تعاني النساء في زمن النزاعات المسلحة من أشد أشكال العنف والتمييز الجنسي، حيث يجدن أنفسهن ضحايا للظروف القاسية والسياسات الإجتماعية التي لا توليهن الحماية الكافية. يعتبر العنف ضدّ النساء ظاهرة عالمية تمتد إلى جميع المجتمعات والثقافات، وليس مقتصراً على منطقة محددة. غير أنّ النزاعات المسلحة تعزّز هذا العنف وتؤثر على النساء بشكل خاص نظرًا للظروف القاسية التي يعشنها والتوترات النفسية والجسدية التي يواجهنها.
تأثير الحرب على النساء:
تعيش المرأة في فترات النزاع المسلح تحت وطأة العنف والإضطهاد، حيث يتعرضن لإعتداءات جسدية وجنسية ونفسية. يتعرضن للإختطاف والإغتصاب والتشريد القسري، وتُستخدم أجسادهن كأدوات للإرهاب والتهديد. يضطررن للعيش في ظروف غير صحية ولا إنسانية خاصة الحوامل منهن، ويفقدن حقوقهن الأساسية وحريتهن وكرامتهن. إنّ تأثير الحروب على النساء يشكل إنتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ويستدعي تعاطياً جاداً وشاملاً لحمايتهن وتقديم الدعم اللازم.
وقد ظهرت آمال وتطلعات كبيرة في العالم مع بداية الألفية الجديدة، تجسدت في مبادرات عالمية مختلفة تهدف إلى تصحيح بعض الأخطاء الخطيرة في العالم. واحدة من هذه المبادرات هي قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، الذي جذب إنتباه المجتمع الدولي إلى التأثير غير المتكافئ والمتفاوت للنزاعات المسلحة على النساء. ودعا هذا القرار إلى ضرورة مشاركة المرأة بشكل كامل في حلّ النزاعات وبناء السلام.
دور المنظمات والجمعيات:
وفي هذا السياق لا بدّ من الإضاءة على واقع المرأة الجنوبية الأم والزوجة والأرملة والمطلقة..وغيرها ممن يعشن ظروفاً قاسية، تزداد قساوتها في ظلّ القصف والتهجير.
و تشير الأرقام الرسمية في لبنان إلى أنّ عدد النساء اللواتي قتلن بسبب العنف في عام 2023 بلغ 300 في المئة. ناهيك إن كان بعضهن من سكان المناطق الحدودية يتعرضن للعنف المنزلي الى جانب عنف الحروب، ولا يمكن عزلهن عن هذا العنف حتى في زمن السلم.
تسرد فاطمة الحاج، المحامية في جمعية «كفى»، في حديثها ل «بيروت تايم» معاناة بعض النساء الجنوبيات في لبنان، وتشير إلى عدم تطبيق القوانين لحماية المرأة. تذكر الحاج قصة إمرأة تعيش في منطقة حدودية وتعاني بعد طلاقها من زوجها،إذ تحت ذريعة عدم الأمان في القرية بسبب الحرب، إستطاع زوجها سحب حضانة الأطفال منها وإصطحابهم إلى بيروت، بعيدًا عن والدتهم. تشير حاج إلى غياب الدولة في تقديم تعويضات وحماية لهؤلاء النساء، مما يعتبر نوعًا من العنف ضدهن. وتعمل جمعية «كفى» على حماية المرأة من العنف وقد تمّ تمرير «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» في عام 2014 لحماية جميع أفراد الأسرة.
السعي لقوانين شاملة لحماية المرأة:
ومع ذلك، تسعى جمعية «كفى» اليوم لإقرار قانون شامل يحمي المرأة من جميع أشكال العنف، سواء في السلم أو الحرب، ويشمل الوقاية والحماية والعقاب وتعويضًا خاصًا للنساء المتضررات. تشير الحاج إلى أنّ العنف ظاهرة قديمة في لبنان، ولكن الجمعية تركز اليوم على حالات النزاع المسلح حيث تعيش العديد من النساء، من الأرامل والمطلقات مع أولادهن تحت القصف إنصياعاً لقرارات عائلية خارجة عن إرادتهن.
وكان قد قدّم عدد من النواب (بولا يعقوبيان ، سينتيا زرازير ، نجاة صليبا، فراس حمدان، ميشال دويهي، حليمة قعقور ومارك ضو) مقترحاً لقانون شامل لمكافحة العنف ضدّ المرأة في السلم والحرب، وتمّ تسجيله تحت رقم 1505/2024 بالشراكة مع منظمة «كفى عنف وإستغلال». ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من التحديات التي تواجه جهود حماية المرأة وتعزيز حقوقها في لبنان.
وتتمنى الحاج أن يعلو صوت الإعلام والمجتمع المدني لحماية المرأة والتعويض عنها في ظلّ سطوة الرجل عليها واستغلاله لكافة الظروف.
وللأسف، بينما يعيش لبنان ذروة أزمته الإقتصادية، والحرب الدائرة في الجنوب، التي تنعكس على الجانب المعيشي والإجتماعي للسكان، تتراجع باقي الأولويات الحياتية، وتصبح تفصيلًا من تفاصيل المعاناة الكبرى، بانتظار أن تتحرّك الدولة بإقرار قوانين بسيطة لحلّ بعض الأزمات، ولكن، «على من تقرأ مزاميرك يا داوود»!