لقاء روحي جامع في بكركي: تشديد على الشراكة الوطنية في زمن التشرذم والدمار

لقاء روحي جامع في بكركي: تشديد على الشراكة الوطنية في زمن التشرذم والدمار

  • ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٤

بدعوة من البطريرك الراعي، الى المرجعيات الروحية الاسلامية والمسيحية وبحضور السفير البابوي باولو بورجيا. إجتمعت في لقاء وطني وروحي جامع في الصرح البطريركي في بكركي، لمواجهة المأساة الوطنية، لبث روح التضامن والشراكة والتأكيد على الثوابت الوطنية والانسانية التي تنقذ البلاد من مآسيها. 

الراعي: نتفاهم على كل شيء بروح المسؤولية
البطريرك الراعي إفتتح القمة وجاء في كلمته « بروح المسؤولية، والأخوة، والتفاهم التام، من دون أن يشعر أحد أنّه مغبون وأنّ شيئاً يريد أحد منا تمريره على حساب الآخرين بل نتفاهم على كل شيء وعلى كل كلمة  بروح المسؤولية والتجرد ، الوطن مجروح في العمق، وكلنا هنا لمداواة جراحه  الثخينة، والجرح يصيب كل واحد منا، نحن هنا اليوم لعزاء قلوبنا وقلوب شعبنا ، المصاب بالعمق، بالضحايا، والجرحى، والشهداء، والمشردين، والنازحين ، وهدم منازلهم، ومتاجرهم، وحريق أراضيهم، إنّها مأساة وطنية تجتاح الجميع ، كل شخص وبيت وعائلة، والمجتمعالوطني الآخذ بالتفكك والانحلال، الزمن اليوم زمن تطبيب الجراح، وإيجاد الحلول، هذا دورنا كرؤساء روحيين، وما ينتظره منا شعبنا، بل هو حق شعبنا علينا، نخاطبه ببساطة، ومن القلب إلى القلب، هذا دورنا، هذه رسالتنا . بتفاهمنا الكامل، وبروح الأخوة، والشعور بالانتماء بعضنا إلى بعض.

المفتي عبد اللطيف دريان: ما حصل هو إمتحان عسير لنا 

 «ثقوا جميعاً أنّ لبنان سيبقى وطننا جميعاً.  إيمانه بالله وحدته الوطنية أصالة شعبه كفيلة بحفظه وحمايته واستمراره . ورد العدو الإسرائيلي المعتدي على أعقابه فلا خوف أبداً على لبنان . اجتماعنا اليوم في هذه الدار الوطنية التاريخية العامرة ، رجال دين ومرجعيات لبنانية ووطنية مسؤولة ، هو خير رسالة للعالم أجمع وأبلغ رد على هذا العدو الإسرائيلي ،  وما يُظهر من جبروت وهو الذي لا يرعى للقوانين والشرائع الدولية والإنسانية والأخلاقية حُرمة . ولا يُقيم لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية وزناً ، ولا يُولِي للأمم المتحدة ومجلس الأمن احتراماً أو هيبة  ويستعمل آلة القتل والدمار ويرتكب المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بشكل وحشي وهمجي،  لم يشهد له تاريخ البشرية مثيلاً.  بداية غزة والآن لبنان والعالم كله يلوذ ويا للأسف بالصمت المريب ، فلسطين والقضية الفلسطينية قضية حق وعدل.  سيبقى لبنان واحة الحرية والديمقراطية والتراث الإيماني العميق والعيش المشترك الإسلامي المسيحي الآمن. وسيكون في وحدته وتماسقه وتضامن اللبنانيين وعروبته وقوة جيشه الوطني واقتداره،  وغناه الإنسان والثقافي سداً منيعاً في وجه كل طامع ومعتدٍ وغاصب للحق ومكابر. ما حصل أيها الحضور الأكارم هو امتحان عسير لنا جميعاً ، عرض لبنان كله للدمار علنا نطعز ويكون درساً لنا في معالجة مشكلاتنا الحالية والقادمة، ولعل أهمها انتخاب رئيس للجمهورية ، العنوان الجامع للبلاد تقيداً بأحكام الدستور،  وهو الأمر الذي لا يجوز الاستهانة به على الإطلاق ، أو التمادي في تأجيله أو تعطيله . ودوره هو دور الحكم في الصراع السياسي الداخلي. يجب أن نعتاد العيش في كنف الدولة،  ونتقبل فكرة الدولة ونحترم قوانينها ودستورها، ونخضع لسلطانها لأنّنا خارجها نكون جماعات وطوائف وقبائل متناحرة لا رابط بيننا ولا كيان لنا.

الشيخ علي الخطيب: المقاومة تمكنت من تحرير الأرض وإعادة الكرامة 

 «أمام هذه الظروف فقد جئنا آملين منكم بموقف على مستوى هذا الواقع الذي تمارس فيه إسرائيل حرب إبادة موصوفة ، تستهدف كل لبنان بكل ما فيه فيما تتصدى لهذه القوة الغاشمة، مقاومة باع رجالها جماجمهم لله سبحانه وتعالى.

إنّ أهلنا الذين يتعرضون لأقصى صنوف المعاناة،  بعدما دمرت بيوتهم وبلداتهم وقراهم واستشهد من استشهد من أبنائهم ، اضطروا إلى النزوح والتشتت في مناطق لبنان وفي الخارج، وهنا بعد توجيه التحية لهم على صبرهم وتضحياتهم الكبيرة  فداء للبنان ، أتوجه بالتحية الخالصة للشعب اللبناني بكل مناطقه وطوائفه وتنوعه، على فتح أبوابهم لإخوانهم ومواطنيهم الذين اضطرهم العدوان على ترك ديارهم.

 ما قد يعتبره البعض مأخذا علينا  بذريعة أو بدعوى الخروج على الدولة ، نحن أهل الدولة  نحن رعاتها وحماتها  والحريصون على قيامتها وقوتها وسلطتها.
 حين تخلت الدولة والمسؤولون عن القيام بواجبهم  في حماية حدود بلدهم والدفاع عن كرامة أبنائه ، فتمكنت المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني من تحرير الأرض وأعادت للإنسان اللبناني كرامته، ومازالت تتصدى لهذا الوحش المتفلت من عقاله»، «وأول الخطوات أن نبدأ اليوم  بإعادة انتظام المؤسسات الدستورية، بانتخاب رئيس توافقي للبلاد  لذلك نناشد الإرادات اللبنانية الخيرة والحرة ، إلى أن تسعى سعيها لإعادة انتظام المؤسسات، عبر انتخاب رئيس توافقي للجمهورية كي يتمكن من العمل بأريحية ومن دون تحديات،  وأن يقف اللبنانيون خلفه جميعا ليتمكن من قيام بهذا الحمل الثقيل».

الشيخ سامي أبي المنى:معرفة متى تكون المواجهة الدبلوماسية والسياسية أنفع

«تحقيقاً لرسالتنا الانسانية والروحية، وشعوراً منا بالمسؤولية تجاه وطننا وما يتعرض له من دوان اسرئيلي غاشم» «من واجبي مناشدة المسؤولين للتلاقي والتعاون، متبادلين الرأي والموقف».«ومتمسكين بالشراكة الروحية والوطنية التي هي مصدر قوة لبنان وثباته، ولنؤكد بأنّ المشهد اللبناني يمكن أن يكون النموذج الأرقى للتنوع في الوحدة، إذا ما أحسنا إدارته وفهمه والاستفادة منه، وفهم  خصوصيات بعضنا بعضاً وبالتالي إذا ما أسقطنا الأصوات المنادية بصيغ التقسيم والتشرذم المناطقي أو الطائفي».

«نلتقي لنحذر مجدداً لخطورة الإستقواء بالخارج على الداخل، ومن محاولة تغليب طائفة على أخرى مهما كانت الدوافع والمبررات. فلبنان لا يبنى إلا على قاعدة أخلاقية ثابتة تقضي بأن تحافظ كل عائلة روحية على شريكتها في الوطن لا على نفسها فحسب». كما «يقضي الواجب الوطني  والانساني تحاشي الانجرار الى الحروب المدمرة، لندرك بنتيجة ما جرى أنّنا قد قدمنا الغالي والنفيس من التضحيات، وأنّ علينا تجنّب تقديم المزيد وخسارة الوطن،ومعرفة متى تقتضي المصالح الوطنية المجابهة العسكرية، ومتى تكون المواجهة الدبلوماسية والسياسية أجدى وأنفع».

«نلتقي لندعو الى ضرورة إعتماد الحكمة والشورى في النزاعات الاقليمية والقضايا المصيرية، نعتمد الحوار منهجاً وأسلوباً، ونؤكد معاً على وحدة القرار الوطني وعلى  احترام الدستور والقانون، نلتقي لنؤكد على أهمية الطائف والسعي لتطبيقه كاملاً، وعلى ضرورة احترام القرارات الدولية وخصوصاً القرار ١٧٠١». و«نحمل القيادات السياسية مسؤولية ترهل الدولة واستمرار الفراغ السياسي، ونطالب بالاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية».       



وصدر عن القمة البيان الختامي التالي:

أولاً: دعوة مجلس الأمن الدولي الى الانعقاد فورًا، ودون تلكؤ لاتخاذ القرار الحاسم لوقف اطلاق النار، ولإيقاف هذه المجزرة الإنسانية التي ترتكب بحق لبنان الذي يشكّل نموذجاً رائعاً في هذا الشرق، لإعلاء قيم الحق والمساواة والعدالة والتسامح والانفتاح والعيش المشترك السلمي البنّاء بين أتباع الشرائع الدينية والثقافات، وهو الذي وصفه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بأنه رسالة سلام ومحبة.
  
ثانياً: دعوة اللبنانيين جميعاً إلى إنقاذ وطنهم، فالوقت ليس وقتاً للجدل العقيم، والزمن ليس زمن المطالب والمكاسب. الوقت والزمن هما لإثبات جدارتنا بأن نكون لبنانيين موحدين، وأن نستحق انتماءنا لهذا الوطن الذي يغبطنا عليه العالم. الوقت هو وقت التفاهم والتعاون والتلاقي لأنّ الكيان اللبناني بات معرَّضاً للمخاطر والضياع، فأطماع العدو الإسرائيلي ليس لها حدود، لا في الزمان ولا في المكان. الوقت الآن هو وقت التضحية من أجل إنقاذ لبنان، وهو وقت التضامن والتكافل والوحدة. والمطلوب تعزيز ثقتنا بعضنا ببعض، والتعاون لبناء الدولة القادرة والعادلة وتحصين مؤسساتها، ولكي تبقى وحدة الشعب اللبناني هي السلاح الأمضى في الدفاع عن لبنان، وفي تأكيد حقِّه بالحرية والاستقلال والسيادة. 
 
ثالثاً: حثّ اللبنانيين جميعاً على القيام بواجباتهم تُجاه وطنهم، واولها إعادة تكوين المؤسسات الدستورية، ولاسيما قيام مجلس النواب، وفوراً، بالشروع في انتخاب رئيس للجمهوريـة، يحظى بثقة جميع اللبنانيين وذلك تقيّداً بأحكام الدستور، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، بإرادة لبنانية جامعة وعملًا بروح الميثاق الوطني وتغليبًا للمصلحة الوطنية وتجاوزًا للمصالح الخارجية.
 
رابعاً: الشروع فوراً بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 كاملاً، بما يتضمن من دعمٍ جيش اللبناني وتعزيز إمكانياته وقدراته للدفاع عن لبنان، وتأكيد انتشاره الواسع في منطقة جنوب الليطاني، وفي مختلف المناطق اللبنانية. وعلى الحكومة اللبنانية، بوصفها المؤتمنة على السلطة التنفيذية الاضطلاع بمسؤولياتها كاملة والتعاون مع المجلس النيابي وفق الدستور من أجل تعبئة جهود وطاقات الأشقاء العرب والأصدقاء الكثر في العالم للإسهام مع اللبنانيين في إنقاذ لبنان.
 
خامساً: التأكيد على وحدة اللبنانيين، وعلى ضرورة احتضان بعضهم لبعضهم الآخر، ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يسود فيها القلق عندهم جميعاً. ولذلك ينبغي التأكيد على عودتهم، وكفريق واحد متضامن، إلى ما تقتضيه مصلحتهم الواحدة ومصلحة لبنان، وذلك بشروط الدولة اللبنانية وتحت رعايتها، وهذا يعني أن تمسك الدولة بالقرار الوطني، وتُدافع عن سيادتها الوطنية وعن كرامة شعبها، وأن تكون صاحبة السلطة الوحيدة على كامل التراب اللبناني.
 
سادساً: التوجه بالشكر والتقدير لجميع اللبنانيين على المبادرات الطيبة التي عبّروا عنها في جميع المناطق اللبنانية، التي تدل على أصالتهم ووطنيتهم في احتضان بعضهم بعضاً، وفي ما يقومون به من أجل إغاثة إخوانهم النازحين اللبنانيين، الذين اضطرهم العدوان الإسرائيلي إلى ترك قراهم وأماكن سكنهم، مع التأكيد على ضرورة استضافة هؤلاء النازحين الضيوف، إلى أن يعودوا إلى بلداتهم وقراهم ومساكنهم، والعمل على تقديم العناية اللازمة والرعاية لهم، مع التأكيد والحرص على احترام الملكية الفردية، وبالتالي رفض أي نوع من أنواع التعديات على الأشخاص وأملاكهم.

سابعاً: التوجّه بالشكر للدول العربية الشقيقة والدول الصديقة على مبادراتها الطيبة تُجاه لبنان، وتقديمها الدعم السياسي والعون المادي والطبي والغذائي، متمنين على هذه الدول مضاعفة جهودها في نصرة لبنان من أجل وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم وتعزيز صمود شعبه بعد أن أصبح لبنان بلداً منكوباً يستحق مساندته من كل الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية والإنسانية، وتقديم كل المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة الأهالي المُنْتَزَعين من بلداتهم وقراهم، والحفاظ على كرامة اللبنانيين، ولإعادة بناء وإعمار ما تهدّم.

ثامناً: توجيه الشكر لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان للجهود والتضحيات التي تقوم بها حفاظًا على حدود لبنان الجنوبية وسكان تلك المنطقة. ونثمّن تمسكها بالبقاء في مواقعها بالرغم من المضايقات والإنذارات الإسرائيلية غير المبررة، الهادفة الى إلغاء كل شاهد على المجازر الوحشية التي ترتكبها بحق وطننا. اننا ندعو المجتمع الدولي الى الوقوف بجانب هذه القوات وحمايتها.

تاسعًا: التأكيد على أنّ القضية المركزية التي تتمحور حولها معظم القضايا في المنطقة العربية، هي القضية الفلسطينية المحقّة التي ما تزال تنتظر الحلّ العادل والشامل ليكون للفلسطينيين وطنهم وتكون لهم دولتهم السيدة المستقلة حسب ما جاء في المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت في العام 2002، وذلك من خلال فرض حلٍّ عادلٍ ودائمٍ ترعاه الأمم المتحدة وعواصم القرار والأشقاء العرب، فيتكرَّس من خلاله السلام وتنتهي بتنفيذه المأساة.