فجر القرود في بلاد العم سام

فجر القرود في بلاد العم سام

  • ٢٤ تموز ٢٠٢٤
  • جورج طوق

تنحدر شخصيّة القادة، في العالم، بتسارعٍ شديد. في المنازلة الأميركيّة الحاليّة، مرشّحٌ يخطئ في ما يجب عليه قراءته عن المُلقِّن، وآخر يخطئ في ما لا تجب قراءته البتّة. وبين البلادة والبلاهة، في السباق إلى قيادة بلاد العم سام، بات أُفول عصر القادة محتومًا.

 
حلّ الأميركيّون، الذين سبقوا الكوكب إلى القمر، في المرتبة الأخيرة في سباق التنبُّه إلى بَلادة أفكار ساكن البيت الأبيض ومرشّح الحزب الديموقراطيّ، حتّى الأحد الفائت، إلى ولاية رئاسيّة ثانية. «جو النعسان»، لقّبه منافسُه في السباق الرئاسيّ الأخير، دونالد ترامب، قبل ثلاثة أعوام. الأميركيّون لا تنقصهم النباهة، لا سيّما في التشخيص الطبّي. لكن فرط النعاس، وعلى عكس المُعتقد، هو حُلم الإدارات المتمكّنة والمعقّدة مثل الأميركيّة، واضطراب فرط الحركة هو كابوسها. تسابقٌ رئاسيٌّ، بين اضطرابَين، أعلنت رصاصة العشرينيّ المجهول، قبل أيّام، عن نهاية مدّة صلاحيّته.

«من الجَلادة والبلاغة إلى البَلادة والبلاهة»
أين بَلادة بايدن وبلاهة ترامب، اليوم، من جَلادة جورج واشنطن وفلسفة وبلاغة جون أدامز وبنجامين فرانكلين وتقدّميّة توماس جيفرسون؟ رغم تطوّر الحياة، في نواحٍ لا تُحصى، إلّا إنّ بعض الزوايا فيها، تجعل تسامح التاريخ مع الحاضر أمرًا في غاية الصعوبة. شخصيّة القائد، على سبيل المثال، والتي كانت ريشةً جوهريّةً في صياغة المسار البشريّ، لم يعُد لها حبرًا في الحاضر. وهنا، نعود للمسلسل التلفزيوني السياسيّ الشهير «غرفة الأخبار»، ونردّد مقولة الممثّل جيف دانيالز الصادمة عن أميركا: لسنا أعظم أمّة في الكوكب.

«أُفول عصر القادة»
انكمشت كاريزما القائد، اليوم، إلى تدريباتٍ بسيطة في الإلقاء الإعلاميّ، كانت، في الأمس القريب، حصريّةً للإعلاميّين. ليس القائد إعلاميًّا ولا الهيبة فصلًا دراسيًّا ولا الوقاحة جرأة. ماكرون، مثلًا، الذي لا يَحيد عن تعليمات مدرّبيه، لم يفلح في مدّ تأثيره على فرنسا لوقت طويل. والكنديّ، ترودو، خفت نجمه، بشكلٍ ملحوظٍ، بعد حملةٍ شديدة استندت، إلى حدٍّ بعيد، إلى حداثة سنّه. فالقائد ليس منتجًا تجاريًّا تكفيه حملةٌ دعائيّةٌ متقنة. منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، تنحدر شخصيّة القادة، في العالم، بتسارعٍ شديد. في المنازلة الأميركيّة الحاليّة، مرشّحٌ يخطئ في ما يجب عليه قراءته عن المُلقِّن، وآخر يخطئ في ما لا تجِب قراءته البتّة. وبين البلادة والبلاهة، في السباق إلى قيادة بلاد العم سام، بات أُفول عصر القادة محتومًا.

«رُهاب ترامب وفجر القرود»
أبقى رهاب فوز ترامب على ترشيح بايدن حتّى طيش الرصاصة التي أصابت أذن منافسه قبل أيّام. لم يأبه مدراء حملة الجمهوريّين إلّا للصورة الأيقونية لمرشّحهم، الملطخ بقليلٍ من الدماء، تتقدّمه حارسةٌ شجاعة وتعلوهما خطوط العلم ونجومه. صورةٌ، حتى غوبلز، ما كان ليلحظها في لحظةٍ مماثلة. بعد هفواتٍ كثيرة له مماثلة لهفوة «فجر الجرود»، وأسوأ، تنحّى الكهل الأميركيّ عن خوض السباق. لا يهمّ من سيخلِفه. فعنوان إسقاط ترامب سيظلّل الإنتخابات عندهم إلى وقت غير قصير. وفي تعبير «فجر القرود» أكثر من مقاربة تهكّميّة على بَلادة النظير اللبنانيّ لبايدن. فمع أُفول عصر القادة في العالم، لم يعد فجر القرود، في السياسة، مجرّد امتيازٍ تجاريّ للفانتازيا السينمائيّة «كوكب القرود».