الذكاء الاصطناعي سيزيد اللامساواة
الذكاء الاصطناعي سيزيد اللامساواة
في خضم الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وتطويره للاعمال والحياة، يخاض نقاش إقتصادي حول أثره الاقتصادي.
تقيم ورقة بحثية صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، تحت عنوان «الإقتصاد الكلّي البسيط للذكاء الإصطناعي»، لصالح مجلة السياسات الإقتصادية والصادرة في أيار 2024، الإدعاءات حول الآثار الاقتصادية الكلية الكبيرة للتقدّم الجديد في الذكاء الاصطناعي، وتخلص إلى أنّه لا يوجد دليل على أنّ الذكاء الإصطناعي سيقلل من عدم المساواة في داخل بيئة العمل. ومن المتوقع أن تواجه بعض الفئات، وخاصة النساء ذوات التعليم المنخفض والبيض والمولودات محلياً، انخفاضاً طفيفاً في الأجور الحقيقية.
تبدأ الدراسة بالإشارة إلى الإنتشار السريع لـChatGPT، مع ما يقدر بنحو 100 مليون مستخدم شهرياً بعد شهرين فقط من إطلاقه، وتوقعات من بعض الجهات بتحقيق مكاسب إقتصادية ضخمة من التقدم الجديد في الذكاء الإصطناعي حتى خلال السنوات العشر القادمة.
بشكل أكثر تواضعاً، تتوقع شركة غولدمان ساكس زيادة بنسبة 7 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما يعادل 7 تريليون دولار على مدى عشر سنوات، ونمواً إقتصادياً أسرع بنسبة 1.5 نقطة مئوية سنوياً في الولايات المتحدة. ويتوقع معهد ماكينزي العالمي أن ينتج عن التأثير الإجمالي للذكاء الاصطناعي والتقنيات الأتمتة الأخرى، ارتفاع بنسبة 1.5 إلى 3.4 نقطة مئوية في متوسط النمو السنوي خلال نفس الفترة.
يقيم البحث هذه الإدعاءات، بدءًا من نموذج يعتمد على المهام لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، من خلال الأتمتة والتكامل بين المهام. ويثبت أنّه طالما أنّ التأثيرات الإقتصادية الجزئية للذكاء الاصطناعي مدفوعة بتوفير التكاليف وتحسين الإنتاجية على مستوى المهام، فإنّ عواقبه الاقتصادية الكلية على الناتج المحلي الإجمالي ومكاسب الإنتاجية الإجمالية يمكن تقديرها من خلال النسبة المئوية للمهام المتأثرة ومتوسط توفير التكاليف على مستوى المهام.
باستخدام التقديرات الحالية للتعرّض للذكاء الإصطناعي وتحسين الإنتاجية على مستوى المهام، تبدو هذه الآثار الاقتصادية الكلية غير تافهة ولكنها متواضعة، لا تزيد عن زيادة بنسبة 0.71٪ خلال عشر سنوات.
ولكن حتى هذه التقديرات قد تكون مبالغ فيها، لأنّ الأدلة المبكرة تأتي من المهام السهلة التعلم، في حين أنّ بعض التأثيرات المستقبلية ستأتي من المهام الصعبة التعلم، حيث هناك العديد من العوامل المعتمدة على السياق التي تؤثر على اتخاذ القرار ولا توجد مقاييس نتائج موضوعية يمكن من خلالها تعلم الأداء الناجح. على سبيل المثال، كيفية غلي بيضة أو كتابة الروتينات الفرعية للكمبيوتر سهلة التعلم، بينما تكون المشاكل مثل تشخيص سبب السعال المستمر أصعب بكثير.
ثم يستكشف البحث تأثيرات الأجور وعدم المساواة للذكاء الاصطناعي التوليدي، ويخلص إلى أنّه حتى لو زاد من الإنتاجية في مهام متنوعة، فمن غير المرجح أن تترجم إلى أجور أعلى أو تقليل عدم المساواة. بدلاً من ذلك، ستعتمد التأثيرات الأكثر ملاءمة للأجور وعدم المساواة على إنشاء مهام جديدة للعمال بشكل عام، وبشكل أكثر تحديداً، للعمال ذوي الأجور المتوسطة والمنخفضة.
تفصّل الدراسة النموذج المعتمد على المهام المتأثرة بالذكاء الاصطناعي، من إستخدام الأتمتة والتكامل بين المهام. وتعتبر الدراسة أنّ تأثير الذكاء الإصطناعي على الإقتصاد وفقاً لنظرية «هالتن»: تقدير مكاسب الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية الاجمالية من خلال النسبة المئوية للمهام المتأثرة ومتوسط توفيق التكاليف على مستوى المهام.
وباستخدام التقديرات الحالية لاستخدام الذكاء الإصطناعي وتحسين الإنتاجية على مستوى المهام، تبدو هذه الآثار الإقتصادية الكلية مهمة ولكنها متواضعة، إذ لا تزيد عن زيادة بنسبة 0.66٪ في إنتاجية العوامل الكلية على مدى 10 سنوات.
وتجادل الورقة بأنّ حتى هذه التقديرات قد يكون مبالغ فيها، لأنّ الأدلة المبكرة تأتي من المهام السهلة التعلم، في حين أنّ بعض التأثيرات المستقبلية ستأتي من المهام الصعبة التعلّم، حيث هناك العديد من العوامل المعتمدة على السياقات التي تؤثر على اتخاذ القرار، ولا توجد مقاييس لنتائج موضوعية يمكن من خلالها تعلّم الأداء الناجح.
كما ناقشت الورقة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الأجور وعدم المساواة. وأظهرت أنّه حتى عندما يحسّن الذكاء الاصطناعي إنتاجية العمال ذوي المهارات المنخفضة في مهام معينة (دون إنشاء مهام جديدة لهم)، سيزيد ذلك من عدم المساواة بدلاً من تقليله. وعملياً، وجدت أنّ التقدم في الذكاء الإصطناعي من غير المحتمل أن يزيد من عدم المساواة بقدر ما فعلت تقنيات الأتمتة السابقة، لأنّ تأثيره موزع بشكل أكثر تساوياً عبر المجموعات الديموغرافية، ولكن لا يوجد أيضاً دليل على أنّ الذكاء الإصطناعي سيقلل من عدم المساواة في دخل العمل. وعوضاً عن ذلك، من المتوقع أن يوسع الذكاء الاصطناعي الفجوة بين دخل رأس المال والعمل. وقد تكون بعض المهام الجديدة التي ينشئها الذكاء الاصطناعي ذات قيمة إجتماعية سلبية (مثل تصميم الخوارزميات للتلاعب عبر الإنترنت)، وكيفية تضمين الآثار الإقتصادية الكلية للمهام الجديدة التي قد تكون ذات قيمة اجتماعية سلبية.
النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي ليس جديداً، ويأخذ حيزاً بين الإقتصاديين والأكاديميين، خاصة في الغرب. ويعتبر أستاذ الإقتصاد في جامعة كولومبيا، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 جوزيف إي. ستيغليتز، أنّ «الرأسمالية غير المقيّدة، والإبتكار غير المقيّد، لا يؤديان إلى الرفاهية العامة لمجتمعنا». مؤكداً «هذا واحد من النتائج التي أظهرتها بقوة كبيرة. لا يمكن للمرء أن يترك الأمر للسوق فقط». جاء تعليق «ستيغليتز» على خلفية إضراب العاملين في هوليود، اعتراضاً على استبدال ممثلين وكتاب، بالذكاء الاصطناعي.
واعتبر أنّه يحلّ مكان الناس في الوظائف الروتينية أكثر، حيث توجد مجموعة من القواعد، يمكنه قراءتها ورؤية ما إذا كانت تلك القواعد متبعة. قد لا يكون لديه نظرة جيدة للإستثناءات، ولذلك يعتقد أنّه سيكون هناك الكثير من التفاعل بين الذكاء الإصطناعي والبشر: سيستخدم الناس الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الإنتاجية.
يشبّه الذكاء الاصطناعي إلى حدٍ كبير بالصندوق الأسود بمعنى أنّ حتى الأشخاص الذين يخلقونه لا يفهمون تمامًا كيفية عمله، ويضيف «لذلك تكهن بعض الأشخاص على الأقل أنّ إدارة الذكاء الاصطناعي قد تتطلّب مهارات لغوية وإنسانية أكثر من المهارات الرياضية. وقد يخلق تغييراً في أنواع المهارات التي تكون ذات قيمة في سوق العمل. أراه على الأقل في العديد من المجالات، يزيد الإنتاجية بشكل كافٍ لدرجة أنّ الطلب على العمل في تلك المجالات سينخفض. ستُخلق وظائف جديدة، لكن تقديري هو أنّ هناك المزيد من الوظائف التي ستُفقد».
وكما حلّت الروبوتات محل العمل البدني الروتيني. يحلّ الآن، الذكاء الاصطناعي محل العمل المكتبي الروتيني، أو يقلل الطلب عليها. لذا يعتقد «ستيغليتز» أنّ الوظائف التي كانت مكتبية بشكل روتيني، ستكون في خطر. وهناك ما يكفي من تلك الوظائف بحيث يكون لها تأثير إقتصادي كبير على مستوى عدم المساواة.
في المقابل يؤكد على ضرورة التنبه إلى«أنّنا خلقنا نظاماً حيث لا يمتلك العمال الكثير من القدرة التفاوضية. في هذا النوع من العالم، قد يكون الذكاء الاصطناعي حليفاً لصاحب العمل ويضعف القدرة التفاوضية للعمال أكثر، مما قد يزيد من عدم المساواة أكثر. هناك دور للحكومة في محاولة توجيه الإبتكار بطرق تزيد الإنتاجية وتخلق وظائف، لا تدمّرها».