القيادة على طريقة نيلسون مانديلا

القيادة على طريقة نيلسون مانديلا

  • ١٨ تموز ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

«تكلمت من أعماق قلبي لأبيّن للناس أولاً وقبل كلّ شيء أنّني لست مسيحاً ولكنّني بشر أصبحت زعيماً بفعل ظروف وأحوال وتطورات غير عادية، وأعربت على الفور عن شكري لكلّ مَن عمل على إطلاق سراحي في جميع أنحاء العالم»(مانديلا،«رحلتي الطويلة نحو الحرية»)

«لقد خفّ حنقي تجاه البيض في السجن، لكن بغضي للنظام العنصري تضاعف،كنت حريصاً أن تعلم جنوب أفريقيا أنّني أحب حتى أعدائي،مع كراهيتي للنظام الذي خلق تلك العداوة بيننا»
لقد تنحى في عصرنا الحكماء وأصحاب الإرادة والنوايا الحسنة وأصحاب المشاريع الإنسانية الكبرى ليحلّ محلهم قادة النفوذ والمال والسيطرة على الموارد وصناع الحروب الإستراتيجية.
في اليوم العالمي لنلسون مانديلا، أول ما يتبادر الى الذهن أنّه مجرد أن يُدرج يوماً عالمياً للإحتفاء به هذا يعني أنّه أحدث فرقاً في المعايير الإنسانية والمبادىء الأخلاقية، في أدارة الحكم والأزمات والمآسي الإجتماعية وسبل بناء المستقبل على أسس قيادية فاضلة.
الإضاءة على هذه الهامات العالية حاجة العالم اليوم الذي يعيث قادته الفوضى ويأججون الصراعات، ويتفرجون على المجازر والمآسي كأنّها من عُدة العمل.
وربما نحن في لبنان نحلم بقادة من هذه الطبقة، وليس زعماء يتمرغون في الوحول ليصنعوا سياسة، قادة مؤمنون أنّ السياسة تأتي من الخير. 

القيادة على طريقة مانديلا
يقول في كتابه «رحلتي الطويلة نحو الحرية» والذي يسرد مراحل مكوثه في السجن طوال ٢٧عاماً: « القضية الكبرى التي شغلتني أنّنا قضينا في السجن عشرين عاماً . لقد إنقضى العهد الذي تركناه خارج السجن، وأصبحنا نواجه تحجّر أفكارنا في عالم الزمن. فالسجن نقطة سكون في عالم متحرك ومن السهل على المرء أن يظلّ في السجن عند نقطة بعينها بينما العالم يتغير ويتقدم. سعيت دوماً لأن أفتح ذهني للجديد من الأفكار ولا أرفض موقفاً لأنّه جديد أو مختلف، واصلنا الحوار بيننا نحن الرفاق السجناء، وطرحنا أفكارنا ومبادءنا للصقل والتمحيص والنقاش، لم نجمد بل تطورنا مع الأحداث… لم أشك يوماً أنّني سأستعيد حريتي،..ويوم أخرج من السجن لن أظهر أمام الناس تحفة سياسية متحجرة»
 لم يكن الخروج الى الحرية طريقاً معبداً كان عليه أن يمشي طريقاً شاقة في إقناع الأصدقاء والخصوم ، بالتحولات ،وتقريب وجهات النظر ورسم الحدود الوسطى بين الجميع.
ففي أقسى لحظات الإعتقال واللايقين من المستقبل والحرية خارج السجن كان مدركاً لأهمية المرونة في مواجهة المتغيرات، ويظهر صدقاً في وصف تجربة السجن وتأثيره على مسيرته، وكان التحدي ذاتياً أظهر وعياً لخطورة الإنغلاق على قناعاته في سياق العالم المتغير.
لقد دخل الى السجن كناشط مؤمن باستخدام العنف ضد نظام الفصل العنصري، الى صاحب قناعة في النضال اللاعنفي من أجل نضال السود في جنوب أفريقيا للحصول على الحريّة والعدالة،«إنّ هدف النضال المسلح ظلّ دائماً إجبار الحكومة على الجلوس حول مائدة المفاوضات وها قد تحقّق الهدف».
كان مانديلا رافضاً مبدأ التفاوض مع حكومة الفصل العنصري التي يقودها الحزب الوطني للبيض في البلاد، ففي فترة سجنه الطويلة تحوّل الى مؤمن بالحوار والتفاوض وبناء جنوب أفريقيا ديموقراطية لجميع سكانها الظالمين والمظلومين على قدم المساواة. وفي كتاب السيرة الذاتية ذكر مرة في سياق النقاش مع رفاقه في السجن «إنّني أرى أن نشرع في المفاوضات ولا نشغل أنفسنا بمن الذي طرق الباب أولاً»
ففي بدايات عمله السياسي قبل مرحلة السجن كان مؤمناً أيضاً بأهمية السيطرة الكاملة لحزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» على الحكومة، الى أن أعاد النظر في الأفكار والإستراتيجيات، فبات مؤمناً بالتعددية الثقافية والعرقية والسياسية على كلّ الصعد، وقد أشار في مقدمة ميثاق الحرية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي «جنوب أفريقيا هي بلد كل مواطن يقيم فيه سواء أكان أسوداً أم أبيض».
واللافت، وغير المتوقع من سجين سياسي أمضى ٢٧ عاماً قاسية داخل الزنزانة، كيف أظهر هذا الكم من التسامح مع كل الذين أقاموا نظام الفصل العنصري العنيف، وكانت لديه القناعة التامة في بناء الجسور والتواصل بين الجلاد والضحية ،والمصالحة وإعادة بناء الثقة، وعلى حدّ قوله «هناك منطقة وسطى بين مخاوف البيض وآمال السود سوف نتعرّف على تلك المنطقة ونحددها، نريد من البيض أن يشعروا بالأمان وأن يعلموا أنّنا نقدر ما قدموه من مساهمات في بناء هذا البلد وتطوره»
لقد واجه أعظم الشرور وعرف كيف يتجاوز الخطايا التي ارتكبها الآخرين في عبرة أنّه يمكن للعدالة والتسامح أن يتغلبا على أكبر قدر من القسوة. 

من هو نيلسون مانديلا؟
ولد نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا عام 1918 لعائلة من قبيلة الهوسا. درس القانون وشارك في السياسة المناهضة للاستعمار.
انضم مانديلا لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) وشارك في تأسيس «رمح الأمة» (MK) التي نفذت أعمال تخريب ضد نظام الفصل العنصري.
اعتقل مانديلا عام 1962 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. قضى 27 عامًا في السجن، أُطلق سراحه عام 1990 بعد حملة دولية ضغطت من أجل إطلاق سراحه.
بعد إطلاق سراحه، قاد مانديلا المفاوضات مع الحكومة لإنهاء الفصل العنصري. انتُخب رئيسًا لجنوب أفريقيا عام 1994، ليكون أول رئيس من ذوي البشرة السمراء لجنوب أفريقيا. ركزت حكومته على المصالحة العرقية وتفكيك إرث الفصل العنصري.

يُعتبر مانديلا رمزًا للمقاومة ضد الفصل العنصري ومُلهمًا للعديد من الناس في العالم. يُعرف باسم «أبو الأمة» في جنوب أفريقيا، وحصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة نوبل للسلام.

من كتاب «رحلتي الطويلة نحو الحرية»

«سمعت عن متظاهرين يتحرشون بالأبرياء ويضرمون النيران في السيارات، إنّ أمثال هؤلاء لا مكان لهم في النضال، الحرية لا تعيش بدون القانون والعيش بسلام».

«نصحني الأصدقاء للإنتقال الى بيت شيدته ويني في غيابي، وكان بيتاً فخماً بمعايير سويتو الفقيرة، ولكن نظراً الى حجمه وفخامته فهو لا يليق بزعيم من زعماء الشعب أمثالي، ولأنّي كنت أرغب في العيش بين قومي والعيش كما يعيشون».

«فوجئت في قريتي الصغيرة بالكثير الذي تغير، في صباي رضي الناس بالحياة ولم يحلموا بتغييرها، واليوم عدت لأجد أطفال المدارس قد تسربت إليهم أدبيات النضال»

«رغم فرحتي بذلك الإستقبال العارم، لقد حزنت لعدم توديعي حراس السجن بالصورة التي كنت أود، لقد شعرت في تلك اللحظة التي عبرت فيها بوابة السجن أنّني في الواحدة والسبعين من عمري أبدأ حياتي من جديد. وكانت تلك نهاية عشرة آلاف يوم في السجن»

«كان حلمي بعد الخروج من السجن أن أقوم برحلة بهيجة إلى مسقط رأسي، فأزور الجبال والجداول ومجاري المياه التي ترعرعت بينها في صباي، وأزور قبر أمي الذي لم أزره بعد. ولكن لا مفرّ من تأجيل ذلك الحلم بعد أن علمت بتفاصيل البرامج والخطط التي وضعها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لحياتي الجديدة»