مكياج خفيف لحياة متعبة
من الأقلام الشابة كتبت تريزيا الدريبي الطالبة في كلية الآداب:
تدور أحداث القصة حول حياة « فادية نصّار» التي تعيش داخل جدران المجتمع الشرقي المقفلة ،حيث تبحث عن هويتها و تعاني من تناقضات الذات والمجتمع. تركز الرواية على تجسيد رحلة البطلة التي تبحث عن ذاتها و تحقيق الاستقلالية و التحرّر من القيود الإجتماعية و الثقافية التي باتت كخيوط طينية متراكمة ملتفة حولها ، وتبحث عن خلاص من الضوابط التي تحيط بها.
بلغته المتماسكة والبسيطة يتوغل «حسن داود» في أعماق بطلته التي تعيش حياة ثانية في ظلّ الغيبوبة التي عانت منها، وهي ككلّ النساء، تحنّ إلى الآخر وتهتدي إليه رغم ما تعانيه لكنّها تبقى أسيرة حاضرها المؤلم الذي لم تستطِع التحرّر منه و من التشوهات التي عاشتها في أيامّها السوداء المرّة، لقد فقدت قسماً من ذاكرتها جرّاء قذيفة راح ضحيتها أختها و زوجها و أخوها. تتشوه فادية. واتسعت غيبوبتها لتمحو ثلاث سنوات كاملة فتحوّل حاضرها الى فراغ كئيب، كأنّ قطعة من نفسها سقطت. كانت شبه نائمة ولكن عندما انتبهت لأول مرّة إستجابت للضجيج و استجاب جسدها للهواء الطبيعي كنسمة باردة تغلغلت في أعماقها بعد أن أُخرجت من القبو المخصص للمرضى.
وفجأةً، أتت اللحظة المنتظرة التي استعادت فيها بطلة الرواية ما كانت فقدته منذ أربع سنوات تقريباً، دفعة واحدة كأنّ روح كانت مسجونة داخلها فانفتحت و تدفّق الدم فجأة. رغم كل الصعوبات تحاول«فادية» استرجاع حياتها والعيش مع ولديها على الرغم من موت مشاعرها تجاهما. كما تتضمن الرواية تأملات فلسفية تجعل القارئ يفكر في قضايا أساسية تتعلق بالصراع بين إرضاء الذات والخضوع للإملاءات الاجتماعية.
وتجمع الرواية بين الواقعية الشديدة والرمزية الدقيقة ممّا يضفي عليها طابعاً أدبياً فنياً مميزاً. يرسم المواجهة بين الذات والمجتمع، و صراع البطلة مع نفسها و مع القيم و الصور النمطية التي تفرضها المجتمعات التقليدية، فهي في سعي دائم لتحقيق التوازن بين هويتها الشخصية وتمايزها ككائن مستقل، وما يمليه عليها المجتمع. لقد لامس الكاتب من خلال هذه الرواية كلّ التحولات التي تعتري المرأة و هي في حالة تأرجح بين الضعف والقوة، بين الإستسلام و التمرد. التمرد على أوجاعها وضعفها الجسدي لتحيا حياة طبيعية تسترد فيها أنوثتها ، قوتها، و رغبتها الخالدة في البقاء.
رواية «مكياج خفيف لهذه الليلة» لحسن داود ليست مجرد قصة مكتوبة تُسرد بل هي تجربة فنية أشبه بمرآة تعكس واقع المجتمع و الفرد في زمننا الحاضر.