قاضٍ يتحرش بقاضيات: ما حقيقة هذه القضية؟

قاضٍ يتحرش بقاضيات: ما حقيقة هذه القضية؟

  • ٠٦ حزيران ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

في خطوة قضائية تشكل خطراً واضحاً على الجسم الصحافي والإعلامي في لبنان، نظراً لما تحمله من تداعيات خطيرة على حرية الصحافة في لبنان وعلى حقوق الصحافيين في حماية مصادر معلوماتهم.

تخطى المدعي العام التمييزي الحالي، القاضي جمال الحجار الخطوط الحمراء في التعاطي مع الجسم الإعلامي والصحافي في لبنان، وفرض على الصحافية ثريا شاهين تسليم هاتفها الخلوي الخاص بها للنيابة العامة التمييزية، والتصريح عن كلمة المرور الخاصة بها، ليتم إرساله إلى فرع المعلومات بهدف تفريغ جميع الرسائل الموجودة على تطبيق «الواتساب» والإطلاع على إتصالاتها الخاصة، من أجل الكشف عن المصدر الذي سرّب لها المعلومة التي تفيد أنّ أحد القضاة الإداريين قد تحرّش بقاضيات في قصر عدل بيروت. 

وكانت منصة «صوت بيروت»، قد نشرت منذ أيام تقريراً ذكر في مضمونه معلومة تفيد بأنّ أحد القضاة الإداريين في قصر عدل بيروت يتحرش ببعض القاضيات أثناء دوام العمل. ومضمون المقال أثار إستياء الجسم القضائي في لبنان، وأثار حالة كبيرة من الإمتعاض لدى مجموعة كبيرة من القضاة، ولهذا، قرّر المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار التدخّل في هذا الأمر، ووضع النقاط على الحروف، للتأكّد من هذه المعلومات وفتح تحقيقات موسّعة بهدف الوصول إلى أسماء القاضيات اللواتي صرحن بهذا الأمر، ومعرفة عما إذا كان هذا الأمر إفتراء وإهانة للقضاء اللبناني، أو أنّها قضية حقيقية جرت داخل أروقة العدلية خلال مزاولة القاضيات عملهن.

 ولكن، وبعد نشر المقال بساعات، إعتذرت المنصة عن الخبر، وتراجعت عن مضمون المقال من دون نشر أو توضيح أسباب ذلك، ونشرت بياناً جاء فيه: «تعقيباً عن خبر نشر سابقاً في منصة صوت بيروت، حول إخبار يتعلق بمرجع قضائي إتضح لاحقاً عدم صحته شكلاً ومضموناً. تتقدم صوت بيروت بالإعتذار من الجسم القضائي في لبنان ومن أي شخصية قضائية مسها أي سوء من دون أي قصد من وراء الخبر المنشور..». 

لكن الحجار لم يكتفِ بهذا القدر، بل أصرّ على معرفة مصدر هذه المعلومة التي سُربت، والتأكّد من صحتها، بالتزامن مع تقديم أحد القضاة إخباراً في حق المنصة، متهماً إياها بالإفتراء على الجسم القضائي وإهانة القضاة بهذه التهمة التي لا أساس لها، فطلب الحجار إستجواب الصحافية بنفسه، وحقق معها اليوم لساعات طويلة، فتراجعت عن مضمون الخبر، ولكن اللافت في خطوة الحجار تلك، أنّه أجبرها على تسليم هاتفها الخلوي، لتفريغ مضمونه!

وخطورة هذه الخطوة، أنّها تهديد واضح للجسم الصحافي في لبنان وانتهاكاً للخصوصية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا، إذ لا يحقّ تفريغ هواتف الصحافيين والإطّلاع على رسائلهم الخاصة ومعرفة مصادر معلوماتهم، نظراً لوجود رسائل وإتصالات أو صور خاصة تعود لصاحب الهاتف، ومن حقه ألا يرغب بأن يتم الإطلاع عليها لأي سبب كان. 

وإن أردنا تفسير «حرص» الحجار على القضاء، واهتمامه في هذه القضية، فما الذي سيفعله إن ثبت له بعد تفريغ الهاتف أنّ إحدى القاضيات هي التي سربت هذا الأمر للصحافة؟ ما الإجراء الذي سيتخذه في حقّ القاضي المتهم إذا ثبت الأمر؟ وكيف سيتم إثبات هذا الأمر قضائياً؟ ومن جهة أخرى، إنّ ثبت للحجار أنّ أحد المصادر الموثوقة هو الذي سرّب الخبر للصحافية لأهداف أخرى، فما الإجراء الذي سيتخذه الحجار؟ مع العلم أنّ المنصة إعتذرت عن مضمون الخبر وتراجعت عنه. 

ولكن ما يستدعي اهتمامنا اليوم هو الإضاءة على هذا التجاوز الحاصل، ولعل هذا التفصيل لا يجب أن يمر مرور الكرام، فإنّ محكمة المطبوعات هي المخولة بالتحقيق مع الصحافيين بعد الإدعاء عليهم، والأهم من هذا كله، أنّ الهاتف الشخصي للصحافي أو الإعلامي أو لأي مواطن آخر، هو من مقتنياته الخاصة التي لا يُسمح لأي أحد الإطلاع على مضمونه.