صعود مؤشر الدولار الأمريكي

صعود مؤشر الدولار الأمريكي

  • ٣٠ حزيران ٢٠٢٤
  • ريمي يونس

كيف تفوق الدولار على العملات الأخرى في سباق العملات العالمي؟

منذ نوفمبر 2023 لم يشهد مؤشر الدولار الأمريكي مستويات مرتفعة كالتي وصل اليها في الأشهر الأخيرة من هذه السنة حيث وصل إلى أعلى مستوياته بشكل ملحوظ، معززًا مكانته كعملة رئيسية في الأسواق العالمية في ظل رهانات عديدة تشترط على تدهور الاقتصاد الاميركي لسنة 2024. في الوقت نفسه، تراجعت العديد من العملات الأخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني لأسباب وعوامل عديدة ما يبقي الدولار الأمريكي في المركز الأول من بينهم جميعاً.
 
تعتبر الولايات المتحدة أكبر إقتصادات في العالم، وعلى الرغم  من أنّ التضخم يمثل تحدياً، إّّلا أن إرتفاع معدلاته يعكس في الوقت نفسه زيادة الطلب و النشاط الإقتصادي المتزايد. وتشير التقارير الإقتصادية الأخيرة إلى أنّ الإقتصاد الأمريكي يحقّق نمواً مطرداً. من أبرز هذه التقارير هي بيانات التضخم لشهر مارس 2024، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين نمواً بنسبة 3.5% على أساس سنوي. هذا الأداء القوي يعزّز من ثقة المستثمرين في الإقتصاد الأمريكي ويدعم قوة الدولار.
وقد قرر الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي الإستمرار في رفع أسعار الفائدة بهدف مكافحة التضخم والحفاظ على الإستقرار الإقتصادي. هذه السياسة النقدية التشديدية تزيد من جاذبية الدولار الأمريكي للمستثمرين الباحثين عن عوائد أفضل، مما يعزّز من قيمته مقابل العملات الأخرى كما حصل بشكل ملحوظ.
 
أما عن عائدات السندات الأمريكية فقد شهدت إرتفاعاً ملحوظاً مع إستمرار الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة. هذا الإرتفاع في العائدات جعل من السندات الأمريكية أكثر رغبة للمستثمرين الدوليين، مما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار وارتفاع قيمته.
 
و في ظلّ التوترات الجيوسياسية التي يشهد عليها العالم ، سارع المستثمرون الى تحويل أموالهم الى الدولار كملاذ آمن في أوقات الأزمات وعدم الإستقرار السياسي كونها العملة الأقوى اليوم للمحافظة على أموالهم.لا شك أنّ اختيار المستثمرين الدولار الأمريكي يؤكد تربعه على عرش السلطة الأقوى عالمياً و خصوصاً إقتصادياً.

أداء العملات الأخرى مقارنة بالدولار الأمريكي

في عالم الإقتصاد المتقلّب، يظلّ أداء العملات مقارنة بالدولار الأمريكي موضوعًا مثيرًا للجدل ومحل إهتمام كبير من قبل المستثمرين وصناع القرار. وفي الآونة الأخيرة، برزت تحديات كبيرة أمام بعض العملات الرئيسية مثل اليورو، الين الياباني، والجنيه الإسترليني، ما دفع إلى إعادة تقييم مواقف هذه العملات على الساحة العالمية.

اليورو:تحديات إقتصادية وهيكلية

يواجه اليورو تحديات جمة منها تباطؤ النمو الإقتصادي في منطقة اليورو، حيث سجلت بعض الدول الأعضاء معدلات نمو سلبية أو ضعيفة خلال الربع الأول من عام 2024. كما أنّ التوترات السياسية داخل الإتحاد الأوروبي، مثل الأزمات الحكومية في إيطاليا وإسبانيا، تضاف إلى عدم الإستقرار. وبالرغم من جهود البنك المركزي الأوروبي لاحتواء الأزمات عبر سياسات نقدية أقل تشددًا مقارنة بالفيدرالي الأمريكي، إلّا أنّ هذه الجهود لم تكن كافية لتعزيز جاذبية اليورو. ووفقًا لتقرير صادر عن بنك HSBC، فإنّ اليورو تراجع بنسبة 5% أمام الدولار منذ بداية العام، مما يعكس ضعف الثقة في الأقتصاد الأوروبي.

 الين الياباني: السياسة النقدية التيسيرية وتأثيرها

الين الياباني شهد تراجعًا كبيرًا في الأشهر الأخيرة، مسجلًا أدنى مستوياته أمام الدولار منذ عقدين. يتبع بنك اليابان سياسة نقدية تيسيرية للغاية، تشمل معدلات فائدة سلبية وبرامج تحفيز مالية واسعة النطاق. هذه السياسات تجعل العوائد على الأصول اليابانية أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين. في مايو 2024، أشار تقرير لرويترز إلى أنّ الفارق بين أسعار الفائدة في الولايات المتحدة واليابان وصل إلى أعلى مستوى له منذ 30 عامًا، ما أدى إلى تحويل الإستثمارات نحو الأصول الأمريكية ذات العوائد المرتفعة، مما أثر سلبًا على الين.

الجنيه الإسترليني: تداعيات البريكست والإضطرابات السياسية

منذ خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، لم ينجح الجنيه الإسترليني في استعادة قوته بشكل مستدام. يعاني الإقتصاد البريطاني من آثار البريكست، بما في ذلك إنخفاض حجم التجارة مع الإتحاد الأوروبي وزيادة التكاليف على الشركات. علاوة على ذلك، فإنّ الإضطرابات السياسية الداخلية، مثل التغيرات المتكررة في الحكومة البريطانية وعدم الإستقرار السياسي، تساهم في ضعف العملة. وفي تقرير صدر في يونيو 2024 عن مؤسسة بلومبيرج، أُشير إلى أنّ الجنيه تراجع بنسبة 4% أمام الدولار منذ بداية العام، وسط مخاوف من ركود إقتصادي محتمل.

 كل هذه البيانات تؤكد على تفوق الدولار الأمريكي في سباق العملات العالمية نتيجة لأداء الإقتصاد الأمريكي القوي، السياسات النقدية التشديدية للفيدرالي الأمريكي، وإرتفاع عائدات السندات الأمريكية كما ذكرنا سابقاً. بالإضافة الى دوره كملاذ آمن في ظل التوترات الجيوسياسية يجعل المستثمرين يفضلونه على العملات الأخرى. في المقابل، تواجه العملات الأخرى مثل اليورو، الين الياباني، والجنيه الإسترليني تحديات إقتصادية وسياسية متعدّدة تؤدي إلى تراجعها. يعكس هذا الوضع التحولات الإقتصادية والسياسية الحالية، ويبرز قوة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية.

تظهر البيانات الحديثة والتقارير الإقتصادية بوضوح أنّ الإقتصاد العالمي يمرّ بمرحلة من التحولات الكبيرة، والتي تتطلب متابعة دقيقة وتحليل مستمر لفهم تأثيرها على الأسواق المالية والعملات.