاستخدامات الوحشية للقذائف الفوسفورية، نقاشاً حول الأعراف والمواثيق الدولية التي تنظم إستخدام الأسلحة في الصراعات المسلحة. وجرى التأكيد خلال العديد من المحافل الدولية على ضرورة التقيّد بقواعد القانون الدّولي الإنساني وحماية المدنيين في الصراعات المسلحة.
 
وتعود إستخدامات القذائف الفوسفورية إلى الحربين  العالميتين الأولى والثانية، إذ إعتُمدت لإضاءة المناطق القتالية وإشعال الحرائق. ومع مرور الوقت، زاد إستخدامها لتحقيق أهداف عسكرية أخرى مختلفة.
 
و لعبت القذائف الفوسفورية دوراً حاسماً في معركة تحرير فرنسا عام ١٩٤٤، حيث إستخدمها الجيش الأميركي  بشكل واسع خلال الإنزال الكبير في سواحل النورماندي. أما في المنطقة العربية، فشهدت معركة الفلوجة الثانية (غرب العراق) في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٤ إستخداماً واسعاً للقذائف الفوسفورية في مناطق مأهولة بالسكان.