«إردوغان سيَخسر إسطنبول وأنقرة».. ويغادر السلطة

«إردوغان سيَخسر إسطنبول وأنقرة».. ويغادر السلطة

  • ٢٦ آذار ٢٠٢٤
  • جو حمّورة

لم يمرّ سوى عام واحد على فوز رجب طيب أردوغان بالإنتخابات الرئاسة في تركيا، مؤمّناً لنفسه ولاية جديدة تمتد حتى عام 2028. الرجل الماكر، والمتعامل بطريقة ذكية مع المهل الدستورية وحدود الصلاحيات، أمّن لنفسه ولاية جديدة بعد تعديل دستوري سمح له بالترشح مجدداً. ولكن الآن، تتركز الأنظار على الإنتخابات البلديّة القادمة المقرّرة في 31 آذار الحالي، التي قد تشهد تراجعاً في شعبيته وقدرته على التأثير في المشهد السياسي العام.

تحمل هذه الإنتخابات أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل أردوغان السياسي. تأمين الإنتصارات في المدن الرئيسية، بشكل خاص في إسطنبول وأنقرة، حيث عانى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم من الهزائم في عام 2019، أمر مصيري. فالسيطرة على البلديات المحلية والإقليمية لا تعني فقط الحكم العملي، بل توفّر لأردوغان أيضاً آليات لتوزيع المحسوبيات، وهي أساس شعبيته المستمرة.


خسارة إردوغان «محسومة»؟ 
شهد يوم الثامن من آذار الحالي حدثاً مهماً في تركيا. فقد قال إردوغان أمام حشد من «مؤسسة الشباب التركي» ذات الميول المحافِظة، والتي تُعد الذراع الشبابية الأساسية التي اعتمد عليها خلال سنوات حكمه، أنّ «الإنتخابات البلدية المقبلة هي آخر إنتخابات لي، بموجب التفويض الذي يمنحه القانون... أمّا النتيجة التي ستتمخض عنها، فستكون نقل الإرث إلى أشقائي الذين سيأتون بعدي».

وعلى الرغم من أنّ معظم الأتراك يترددون في الخوض في هذا الموضوع «الخطير والدقيق»، يؤكد الباحث الأكاديمي التركي «عمر أوزتورك» لموقع «بيروت تايم» أنّ الأتراك باتوا «أكثر تقبلاً لنهاية العصر الإردوغاني في تركيا، فحتى هؤلاء المؤيدون له منذ عقود باتوا على بيّنة من أنّ يوم 14 أيار عام 2028 سيكون آخر يوم لرئيس الجمهورية في مركزه السلطوي».

لا تغدو الأهمية الأساسية للإنتخابات البلدية في أي حزب سيفوز في أي بلدية، بقدر ما أنّها تلفت الإنتباه إلى «سطوة إردوغان وحزبه على كل شيء في البلاد تقريباً، ما عدا أكبر المدن التركية، وتحديداً إسطنبول، أنقرة وإزمير» بحسب «أوزتورك»، والتي تبقى معقلاً لحزب «الشعب الجمهوري» العلماني. أما الأرياف الأكثر محافظة، فيبقى «العدالة والتنمية» أكثر قوة فيها.

وتشير معظم إستطلاعات الرأي التي أُجريت في شهري شباط وآذار الحالي، إلى «خسارة محسومة» لإردوغان وحزبه في المدن الكبرى «لأنّها أكثر تضرّراً من الأزمة الإقتصادية أكثر من الأرياف، والتي ينحو سكانها إلى رفض السلطة والحزب الحاكم» حسب «أوزتورك.»

وكانت أظهرت أرقام إستطلاعات أجرتهما شركة «أسال للأبحاث» ومؤسسة «متروبول للدراسات»، وهما أهم شركتين معنيتين في هذا المجال في تركيا، عن تراجع مرشحي الحزب الحاكم في إسطنبول وأنقرة وإزمير، فيما يبقى الفارق كبيراً ومريحاً للمعارضة في العاصمة.


الإقتصاد أولاً وأخيراً 
يشير الباحث السياسي السوري – التركي طارق البيطار في حديث لموقع «بيروت تايم» إلى أنّ «الأزمة الإقتصادية وتأثيراتها المعيشية على المواطنين تشكّل المعيار الأساسي الذي يُحدّد على أساسه الناخب خياره الانتخابي». وبالفعل، لم يأخذ موضوع اللاجئين السوريين مساحة واسعة في الفضاء العام المرافق للإنتخابات البلدية الحالية، وذلك على عكس الإنتخابات الماضية، تماماً كما بقي موضوع الحرب في قطاع غزة والحرب في أوكرانيا مساءل هامشية في الحملات الإنتخابية الحالية.

ويتعجّب البيطار المستقرّ في إسطنبول كيف أنّه «من المثير للدهشة تراجع موضوع اللاجئين جداً اليوم، بينما حظي باهتمام كبير في الأعوام الماضية»، فيما يعود ذلك، بحسبه، «إلى إرهاصات الأزمة الإقتصادية وتأثيراتها المباشرة والكثيرة على الناس». في المقابل، تعيد بعض التقارير والتحليلات الصحفية التركية ذلك إلى عدم رغبة المعارضة تكرار الإضاءة على موضوع اللاجئين وخوض الإنتخابات على أساسه، وذلك لأنّها إستثمرت هذا الأمر في الإنتخابات الرئاسية العام الماضي، ولم تستطِع تحقيق نتيجة مهمة، فيما «يبقى موضوع الإقتصاد أكثر تحفيزاً للمواطنين للتصويت الإنتقامي من الحزب الحاكم».

وتعيش تركيا في أزمة إقتصادية صعبة، ربما تكون الأقسى منذ عقدين من الزمن، حيث تراجعت قيمة العملة المحلية إلى أكثر من الضعف، كما زاد التضخم بنسبة 67 في المئة بالمقارنة مع العام الماضي. أما البنك المركزي التركي، فرفع في 21 آذار الحالي معدل سعر الفائدة إلى 50 في المئة، الأمر الذي سيؤدي «إلى إستمرار الأزمة الإقتصادية في تركيا»، بحسب الخبراء.

من المؤكّد أنّ الحزب الحاكم لم يعرف التعامل مع الأزمة الإقتصاديّة في البلاد، وهو ما أثّر على سمعة تركيا بشكل عام، وإردوغان بشكل خاص. وتفيد أرقام الوكالات الدولية الحديثة عن تراجع في التصدير والإنتاج، كما إنخفض الإستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 42 في المئة نهاية عام 2023.

ومع ذلك، يبقى للحزب الحاكم شعبية مهمة، وخاصة في الأرياف الأقل تأثراً بالأزمة الإقتصادية، كما في أوساط الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية والقومية الموالية له. بالإضافة إلى شبكة من الخدمات والمنافع والمؤسسات والروابط التي تجد نفسها متماهية في الفكر والرؤى مع الحزب الحاكم.


«مراهقو المعارضة» والتشتّت السلبي
تراجع نفوذ إردوغان وحضور حزبه الشعبي، لا يعني بالضرورة إستغلال المعارضة لهذا الأمر بشكل جدّي. تبدو المعارضة التركية في حالة صعبة، فهي مشتّتة ومنقسمة على بعضها البعض، بعد أن دفن أعضاؤها التجربة السابقة التي خاضوها في الإنتخابات الرئاسية الماضية، حيث فشلوا في تحقيق نتيجة رغم تكتل أحزاب المعارضة مع بعضها البعض.

ففي عام 2023، شكّلت أبرز ستة أحزاب معارِضة تحالفاً إنتخابياً، إلّا أنّها فشلت في تحقيق نتيجة مهمة. أما اليوم، فيخوض كل حزب معركته الخاصة، سواء ضدّ الحزب الحاكم أم ضدّ بعضهم البعض، وهو ما يفتح المجال أمام «العدالة والتنمية» لتقليل فرص المعارضة الإنتخابية.

تقوم الإضطرابات والخلافات الداخلية في صفوف المعارضة، والمتميّزة بالتنافس البسيط والصراعات السطحية على السلطات المحليّة، بتقويض قدرة المعارضة على تقديم تحدّي متماسك ضدّ الإتجاهات السلطوية لأردوغان. يضع التشاحن داخل حزب «الشعب الجمهوري» الرئيسي، وبينه وبين الأحزاب الصغيرة الأخرى، المعارضة ككل أمام خطر تعطُل أهدافها السياسية الأوسع.

ضمن هذا الإطار، يرى الناشط السياسي التركي «إبراهيم ألتون» في حديث لـ«بيروت تايم»، أنّ «بعض مرشحي المعارضة يفتقدون للكاريزما اللازمة للفوز، لكن الأداء السيء لحزب أردوغان يعزّز من فرص المعارضة ككل». كما يؤكد ألتون أنّ «المعارضة تلهو ولا تعمل في السياسة بشكل حقيقي، وتبدو أقرب إلى المراهق الذي لا يدري ماذا يفعل، ويفكر في النتائج الإنتخابية والسياسية التي يريدها دون معرفة كيفية الوصول إلى تلك النتائج».

إنّ الوضع الراهن يطرح تحديات جسيمة أمام المعارضة التركية، ويتطلّب توحيد الصفوف وبناء تحالفات فعّالة لتقديم تحدّي شامل لسياسات حزب «العدالة والتنمية». في ظلّ تزايد التحديات السياسية والإقتصادية، يبقى توجيه الجهود نحو تحقيق الوحدة وتطوير رؤية سياسية مشتركة هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي التركي.

إنّ تشتّت المعارضة التركية يهدّد بضياع فرصة تاريخية لإزاحة حزب «العدالة والتنمية» من السلطات المحلية. فبدلاً من التعاون، تركّز الأحزاب على صراعات داخلية وتنافسات عقيمة على المناصب، مما يُضعف موقفها ويُسهل مهمة أردوغان في البقاء دون منازع على رأس السلطة.