بيروت حسن جوني: حلمٌ مائي

بيروت حسن جوني: حلمٌ مائي

  • ١٤ تموز ٢٠٢٤

عندما تحكي اللوحة قصة المدينة المفقودة

 

عند تصفح الانترنت تطالعك عدد من الصور المذهلة، ويحاول المرء القيام باسقاطات شخصية على أمور يشاهدها، والكثير منها تلفتنا، وكل وفق مزاجه واهتمامه أو ما يثير قلقه أو ما قد يرغب به. واحدة من اللوحات على وجه الخصوص مذهلة للرسام حسن الجوني، عبارة عن سلسلة بعنوان بيروت بألوان مضيئة، البيوت متراصة في تناسق عمراني تقليدي لبناني، شبابيك وأبواب مشرقة وناس على الطرقات يتحركون في هدوء وطمأنينة، وما يلفت بحر بيروت الملاصق للبيوت، هادىء ونظيف، وفي إمتداده الطبيعي، والبيوت والشوارع متناسقة تخالها عنقود من  القرى المتلاصقة تربض على الشاطىء.

تعتبر اللوحة شخصية للغاية كلّ يرى فيها ما يستهويه في  المدينة، فهي واقفة في وجه الصراعات المدمرة التي ما زالت تمرّ عليها، وما تواجهه من تشتت، وتلوث عمراني وفوضى، وكآبة ترخي ظلالها على حياة الناس، اللوحة تصلح أن تكون قصة كلّ العائلات التي كبرت في بيوتها المؤلفة من طبقتين، في البيوت الواسعة ذات السقوف العالية تحكي قصة الجيرة الطيبة وكل الأولاد الذين لعبوا في أحيائها.

مدينة حسن جوني من الذاكرة، بحلوها الطفولي المشرق، فهي عمارة داخلية نابعة من الذات مشرقة، يناقض الواقع ويسعى الى إنقاذ زمن خرابها، بيروت حسن جوني لا تشبه أكوام النفايات ولا تناثر زجاج المدينة وأشلاء الناس لحظة إنفجار مرفأ بيروت، ولا الحروب الصغيرة والكبيرة،  تقف اللوحة في وجه تجريح وتشويه هوية المدينة، فالبحر جار لطيف هادىء مفتوح على العالم، سبق زمن ردم الشواطىء والتعدي على تكوينها الذي صنعته الطبيعة عبر ملايين السنين.

إنسان اللوحة مطمئن، مجاور، غير مشتّت بالصراعات الطائفية والسياسية والحزبية وقلق الحروب النفسية والفعلية، وغير مشتت بتفاصيل الحياة اليومية المقززة التي توحي بالعقم والمرارة.

فاللوحة هي محاولة للقبض على المكان والمشهد قبل تغيّره أو زواله. ففيها خصوصية محلية لبنانية  تنقلها الى الآخرين، بعيدة عن التقليد أو الأشكال الرائجة، الألوان تفيض بالإنفعال والبهجة، ربما هي حاجة الى من لم يعاصر زمن بيروت قبل الحرب، وقبل إكتساح الباطون العشوائي، عندما كانت بيوتها وجوامعها وكنائسها وأديرتها وبحرها تشهد على تاريخ صنع من حوار لا ينقطع مع الآخرين ومع الطبيعة، مدينة تعبر عن نفسها بحرية وبكل الطرق التي تناسبها. تبدد سوء الظن بالآخرين الذي ينمي الحذر منهم. وكما قيل بيروت حسن جوني تشهد على نفسها قبل أن يباع القمر والنجوم للميليشيات، هي استعادة للعمر بعدما شطبه الفساد والعنف والكراهية. وهي الحلم بالسلام والبيئة السليمة بشراً وبحراً وحجراً.