أزمات «معسكرات الحرب»: نتنياهو أكثر حرية.. والسنوار ينتظر مصيره

أزمات «معسكرات الحرب»: نتنياهو أكثر حرية.. والسنوار ينتظر مصيره

  • ٠٥ آب ٢٠٢٤
  • جو حمّورة

ينظر الكثيرون إلى الحرب في المنطقة بشكل استقطابي، لكأنّ العالم ينقسم إلى أسود وأبيض. فإما أن تكون مع إسرائيل وأميركا أو مع «محور الممانعة» وما يتفرع منه من دول وأنظمة وأحزاب وميليشيات عابرة للدول ورعاع. ولكن، في الواقع، أغلبنا غير مكترث لهذه الحرب، أو ليس له موقف حازم وحاسم منها على الأقل، لا نحن كأفراد ولا معظم الدول العربية ودول العالم قاطبة، ولا نرى الحرب جبهتين ثابتتين لا تسودهما المشاكل في داخلهما.

وحالة الاستقطاب، ما بين «معسكرات الحرب»، تخفي تحتها خلافات متنوعة، ليس أقلها خلافات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته من جهة، وبين الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. على المقلب الآخر، ليست حال النظام السوري كثيرة الود مع بقية أعضاء «المحور»، ولا حال الود قائمة فعلاً بين أقطاب «حركة حماس» نفسها، المسببة لكل هذه الحرب بالأساس، والمزهوة بطيش قياداتها العسكرية «الشابة».

وعلى عكس ما تبثه الرواية «الرسمية»، في «الحركة» تيارات عديدة، وهي لا تشكّل جسماً واحداً دون مراكز قوى وتكتلات. بعض التيارات تجد نفسها أكثر ارتباطاً بإيران، فيما غيرها يرى نفسه أكثر ميلاً لتركيا وقطر. كذلك الأمر، بعض التيارات ذات خلفية وحركية عسكرية، كمحمد الضيف (القائد العام لكتائب القسام)، ويحيى السنوار (رئيس حركة حماس في قطاع غزة)، وغيرهما، ولا يتفقان تماماً مع «دبلوماسيو» «حركة حماس» أمثال إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) وخالد مشعل (رئيس حركة حماس في الخارج).

يَطبِق السنوار قبضته على التنظيم العسكري في «حركة حماس»، ويُعرف عنه طيشه وراديكاليته، كما حسّه المغامر، وهو مصمم ومطلق «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي. لم تكن العلاقة بينه وبين هنية الذي اغتالته إسرائيل مؤخراً حسنة، خاصة بعد أن أبعده الأول عن أي نفوذ أو قدرة للتأثير على القرار العسكري، واتهمه بالتخاذل و«تغليب الحلول السياسية والرضوخ للضغوط الإقليمية» عام 2021.

تتفق أغلب التقارير والمقالات العربية والفلسطينية حول وجود رأيين لـ«حركة حماس» خلال مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية منذ سبعة أشهر بينها وبين إسرائيل بوساطة قطرية – مصرية. كان هنية، وحتى خالد مشعل، أكثر براغماتية ومسهلان لتقديم «الحركة» تنازلات مقابل وقف إطلاق النار، لكن السنوار، بأدائه العسكري، قوّض كل المحاولات بشروطه العالية السقف وغير القابلة بالحلول الممكنة. وربما هذا ما دفع رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشرق الأوسط» والمدير العام السابق لقناة «العربيّة» إلى نشر مقالة حملت عنوان «هنية ضحية للسنوار» منذ أيام، لافتاً النظر إلى أنّ تعنت السنوار هو ما أدى إلى قدوم ساعة هنية، إضافة إلى مئات الأفراد الذين قضوا بسبب قبضته اليمنى على ما تبقى من تنظيم «الحركة» العسكري، واليسرى على المختطفين الإسرائيليين.

من يعرف شكل التنظيمات المتشابهة لتنظيم «حركة حماس»، يعرف أنّ غياب القائد يشكل ضربة قاسية، لكن البديل غالباً ما يتم إختياره سريعاً. حتى تنظيم «القاعدة» و«داعش» و«حزب الله» اختاروا زعماءهم في اليوم التالي من اغتيال رأس تنظيماتهم. أما «حماس» فتجد، في الوقت الحالي، صعوبة في تحقيق ذلك سريعاً، وذلك، بشكل أساسي، بسبب الهوة الكبيرة بين القيادات العسكرية الشابة التي تمسك بالقرار العسكري داخل قطاع غزة، وبين القيادات الدبلوماسية الهرمة التي تعيش خارجه.

التناقضات التي تعيشها «حركة حماس» بدت بارزة بعد اغتيال هنية، حيث احتفت به طهران والدوحة، وتظاهر من أجله الآلاف في تركيا، بينما اكتفت قيادة «حماس» في قطاع غزة ببيان رتيب نعت فيه رئيسها لكأنّه عضو عادي في «الحركة». 

على المقلب الآخر، لا يوجد شيء إسمه «تحالف حدّ التطابق» بين أميركا وإسرائيل. إنسَ خزعبلات الإعلام العربي وتعميماته وتسخيفه لشؤون العالم والسياسة. لا تعمل إسرائيل لدى أميركا، ولا تعامل أميركا إسرائيل كملحق أو ممثل لها في الشرق الأوسط. كل دولة منهما لها رأيها وشروطها ومصالحها التي قد لا تلتقي تماماً.

زيارة نتنياهو للولايات المتحدة لا تشبه قبلها كثيراً. عاد الرجل بزخم إلى المعركة العسكرية، فاغتال سريعاً هنية في طهران والقيادي العسكري البارز في «حزب الله» فؤاد شكر. لقاؤه السريع مع نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة إلى الرئاسة كامالا هاريس لم يدُم إلا 14 ثانية كما أشارت وسائل إعلام أجنبية. بدت الزيارة بروتوكولية أكثر من كونها ذات مغزى ومقصد واضح. فهم نتنياهو سريعاً أنّ السلطة في أميركا حائرة وضعيفة، لا قدرة لها على فرض وقف إطلاق للنار أو حدٍّ جدي لمشاريع إسرائيل وضرباتها العسكرية القاسية. في المقابل، كان لقاء نتنياهو مع الرئيس السابق ومرشح الحزب «الجمهوري» دونالد ترامب أكثر إفادة. أثنى الأخير على حق إسرائيل بالأمن والاستقرار، وحقها بالدفاع عن نفسها، ولام طهران على كل ما يجري من إزهاق للدماء في المنطقة، كما وعد نتنياهو بحل كل ما يواجهه ما أن يُصبح رئيساً.

عاد نتنياهو حراً إلى بلاده بعد زيارته للولايات المتحدة، مدركاً أنّ موازين القوة اختلت في واشنطن وأنّ التغيير فيها قادم لا محالة. ففي حال فاز ترامب، ضمن نتنياهو صديقاً في المكتب الأبيض، أما في حال فازت هاريس، فسيكون عليها أن تتعامل مع الواقع الجديد الذي سيفرضه نتنياهو في الأشهر الأربعة القادمة، تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركة. 

دعونا لا ننسى أنّ العمل الأكثر تأثيراً لترامب خلال ولايته الرئاسية بالنسبة للشرق الأوسط كان اغتيال قائد «قوات فيلق القدس» قاسم سليماني. يبدو أنّ نتنياهو تعلّم منه جيداً، مفضلاً الاغتيالات المهمة على الحروب البرية. فلننتظر من سيكون الرأس التالي على لائحة رئيس الحكومة الإسرائيلية، فالأشهر الأربعة القادمة ستكون طويلة جداً، فيما لم يبقَ قيادات ذي شأن في قطاع غزة سوى يحيى السنوار فقط.