هل تُصبح قضية التحرش بالقاضيات ورقة ضغط لإسقاط غادة عون؟

هل تُصبح قضية التحرش بالقاضيات ورقة ضغط لإسقاط غادة عون؟

  • ٢٤ تموز ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

يُثير ملف التحرش بالقاضيات في لبنان تساؤلات خطيرة حول إمكانية استخدامه كأداة للإبتزار القضائي للإطاحة بالقاضية غادة عون، في ظلّ صراعاتها مع القضاء اللبناني.

من خلف أبواب قصر عدل بيروت، ثمة رائحة غير طيبة، وهي خليط المصالح مع الصفقات، التي تطهى على نار هادئة بين الفينة والأخرى، منكهةً بالمحسوبيات، فينتج عنها تصفية الملفات الحساسة. هذه الرائحة التي لطالما حاول أهل القضاء إخفاءها، لكن الذي تناسوه هو قدرة الرأي العام على رؤية القطبة المخفية في بعض القرارات القضائية، التي من الممكن إخفاؤها لفترة من الزمن لكنها آجلاً أم عاجلاً ستظهر بصورة واضحة. 

تحاول السلطة القضائية القضاء على المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، وتجريدها من صلاحياتها. ودخلت عون منذ أكثر من عامين بصراع طويل مع أهل القضاء، ومنذ أيام، تقدّمت بطعن أمام مجلس شورى الدولة، التي يترأسها القاضي فادي الياس، لإبطال القرارات التي اتخذها النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار بحق عون. إذن، طعنت عون بقرار الحجار، وهذا أمر شائع وطبيعي ويحصل بشكل دائم بين أهل القضاء. فالحجار ألزم الضابطة العدلية بعدم تنفيذ إشارات عون، أي أنّْه طلب من الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ طلباتها أو التواصل معها، وبالتالي تلقائياً، تصبح جميع قرارات القاضية عون من دون أي جدوى أو أي قيمة طالما أنّ الأجهزة الأمنية لن ترضخ لمطالبها ولن تنفذ أي إشارة. فبعد إصدارها قرار منع سفر بحق المصرفي مروان خير الدين، إلتزم جهاز الأمن العام بقرار الحجار ولم ينفذ إشارة عون. وبهذه الطريقة، يكون الحجار قد قطع الطريق أمام عون ومنعها من متابعة ملفاتها القضائية، وهذا يترجم أسباب مطالبته بالملفات القضائية التي تتابعها عون، لاسيما المالية والمصرفية، رغبةً منه بتولي تحقيقات هذه الملفات المصرفية بنفسه. لذلك، بدأ الحجار بإنجاز التحقيقات بنفسه، رافضاً تدخل أي قاضٍ آخر في النيابة العامة التمييزية في هذه الملفات. أما عون، فأصرت على المواجهة ورفضت تسليمه ملفاتها الخاصة، التي بدأت بها منذ عام وأكثر كملف شركة «أوبتيموم»، وهذا الملف الذين يدين حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وأزلامه صار منقسماً بين عون والحجار، وهي تتابع التحقيقات التي بدأت بها منذ فترة طويلة، أما الحجار فبدأ بالتدقيق في الوثائق التي حصل عليها من حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.

في العادة، بعد تقديم الطعن أمام مجلس شورى الدولة، يكون لهذا المجلس كلمة الفصل، أو الكلمة الأخيرة، ونكون أمام خيارين فقط لا غير، إما يأتي القرار لصالح القاضية عون، ويقبل الطعن، وتلغى قرارات الحجار، يعني تصبح الضابطة العدلية ملزمة بتنفيذ جميع مطالب عون، وبالتالي تنتصر معركة عون على الحجار، أما الخيار الثاني والأخير فهو أن يرد مجلس شورى الدولة طعن عون، وبالتالي تبقى قرارات الحجار سارية المفعول. 

وسبق للقاضية عون أن تقدمت بطعن خلال ولاية القاضي غسان عويدات، وكانت قرارات الأخير شبيهة لتلك التي اتخذها القاضي الحجار. والمفارقة اليوم، هو التوقيت الحساس الذي قدم فيه هذا الطعن.

الطعن مقابل قضية التحرش؟

فالطعن المقدم أمام شورى الدولة ضد الحجار يتزامن مع تقديم رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس شكوى قضائية أمام النيابة العامة التمييزية أي أمام القاضي الحجار، اعتراضاً منه على تسريب معلومات لوسائل الإعلام حول تعرض بعض القاضيات للتحرش من قاضٍ إداري، فاعتبر القاضي إلياس أنّ الوسيلة الإعلامية تسعى للتشهير به ولنشر معلومات غير صحيحة وبعيدة عن الواقع، وطلب من القاضي الحجار فتح تحقيق موسع وملاحقة كل من يساهم بتشويه سمعته. 

وفي نفس الوقت أيضاً، فتح القاضي الحجار تحقيق موسع بهذه القضية واستمع إلى بعض القاضيات، وحاول أهل القضاء لملمة هذا الملف ومنع تسريبه إلى الإعلام حرصاً على سمعة القضاء اللبناني، لكن نادي القضاة المؤلف من أكثر من 200 قاضٍ رفض إلتزام الصمت، فتدخل في هذه القضية وقدم إخبار أمام القاضي الحجار لإجراء تحقيق جدي وشفاف وسريع حول ما تردّد من معلومات عن تعرّض قاضيات للتحرّش من قبل قاضٍ إداري، رافضاً تسكير هذا الملف، وداعياً النيابة العامة التمييزية إلى اتخاذ إجراءات قانونية وعقوبية صارمة في حقّ من يثبت تورطه في هذه الأفعال أي كان، واتخاذ إجراءات أيضاً في حال تبين أنّ هذه المعلومات لا تمّت إلى الواقع بصلة ويتمّ التشهير بالقاضي لأسباب مجهولة.  

   وهنا من الممكن أن يدخل القضاء اللبناني في لعبة «تضارب المصالح»، ولتبسيط الموضوع أكثر، يعني أنّ القاضي فادي إلياس يرغب في أن ينهي الحجار ملف التحرّش ويقفله بشكل تام، زاعماً أنّها حملة لتشويه سمعة القضاء اللبناني وبالتالي المتعارف عليه أنّ قضايا التحرّش قادرة على نسف مسيرة أي شخصية في الدولة اللبنانية وبامكانها الإطاحة بمركزه والتأثير عليه والقضاء على تاريخه المهني، أما القاضي الحجار فهو أمام أمرين، الأول رغبته بإقفال الملف وتحويله إلى ملف غير موجود حرصاً على سمعة القضاة، والثاني هو مسؤوليته كمدع عام تمييزي، فمنصبه يفرض عليه قول الحق وتطبيق القانون على الجميع من دون استثناء خصوصاً أنّه استمع إلى بعض القاضيات اللواتي أكدن صحة هذه المعلومات، إلا أنّ هذه القضية ليست جديدة، بل عمرها أكثر من عامين، والسؤال الأهم هو ما سبب تحريكها الآن؟ أما النقطة الثالثة والأهم فهي أنّ نادي القضاة بات يشكل ورقة ضغط على النيابة العامة التمييزية ويحثها على ضرورة اتخاذ الإجراءات القاسية بحق المتورطين. في المقابل، بين أيدي القاضي إلياس ملف في غاية الأهمية، وهو الطعن التي قدمته القاضية عون، وقرار القاضي إلياس سيحدد المعركة بين عون والحجار، فإما ستربح عون معركتها القضائية، وإما لا. 

لذلك، يبقى الخوف في أن تتداخل هذه الملفات في بعضها البعض، وتسيطر المصالح على القرارات القضائية، ويتمّ تصفية الملفات القضائية، على سبيل المثال، أن تنشأ صفقة معينة، تقضي بتوقف الحجار عن ملاحقة قضية التحرّش، ويتعمد حينها إقفال الملف بشكل نهائي وعدم المضي بتحقيقاته وتسوية هذا الأمر مع القاضيات، واعتبار كأنّ شيئاً لم يكن، مقابل أن يرد الطعن التي تقدمت به عون أمام مجلس شورى الدولة. فهل سيطبق هذا السيناريو خلال الفترة المقبلة؟ قرار مجلس شورى الدولة سيكون كفيلاً بتوضيح هذه الصورة.