بين القضاء على الخصم وإرثه: هل ينجح الإغتيال في قتل الأفكار؟

بين القضاء على الخصم وإرثه: هل ينجح الإغتيال في قتل الأفكار؟

  • ١٠ آب ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

في لحظة الاغتيال، يتوقف قلب الإنسان، لكن المعركة الحقيقية التي تدور في الظلال ليست على جسده، بل على الإرث الذي يحمله، وعلى الفكرة التي جسّدها. وبين القانون والجريمة، الشخص والعقيدة، شعلة قد تنطفئ مع الضحية، أو تلتهب مع من يخلف القائد، إلّا أنّ خطورته تكمن في شريعة الغاب!

 ارتبطت الإغتيالات بشكل رئيسي بجهات فاعلة غير قانونية وعنيفة، وأحياناً من جهات ديناميكية تحرّك العالم والشرق الأوسط. الإتجاه إلى المحاكم الدولية لا يكفي، فإنّ الهدف الرئيسي وراء كلّ رصاصة تطلق، أو عبوة متفجّرة، هو محو العقيدة من الوجود، ولكن صداها لم ينكفئ يوماً، وذلك يعود إلى من يخلف القائد. وبطبيعة الحال، إذا قمت بتغيير كلمة «إغتيال» إلى «القتل المستهدف»، فقد يبدو الأمر وكأنّه «عمل جراحي أو مشروع»، ولكن النتيجة هي نفسها، «القضاء» على آخر. 
وإسرائيل هي المثال الفاضح على هذا الواقع، وخاصة في كفاحها ضد المعارضة الفلسطينية؛ لقد أصبح واقعاً متكرراً، والتهديد لا يعرف حدوداً.
لفهم الدينامية الحالية، يمكننا أن نبدأ من منتصف السبعينيات، كما صورها فيلم ستيفن سبيلبرج الشهير عام 2005 بعنوان ميونيخ؛ استهدف عملاء المخابرات الإسرائيلية العديد من الشركات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في المدن الأوروبية.
وكانت هذه الاغتيالات ضد مقتل الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ عام 1972. وكانت هذه واحدة من أولى الدلائل التي جعلت من الواضح أن إسرائيل لن تتردد في ممارسة العنف أينما كان خصمها، حتى لو كان في أوروبا
يقول ماثيو ليفيت، وهو باحث بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنّ الاغتيالات التي تـؤدي الى مقتل شخص تكون معرفته وخبرته ضرورية لعمليات المجموعة التي ينتمي اليها وينشط في مشاريعها، مما يؤدي إلى تراجع قضيتهم بطريقة ملموسة، كما فعلت إسرائيل بقتل علماء الأسلحة في مصر والعراق وإيران على مدى عقود من الزمن.

بين  المفاوض والمقاتل!
إنطلاقاً من واقع اليوم، قتل إسماعيل هنية المفاوض الأبرز في حركة حماس ورئيسها، وجاء الرّد الحتمي على إسرائيل، باختيار المقاتل يحيى السنوار، وانتشر على مواقع التواصل الإجتماعي عبارة:«قتلتم من يفاوض، اخترنا لكم من يقاتل». حماس وهي ليست مجرّد فكرة أيدولوجية، لا بل حركة على مزيج من المقاومة والعقيدة الإسلامية، قد يكون من الصعب إطلاق رصاصة الموت على استمراريتها. 
إلا أنّ إسرائيل ما زالت تستخدم كتاب قواعد اللعبة الخاص بها لفرض أعمال وحشية خارج حدودها، وفي المقام الأول لبنان، وخير دليل ما نشهده من إغتيالات اليوم. 
وهي ليست الوحيدة في العالم التي اعتمدت أسلوب الإغتيالات السياسية، التي تحاكي القتل المستهدف، على الرغم من الفرق بين المصطلحين. 


بين القتل المستهدف و الإغتيال السياسي
الاغتيال السياسي هو عملية قتل متعمد تستهدف شخصية سياسية بارزة، عادةً بسبب موقفها السياسي أو تأثيرها في المجال السياسي، وعلى سبيل المثال إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي باغتياله، تغيّرت المصالح السياسية، وانتقل لبنان من حقبة الوصاية السورية على حقبة أخرى تدريجياً. 
أما بما يتعلّق بالقتل المستهدف فهو عملية عسكرية أو شبه عسكرية تُستخدم فيها القوة المميتة ضد فرد أو مجموعة محددة يُنظر إليها على أنهّا تهديد أمني مباشر.، ومنها قتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. 

وفي كلا الحالتين ، فإنّ الموت لهؤلاء الاشخاص، هو نقطة تحوّل مهمة، إنّما لا تقتل العقيدة، ولكن ماذا لو لم يُخلق الوريث القائد؟   

 

الحلم يستمرّ؟ 
فإنّ إغتيال الرئيس بشير الجميل السابق،  كان بمثابة ضربة قاسية للأحلام السياسية التي كان يطمح لتحقيقها. ورغم رحيله، فإن عقيدته السياسية التي كان يمثلها لم تختفِ بل استمرت وتأثرت بمسارات متعددة.  مع العلم، أنّها أثّرت على تعديلات بسيطة داخل حزب الكتائب اللبنانية، أو على الهدف الذي كان يبتغيه من تشكيل «القوات اللبنانية»، لكن مازال صدى 10452 كلم مربع يتردّد بعد اليوم، ويبقى التنفيذ مبني على الإستراتيجيات التي يقوم بها القائد الوريث، أما الفكرة فهي قائمة بين المناصرين.

الإغتيال في عين القانون
هذا لا يعني أنّ دوي الإغتيال ينتهي مع التغيرات السياسية، لا بل دويّه يبقى متنقّلا من حقبة إلى أخرى، ليصبح عرفاً متداولاً، وتتجلّى خطورةi بعدم المحاسبة من الجهات القانونية. إلى ذلك، يُعدّ الإغتيال السياسي موضوعًا شائكًا يتداخل فيه الجانب القانوني مع الأخلاقي، ويثير تساؤلات حول مدى شرعيته عبر القوانين الدولية والمحلية. والجدير ذكره أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينصّ على حق كل فرد في الحياة والأمان الشخصي، أي محاولة لشرعنة الإغتيال السياسي تتعارض مع هذا المبدأ الأساسي. كما أنّ اتفاقية جنيف تحظر عمليات القتل خارج نطاق القانون، بما في ذلك الإغتيالات السياسية، وتفرض إحترام حقوق الإنسان حتى في أوقات النزاع.

بالمحصّلة، فإنّ الفكرة ليست مجرد شخص يمكن التخلص منه، بل هي قناعة راسخة في عقول الناس، والتاريخ أثبت أن الأفكار لا تموت بموت أصحابها. وعندما يُقتل شخص بسبب فكرة، يتحول هذا الشخص إلى شهيد، وتكتسب الفكرة زخمًا أكبر بين المؤيدين والمناصرين، على الرغم من التأثيرات الكبيرة على مسار الأحداث السياسية والاجتماعية،  ومما لا بدّ منه فإنّ العملية تتوقّف على الشخص الذي يتم إغتياله، توقيت الإغتيال، والسياق السياسي والاقتصادي في تلك اللحظة الحاسمة!

إنّ  تجاهل المجتمع الدولي لعمليات «القتل المستهدف» التي ترعاها إسرائيل لأعدائها السياسيين خارج حدودها يمكن أن يدفع العالم إلى الفوضى والحرب.
وإذا نظرنا إلى هذا التاريخ، إلى جانب استخدام إسرائيل لعمليات القتل المستهدف، فسوف يتبين لنا أن مستقبلاً أكثر خطورة ينتظرنا، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي فحسب، بل وأيضاً على المستوى العالمي
.