ترامب في ولايته الثانية: ماذا يريد من الشرق الأوسط؟
ترامب في ولايته الثانية: ماذا يريد من الشرق الأوسط؟
معالم سياسة ترامب نحو الشرق الأوسط تبدو أكثر صرامة واندفاعاً من ولايته الأولى وربما أكثر استفزازاً لبعض القوى الإقليمية
بعد فوزه في الإنتخابات الرئاسية، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، حاملاً معه رؤية سياسية قد تكون أكثر صرامة واندفاعاً مما سبق. وبينما كانت سياسته في ولايته الأولى قد أثارت جدلاً واسعاً، فإنّ معالم سياسته الجديدة تجاه الشرق الأوسط تبدو أكثر وضوحاً، وربما أكثر استفزازاً لبعض القوى الإقليمية والدولية.
-سياسة «التنمّر» و«الإبتزاز» في مواجهة الشرق الأوسط:
منذ بداية ولايته الأولى، كان ترامب يراهن على القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية كوسيلة لفرض إرادته في العالم. واليوم، يبدو أنّ هذه الاستراتيجية ستظل على رأس أولوياته، حيث تشير المعطيات إلى أنّه سيعتمد سياسة «التنمر» و«الإبتزاز» لزيادة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ومن خلال فرض شروط قاسية على الدول العربية، وتحقيق مكاسب مالية من هذه العلاقات، يسعى ترامب لتعزيز الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالحه الشخصية والجيوسياسية.
-السعودية وإسرائيل: خطوة تطبيع كبرى على حساب فلسطين؟
أحد الملفات الأبرز في سياسة ترامب تجاه المنطقة هو ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل. فالرئيس الأمريكي يرى في هذا التطبيع فرصة استراتيجية لتحجيم القوى الإيرانية في المنطقة وتعزيز الإستقرار الأمني في الخليج. إلا أنّ هذه التحركات لن تكون من دون ثمن. فالسعودية، التي تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، لن تقبل بأن يكون التطبيع مع إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، أقله هذا ما تحاول الرياض إيصاله لنا كعرب، من خلال تصريحاتها.
ترامب، الذي يُعد حليفاً قويّاً لإسرائيل، يسعى لتحقيق «صفقة القرن» التي ستشكل نقطة تحوّل في التاريخ العربي-الإسرائيلي، لا سيما حين طالب مصر والأردن باحتواء فلسطينيي غزة. وهنا تكمن المفارقة: هل سيساوم ترامب على القضايا الفلسطينية من أجل الحصول على مكاسب إقتصادية وأمنية من السعودية؟ وكيف ستتفاعل الدول العربية الأخرى مع هذه التحركات؟ الأسئلة تبقى مفتوحة، ولكن السياسة الأمريكية تحت قيادة ترامب ستكون بلا شك أكثر عدوانية في هذا الاتجاه.
-لبنان في بؤرة الإهتمام: من مسعد بولس إلى مشروعات أكبر في عوكر
لبنان، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة، سيكون له نصيب من السياسة الأمريكية في عهد ترامب. من خلال صهره، مسعد بولس، الذي يُعد مستشاره للشرق الأوسط، فيبدو أنّ ترامب يخطط لإحداث تغييرات جوهرية على مستوى السياسة الداخلية اللبنانية. ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة تراهن على مشروع كبير في لبنان، يتمثل في بناء السفارة الأمريكية في عوكر. هل هذا المشروع يعكس محاولة لتحسين العلاقات مع لبنان؟ أم أنّه جزء من استراتيجية أوسع للضغط على القوى السياسية اللبنانية، بما في ذلك حزب الله، لا سيما مع انطلاقة العهد الجديد؟
-الملف الإيراني: هل يرضي نتنياهو؟
من الملفات الأكثر تعقيداً التي سيواجهها ترامب في ولايته الثانية هو الملف الإيراني. فبعد أن انسحب من الإتفاق النووي في 2018 وأعاد فرض العقوبات على طهران، يسعى ترامب إلى تحقيق انتصار آخر في هذا الملف. لكن المشكلة تكمن في العلاقة الدقيقة التي تربط بين ترامب وبنيامين نتنياهو.
وعلى الرغم من دعم ترامب لنتنياهو في مواجهة التحديات الأمنية، فإنّ هناك تساؤلات عن مدى رضاه عن مواقف نتنياهو في ما يخص الصراع الفلسطيني.
ومع فرض هدنة غزة التي رعاها ترامب، يجد الرئيس الأمريكي نفسه في مأزق: هل سيقبل نتنياهو بتسوية بشأن الملف الإيراني التي قد تضر بمصالح إسرائيل الأمنية؟ وكيف سيتعامل ترامب مع هذا الملف في ظل الضغوط المتزايدة؟
-حزب الله وحماس: التمييز بين الملفات
من الجدير بالذكر أنّ ترامب سيواصل إعتماد سياسة التمييز بين حزب الله وحماس. ففي حين أنّ حزب الله يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، فإنّ حماس، التي تتمركز في غزة، تمثل ملفًا مختلفًا تمامًا.
ويتمتع الشعب الفلسطيني في غزة بترابط قوي مع حركته، في حين أنّ اللبنانيين لا يشاركون نفس التجانس السياسي. ترامب قد يتعامل معهما بشكل منفصل، لكنه سيعتمد على الضغط الإقليمي من حلفائه في المنطقة لتحقيق أهدافه.
-سوريا والعراق: استراتيجية متشابكة مع تركيا
تظل سوريا والعراق في قلب استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط، خاصة مع الدور التركي البارز في هذه المنطقة. يُتوقع أن يواصل ترامب تقاربه مع أردوغان، الذي يمثل محورًا رئيسيًا في سياسات الشرق الأوسط، خصوصًا في قضايا الأمن الإقليمي والعلاقات مع القوى الكردية في شمال سوريا.
وعلى الرغم مما قد يواجهه من معارضة داخلية، فإن ترامب قد يستمر في تعزيز شراكته مع تركيا، وهو ما قد يتسبب في تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية تجاه هذه الدول.
-الحرب في اليمن: تحالف أمريكي ضد الحوثيين
أما في اليمن، فيستمر ترامب في سياسته المعتمدة على تقوية الحلفاء في الخليج العربي لمواجهة التهديد الحوثي. قد تكون هذه الحرب هي الأخيرة، ولكن ترامب يخطط لتعميق التعاون العسكري مع دول الخليج لمواجهة الخطر الإيراني المتزايد في المنطقة.
ترامب قد يرى في هذه الحرب فرصة إقتصادية لأمريكا، حيث ستعزّز من حضورها العسكري في المنطقة بشكل مباشر، كما قد تكون بمثابة اختبار لمدى جدية التحالفات الأمريكية في مواجهة التهديدات الإقليمية.
لذا تبقى الإجابات حول تصريحات ترامب المثيرة للجدل، ونواياه تجاه الشرق الأوسط، رهن تحركاته وتنفيذه لقراراته التي توعد بتنفيذها بجدية تامة.