رحلة تهريب البشر من سوريا إلى وادي خالد فبيروت: خطف وسرقة وإبتزاز بغطاء سياسي

رحلة تهريب البشر من سوريا إلى وادي خالد فبيروت: خطف وسرقة وإبتزاز بغطاء سياسي

  • ٠١ آذار ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

لم توقف الحرب الإسرائيلية على الجنوب ، النزوح السوريّ إلى لبنان، والذي تكثّف منذ العام الماضي بدوافع إقتصادية أكثر منها أمنية فيما عرف بـ «موجة النزوح الثاني». وكان لمنطقة وادي خالد العكارية شمال لبنان، حصة وازنة من إقتصاد تهريب البشر، الذي ينشط منذ ذلك الوقت بشكل غير مسبوق مستفيداً من تلك الموجة، بغطاء من سياسيين شمالاً.

تتعدّد أنواع «الدويلات» في لبنان، ففي وادي خالد، حيث تتداخل حدود بلداتها مع بلدات سورية، دويلة كاملة لمن يُسمون أنفسهم «أسياد الحدود» من مهرّبي البشر من سوريا إلى لبنان والعكس، فيما الدولة اللبنانية  شبه غائبة عن حدودها.

في السياق، تكشف «بيروت تايم» بالتفصيل، رحلات شبكات تهريب البشر، والتي تعرّض السوريين النازحين للبنان عبرها، إلى مخاطر أسوأ من التي هربوا منها في بلادهم. مخاطر تبدأ بالألغام المزروعة بين المعابر، ولا تنتهي بالإبتزاز المالي وأحيانا الجنسي، إلّا أنّ أكثرها خطورة، هو عمليات الخطف مقابل فدية تصل لآلاف الدولارات، التي يتعرّض لها النازحون خلال مشوارهم من سوريا إلى وادي خالد. وعمليات الخطف هذه، هي سرّ ثراء المهرّبين الفاحش، وهي ما جعلهم «أسياد الحدود» بلا منازع.

 

مهربون كبار وصغار

 

ووفق معلومات«بيروت تايم»، ما زالت عمليات التهريب ناشطة بقوة في وادي خالد، من سوريا للبنان، ويقدّر عدد النازحين اليوميّ إلى لبنان بقرابة 700 شخص، غالبيتهم من النازحين الذين يريدون الإستقرار في لبنان لأسباب إقتصادية.

أما خط التهريب العكسي من لبنان إلى سوريا، فيُسمّى العائدين السوريين إلى سوريا عبره بـ«المرتجع» وفق لغة المهربين، ومن بين هؤلاء، مطلوبون للقضاء اللبناني، يعودون لبلادهم خوفاً من توقيفهم في لبنان، وبعضهم مطلوبون للجيش السوري ولا يستطيعون العودة عبر المعابر الشرعية، فيما البعض الآخر يذهب في زيارة إلى سوريا، قبل أن يدخل الى لبنان خلسة من جديد.

بعد الإنهيار الإقتصاديّ، تدنّت رواتب العسكريين في الجيش اللبناني، وهو ما أثّر بطبيعة الحال على قدرة مؤسسة الجيش على نشر آلاف العناصر لضبط عمليات التهريب عند الحدود، العصية أصلاً على الضبط الكامل، نتيجة لطبيعة تضاريس المنطقة، وحدود البلدات اللبنانية السورية المتداخلة فيما بينها.

ويقع آخر حاجز للجيش اللبناني في منطقة وادي خالد في عكار، في بلدة شدرا، وبعد هذه النقطة، هناك قرابة 20 بلدة حدودية، لا يوجد فيها أي حاجز عسكري، بل فقط نقاط عسكرية عزّزها الجيش منذ بدء موجة النزوح الكبرى الثانية من سوريا إلى لبنان العام الماضي.

تتداخل الحدود اللبنانية السورية، وكذلك شبكات التهريب المشتركة من سوريا إلى لبنان. وينقسم المهربون اللبنانيون والسوريون إلى مهربين كبار، مهربين متوسطي الثراء يديرون عمليات المهربين الكبار، ومهربين صغار، يقتصر عملهم غالباً على الإشراف على عمليات التهريب، أو توصيل النازحين بفانات التهريب أو سيراً على الأقدام بين وديان وادي خالد.

وهؤلاء المهربون على تنسيق كامل، بدءًا من سوريا وصولاً لوادي خالد، وبعدها السفارة الكويتية في بيروت، آخر نقطة لوصول السوريين المهرَّبين إلى لبنان.

أما المهرِّبون الصغار، الذين يقومون بـ «توصيل الركاب» الداخلين الى لبنان بشكل غير شرعي، من المعابر اللبنانية إلى وادي خالد، فهم غالباً شباب من المنطقة، يعتاشون من هذه العمليات في ظل حرمان المنطقة من الإنماء الى حدّ تهميشها. في حين يبرّر سياسيو المنطقة تلك «التوصيلة» بحجة أنّها «التجارة الوحيدة المتاحة أمام أهالي وادي خالد».

 

«طُعْم» الـ100 دولار

 

وصحيح أنّ ثمن تهريب النازح السوري من سوريا إلى لبنان قرابة 100 دولار، لكن هذه الكلفة البسيطة، هي بمثابة «طُعم» يتمّ إستدراج السوريين الهاربين بطريقة غير شرعية إلى لبنان عبره، ليعلقوا خلال رحلتهم في محطات عدة، يطلب منهم فيها المزيد من الأموال التي قد تصل إلى 2000 دولار لإستكمال رحلة العبور إلى لبنان.

فالمئة دولار وهي تقريباً ثمن «التوصيلة» بين مصروف بنزين للفانات أو السيارات التي يُنقلون عبرها، لا تبني مردوداً إقتصادياً متيناً لتهريب البشر، والحال أنّ المهربين يعتاشون على الإبتزاز المالي، فيما المهربون الكبار يعتاشون من عمليات الخطف، التي تتعرّض لها قوافل الهاربين بوتيرة 10% من الرحلات.

أي أنّ قرابة كل 10 رحلات  من سوريا الى لبنان، تتعرّض واحدة منها للخطف، وتُطلب فدية بآلاف الدولارات من أهالي المخطوفين من العائلات السورية، وسط تكتم شديد من تلك العائلات.

وتحصل عمليات الخطف غالباً في الأراضي السورية، وترتبط بإسم «شجاع العلي» أحد أكبر المهربين السوريين. وإذا كانت تجمعات السوريين تنطلق في تلبيسة أوجسر أو جامع شمال مدينة حمص، فتحصل عمليات الخطف غالباً بعد هذه المحطات، على الطرقات المؤدية إلى الحدود مع وادي خالد.

أما المعابر الأساسية غير الشرعية التي يمرّ السوريون عبرها إلى لبنان فهي: خط البترول-معبر «أبو جحاش»، «معبر الروز» عند سكة الحديد، و«معبر الشّبّيّة»- في بلدة الهيشة، و«معبر وادي الواويات» في بلدة المجدل. وهنا تحصل عمليات التهريب الكبرى لعشرات النازحين معاً، في حين تحصل عمليات تهريب لمهربين في معابر أخرى، لشخص أو إثنين هم في الغالب من معارف المهربين.

ومن حالفه الحظ بعدم تعرّض قافلته للخطف، قد يتعرّض للغم أرضي عند إجتياز المعابر، قد وقعت حوادث عدة من هذا النوع ما بين تموز وأيلول الماضيين، حيث كانت عمليات تهريب السوريين للبنان في موجة النزوح الثانية، في ذروتها.

 

مهربون سوريون على خط التهريب

وصحيح أنّ المهربين هم لبنانيون وسوريون، لكن للمهربين السوريين الحظوة الكبرى، فهم أصبحوا كبار المهربين الذين ينشطون على المعابر اللبنانية، ولبعضهم اليوم أملاك من خارج القانون في وادي خالد.

وبالأسماء، يعرف من هؤلاء «الأبرش» وتقدر ثروته بملايين الدولارات، و«أبو ملك»، والذي بدأ عمله كعامل في ورشة بناء في البلدة، واليوم صار «ملكاً» لتهريب البشر عند الحدود.

ومن الأسماء الأخرى المعروفة بألقاب نذكر: «أبو غاندي»، «أبو عدي»، «أبو النور»، «الجدّو»، «أبو عبدلله»، و«القبوط».

 

خطان: مدني وعسكري

 

ويحصل تهريب النازحين ليلاً ونهاراً، ويتمّ نقلهم إلى مراكز إختباء في وادي خالد عبر فانات بسواتر سوداء، تخفي ركابها.

وبعد وصولهم لوادي خالد، يستقرّ النازحون في باحة مبانٍ خالية لأيام، أشهرها بناية «دندل» في مشتى حمود، والتي تمّت مداهمتها مرات عدة من قبل الجيش اللبناني. وتظهر جرأة المهربين بإتخاذهم هذا المبنى مركزاً لتجمّع النازحين الداخلين خلسة، لا يبعد عن حاجز الجيش في  شدرا إلّا أمتاراً قليلة.

أما تهريبهم لخارج وادي خالد، فيحصل إما عبر خط مدني أو عسكري، يتخطى حاجز شدرا نحو بلدة منجز في عكار. والخط المدني، يستغرق خمس ساعات سيراً على الأقدام وصولا إلى منجز، فيما الخط العسكري يتمّ عبر دراجات نارية أو فانات نقل ركاب وأحياناً يختبئ الهاربون في شاحنات، كشاحنة نقل الصخور التي تمّ إكتشافها  في 18 آب الماضي.

 

شبيحة الطرقات

وتكشف «بيروت تايم» عن ألقاب أبرز السماسرة الذين تطارد عصاباتهم السوريين الآتين من وادي خالد إلى المدفون فبيروت: وهم «أبو السعد»، «أبو فريد»، «التمساح»، «أبو جعفر»، و«أم بشار».

إذ لا ينتهي مشوار التهريب  عند وادي خالد، فسماسرة آخرون بإنتظار الركاب، وهم على تنسيق دائم مع المهربين.

فمن نجا من الألغام الأرضية عند المعابر، التي زرعها نظام الأسد، ومن نجا من الإبتزاز المالي أثناء بقائه لأيام في وادي خالد نتيجة رقابة شديدة من الجيش اللبناني، قد لا ينجو من عمليات سرقة هويته والأموال التي بحوزته، وذلك عبر توقيف الفانات التي تقلّهم، وأحياناً تحصل مطاردات بالرصاص الحي.

 

إتجار بغطاء سياسيّ

 

وتدار جميع شبكات التهريب بغطاء سياسي من سياسيين نافذين شمالاً، وفي طليعتهم النائب وليد البعريني والذي تدخّل مباشرة  للإفراج عن مختار بلدة المقيبلة، أحمد المحمد، بعدما أوقفه الجيش على  حاجز شدرا في 17 أيلول الماضي بجرم تهريب أجانب وسوريين بطريقة غير شرعية، حيث لم يمكث في التوقيف لأكثر من يومين، في مثال فاضح عن تورّط هؤلاء، بإقتصاد تجارة تهريب البشر، وضرب محاولات الدولة ضبط شبكات التهريب.

يترافق ذلك مع ترويج سياسيين ونافذين ورؤساء بلديات ومخاتير في وادي خالد، لثقافة تجارة تهريب البشر فيها، على أنّها الركيزة الإقتصادية الوحيدة في المنطقة، وصولا لتعزيزفكرة «إما تجارة تهريب البشر أو يتضور شباب وادي خالد جوعاً».

وفيما يستفيد السياسيون الذين يغطون هذه العمليات من شبكات التهريب وإقتصادها، ويروجون لها من جهة، فهي تصرف نظر السكان عن إهمالهم العمل على مشاريع إنمائية في عكار ، و تهميشهم لحاجات مجتمعهم  من جهة أخرى، ولا من يحاسب.

عكار أو كما تعرف بـ«خزان الجيش» اللبناني الذي يسهر على ضبط الحدود اللبنانية، يُراد لها أن تكون خزان مهربي البشر، ودويلة يوصم أهلها بتجارة تهريب البشر، على حساب أهلها ولبنان، وربماعلى حساب اللاجئين أنفسهم.