لقمان سليم: اغتيال الصوت الحرّ في زمن كاتم الصوت
لقمان سليم: اغتيال الصوت الحرّ في زمن كاتم الصوت
في الذكرى الرابعة لاغتيال الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم، يثبت القضاء اللبناني مرة أخرى عجزه عن تحقيق العدالة، مكتفياً بقرار ظنّي يعتبر مرتكبي الجريمة «مجهولين». قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة، بلال حلاوي، أكد في قراره أنّه «لم تتوفر أدلة عن هوية مرتكبي الجريمة لتوقيفهم وسوقهم للعدالة»، مكتفياً بتسطير بلاغ تحرٍّ دائم. وكأنّ العدالة في لبنان أصبحت رهينة المجهول، تماماً كما هي الحقيقة.
وقد نظمت في هذه الذكرى «مؤسسة أمم للأبحاث والتوثيق»، و«دار الجديد» و«ائتلاف الديموقراطيين اللبنانيين» لقاء تحت عنوان: «العدالة والمساءلة»، في الذكرى الرابعة لاغتيال لقمان سليم، في واجهة بيروت البحرية، بحضور سفراء للدول الغربية وحشد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والإجتماعية.
حازم صاغية
رأى المفكر حازم صاغية أنّ «في شخص لقمان سليم، وفي تكوينه، يحضر لبنان الغنيّ والمتعدّد، تماماً كما يحضر في قاتليه لبنانُ آخر، أحاديٌّ وقاحل. فلقمان، كما هو معروف، إبن لأب مسلم شيعيّ كان من المحامين البارزين، ولأمّ مسيحيّة وكاتبة نهضويّة هي في آن معاً لبنانيّة ومصريّة. ولقمان أضاف إلى صناعته البيولوجيّة صناعته لذاته، فاقترن بسيّدة ألمانيّة عملت في الصحافة قبل أن تشاركه اهتماماته وهمومه، وكان كاتباً وناشراً ومترجماً وسينمائيّاً وموثّقاً لذاكرة الحرب وصحافيّاً استقصائيّاً».
وتابع: «بفعل كاتم صوت متعجّل، أو كاتم صوت متمهّل، توزّعت هذه المنطقة بملايينها، من سوريّين ولبنانيّين، فضلاً عن الإيرانيّين، في طبقات جحيم أصيبت ناره بجوع قديم. أمّا شركاء الألم الفلسطينيّين فبإسم قضيّتهم أُوقدت بمزيد من الحطب النار إيّاها التي تأكل لحمهم ولحمنا. وحتّى أسابيع خلت، كان يتراءى أنّنا جميعاً لن نغادر حُفر الجحيم إلى شرفات جبل المَطهر، بل بات واحدنا، في يأسه واستسلامه، أشبه بغريغور سامزا، بطل كافكا، الذي كلّما استيقظ صباحاً وجد أنّه تحوّل إلى حشرة. وكثيرون منّا كادوا يصدّقون أنّ الخطأ كامن في وجودنا نفسه، لا في ما نفعله، كائناً ما كان ما نفعل»
«المجد لكاتم الصوت»: زمن الجبناء
قبل اغتياله، كُتبت على جدران منزله عبارة: «المجد لكاتم الصوت». عبارة تنطوي على تناقض صارخ، فالمجد بطبيعته صاخب، علني، لا يُخفى، بينما كاتم الصوت أداة تُستخدم في الخفاء، وسلاح الجبناء الذين يختبئون خلف الظلام. في معادلة الإغتيالات السياسية في لبنان، يُقتل الأفراد بأيدٍ مجهولة، بينما يُنسب الفعل إلى التاريخ والجماهير، وتُدفن الحقيقة في خطاب مليء بالتضليل.
يقول صاغية: «ما نعرفه، وهو كثير، ممنوعٌ أن يصبح حقيقة. مطلوب أن يبقى وجهة نظر قد تؤدّي بصاحبها إلى الموت». وهذه الجملة تختصر مصير لقمان سليم. كان رجلاً يعرف الكثير، ويحاول أن يحوّل معرفته إلى حقيقة ملموسة، فكان لا بدّ من إسكاته.
الاغتيال في وضح النهار.. والجريمة بلا مرتكب
في 4 شباط 2021، وُجدت جثة لقمان سليم داخل سيارته في الجنوب اللبناني، مصاباً بعدة طلقات نارية في الرأس، في منطقة تخضع بشكل كامل لسيطرة حزب الله. رغم التهديدات العلنية التي تلقاها، والتي وصلت إلى حد كتابة تهديدات بالقتل على جدران منزله، ورغم تحميله المباشر مسؤولية أي اعتداء عليه لحزب الله وحركة أمل، رغم ذلك قرّرالقضاء اللبناني أنّ القاتل «مجهول».
مونيكا بورغمان
وتحدثت مونيكا بورغمان أرملة الشهيد لقمان، فقالت: «خلال اليومين الماضيين، تسرّب إلى الصحافة الصديقة لحزب الله قرار القاضي بلال حلاوي بإغلاق ملف اغتيال لقمان، وعلى الأغلب أنّه فعل ذلك بنفسه. وأظهرت التحقيقات التي أجرتها فرقة معلومات قوى الأمن الداخلي، أنّ لقمان تمّت متابعته منذ لحظة خروجه من منزلنا في الحارة حتى وصوله إلى منزل صديقه في نيحا الجنوب. كما أظهر التحقيق تورّط خمس سيارات، وهي سيارات تمّ التعرّف عليها بشكل واضح، حتى مع أسماء أصحابها. وأظهرت التحقيقات أنّ من كانوا يتعقبون لقمان ظلوا حول المنزل في نيحا حتى خروجه عند الساعة الثامنة والنصف مساء، وأظهر التحقيق أنّ سيارتين من أصل خمس سيارات اعترضت سيارته وتمّ اختطافه. توجهت ثلاث سيارات، بينها سيارة لقمان، إلى الدوسية جنوب صيدا. وأظهر التحقيق التوقيت الدقيق الذي وصلت فيه السيارات الثلاث وسيارة لقمان والخاطفون إلى الدوسية. وأظهر التحقيق التوقيت الدقيق الذي أصيب فيه لقمان برصاصة في الظهر والرأس من الخلف. كانت الساعة بين الساعة 9:20 و9:27 مساءً».
مكرم رباح
أشار الناشط السياسي، عريف اللقاء، الدكتور مكرم رباح إلى أنّ «العدل أساس الملك، هذا شعار الذكرى الرابعة لاغتيال سيد العقل والكلمة، لقمان محسن سليم».
رجل واجه الترهيب حتى اللحظة الأخيرة
ولد لقمان سليم عام 1962 في حارة حريك، معقل حزب الله اليوم، ولم يغادرها رغم كل التهديدات. أسّس «دار الجديد» للنشر و«أمم للتوثيق والأبحاث». عمل على توثيق الذاكرة اللبنانية، وخاصة الحرب الأهلية، وفضح ممارسات القوى التي تحتكر الحقيقة. أسس منصة «هنغار» لعرض الأفلام الوثائقية، وجمعية «هيا بنا» التي سعت إلى كسر احتكار حزب الله للبيئة الشيعية، ما جعله هدفاً دائماً لحملات التخوين والتهديد.
في ثورة 17 تشرين 2019، تعرضت خيمة «الملتقى» التي أسسها مع آخرين في ساحة الشهداء لاعتداء، حينها كتب بياناً تنبأ فيه بمصيره، وحمّل فيه حزب الله وحركة أمل مسؤولية أي اعتداء عليه أو على عائلته.
صوت لن يُمحى
اغتيال لقمان سليم لم يكن حدثاً فردياً، بل جزء من مسلسل طويل يستهدف كل من يرفع صوته في وجه منظومة القتل والترهيب. لكنه، رغم اغتياله، لم يُمحَ. فالقاتل، وإن بقي بلا إسم في السجلات القضائية، معروف في ضمير اللبنانيين. تماماً كما هم معروفون قتلة الصحافيين والسياسيين منذ 2005 وحتى اليوم.
وكما قال حازم صاغية، في لبنان «ما نعرفه، وهو كثير، ممنوع أن يصبح حقيقة» ولكن الحقيقة تفرض نفسها دائماً.