ملف: الإدعاء على رئيس بلدية داربعشتار-الكورة بالتزوير واستعمال المُزوّر

ملف: الإدعاء على رئيس بلدية داربعشتار-الكورة بالتزوير واستعمال المُزوّر

  • ٢٠ آب ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

الجزء الأول: اسحق عبود «مهندس» التزوير ينجو بالحصانات السياسية

إذا صدر بحقّ رئيس البلدية مذكّرة توقيف غيابية كانت أو وجاهية بجناية أو بجنحة شائنة، اعتبر مكفوف اليد حكما اعتبارا من تاريخ المذكرة». هكذا نصت المادة 112 من قانون البلديات.
أما وفق قانون الحصانات السياسية وتعطيل العدالة، فإنّ أصغر موظف في الدولة قد تشيّد حوله الحصانات منعا لمحاسبته، فكيف برئيس بلدية داربعشتار الكورة اسحق عبود؟ المدّعى عليه من قبل النيابة العامة في الشمال عليه بجرم التزوير واستعمال المزور في شباط الماضي؟ جرم، تصل عقوبته إلى الجناية، سجن على إثره 53 يوما فقط، ليعود ويمارس عمله في البلدية رغم عدم صدور القرار الظني بحقه إلى اليوم، أي رغم عدم تبرئته حتى الساعة. 
هذه الفضيحة، لم يكتفِ بها، بل استكملت بمحاولات منع صدور القرار الظني نفسه، عبر دعوى مخاصمة قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار.
وبفعل تعطيل التشكيلات القضائية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، المعطلة أساسا بهدف تعطيل البت برد دعاوى الخصومة بحق القاضي طارق البيطار في ملف التحقيق بانفجار 4 آب، تصبح كل دعاوى مخاصمة القضاة مجمدة، ويصبح «ترند» مخاصمة القضاة في لبنان، مقبرة للعدالة.
فعبود اليوم في عداد الفارين من وجه العدالة، بتعطيل صدور القرار الظني بحقه، فهو قرار «مع وقف التنفيذ»، وإلى حين البت بدعوى المخاصمة، فإنّ عبود وفساده «مكمّلين» على رأس البلدية.... 
لكن عبود ليس وحده، فخلفه حصانات سياسية. من هنا، تفتح «بيروت تايم» هذا الملف، لتكشف عن جميع معطلي العدالة والضاغطين على القضاء لمنع محاكمة عبود، بدءا من محافظ الشمال رمزي نهرا مرورا بالأحزاب السياسية التي أبت إلا أن تهب لنجدة رئيس بلدية فاسد، خشية من أن تكر سبحة المحاسبة...

العقار 2623

تدور قضية التزوير حول العقار 2623-داربعشتار، وهو بات أشبه بـ «معلم» في الضيعة، سيبقى «شاهدا» و «مخبرا» على فساد عبود حتى بعد رحيله عن رئاسة البلدية.
فمخالفة عبود فاضحة وترى بأمّ العين، فكل أبنية داربعشتار 3 طوابق، إلا هذا العقار 5 طوابق، خلافاً لقاعدة الإرتفاق والتخطيط في البلدة، التي تنصّ على عدم بناء عقار بارتفاع يتجاوز 10 أمتار، (أي ثلاثة طوابق مكشوفة). 
واسحق عبود هو المستفيد الأول والأخير من هذه المخالفة. فهو مالك العقار، ومهندس العقار، وهو كذلك المتعهد. هذا على صعيد عملية البناء لطابقين إضافيين في مخالفة ليس لشروط البناء وحسب بل لشروط السلامة العامة في داربعشتار. 
لكن الذي يعطي رخص سكن لعقارات البلدة إنطلاقا من وظيفته العامة على رأس بلدية داربعشتار، لم يكن ليبخل على عقاره المخالف برخصة سكن مزورة، بناء على كشف فني مزور، يدّعي صدوره عن إتحاد بلديات الكورة، في محاولة بائسة منه لإخفاء تلك المخالفة.
والتزوير واستعمال المزور، هما التهمتان اللتان يواجههما عبود اليوم، فهو رئيس البلدية الذي أعطى رخصة سكن مزورة للبناء، بناء على كشف فني مزور. فكان ما لم يرَ بأم العين من مخالفات هذا البناء، أعظم.
هكذا يتضح ليس بالمنطق وحسب، بل بتحقيقات النيابة العامة في الشمال، أنّ عبود كان المستفيد الأول من التزوير كمالك البناء ومصدر الرخصة المزورة ومستخدم الكشف الفني المزور. 
وعبود كان في موضع الشبهة منذ اللحظة الأولى لتحقيقات خيضت بشق الأنفس لعامين في النيابة العامة في الشمال، لتعطيلها بشكل مستمر من قبل محافظ الشمال رمزي نهرا...

إتحاد البلديات يقرّ بالتزوير

وتحمل رخصة السكن المزورة الرقم 512 للعقار رقم 2623، وصدرت بتاريخ 13/1/2020 عن بلدية داربعشتار ووقعت من رئيس البلدية اسحق عبود، الذي أعطاها إستنادا لكشف فني مزور، يحمل الرقم 34/س تاريخ 18/5/2016.
خيوط التزوير بدأت تتكشف، عندما تواصل المهندس ريمون الشالوحي (ابن بلدة داربعشتار) مع اتحاد بلديات الكورة شفهيا، للاستفسار عن صدور كشف فني للاتحاد، لبناء مخالف، ليؤكد له الاتحاد بأنّ لا كشفاً فنياً صادراً عن الإتحاد لرخصة سكن للعقار 2623، بل حتى أنّ الرخصة رفضت مراراً بسبب وجود مخالفات عدة في البناء.
أمام هذه المعطيات، تقدّم شالوحي بتاريخ 5/1/2022 بإخبار حمل الرقم 2022/1604 بشأن قيام رئيس بلدية داربعشتار المهندس إسحق عبود بتزوير مستندات في البلدية.
بدورها، تحركت قائمقام الكورة كاترين الكفوري وطلبت إفادتها من اتحاد بلديات الكورة حول الكشف الفني وما إذا كان صادراً عنه، ليردّ الاتحاد بإحالة تثبت التزوير الحاصل، وكانت تلك الإحالة بمثابة نقطة التحوّل التي ثبتت مجرى التحقيقات ضد عبود.
إذ جاء ردّ الإحالة الصادر عن رئيس إتحاد بلديات الكورة في حينه، كريم بو كريم بتاريخ 23/2/2022 ليفيد بأنّه «بالفعل استلم الإتحاد طلب رخصة الاسكان عام 2016 لكن لم يصدر عن المكتب الفني في الإتحاد كشف فني لرخصة سكن للعقار رقم 2623».
ولم يكتفِ الاتحاد بتأكيد عدم إصداره كشفا فنيا للعقار 2623، بل تطرّق لمخالفات البناء، «فبتاريخ 30/9/2019 طلبت إحالة من المساح ن.ن، التريث بإعطاء رخصة السكن لأنّ المبنى مخالف لمضمون الترخيص الصادر عن الاتحاد».
ّوإذا كانت المخالفات تدين عبود بتمريره رخصة سكن لمبنى غير مستوف للشروط، ما يجعلنا نشكك في معايير إعطائه لرخص السكن في داربعشتار، ومدى مطابقة الأبنية، لمعايير السلامة العامة، طالما أن هناك مبنى على الأقل غير مطابق، فإن جرم التزوير الذي يواجهه عبود اليوم، وأكده الاتحاد، ليس أقل خطورة. 
فالاتحاد ذهب لتعداد علامات تزوير الكشف الفني. إذ «لا يوجد على الكشف الفني تاريخ صدور، ولا يوجد ختم الأرزة، وهو غير موجود في سجلات الاتحاد، ومطبوع على ورقة عادية لا نموذج المكتب الفني للاتحاد».

طربيه يتوسع بالتحقيقات

مع إقرار الاتحاد بأنّ الكشف الفني غير صادر عنه، أثيرت شبهات حول متورطين بالتزوير، بدءا من المستفيد الأول من التزوير اسحق عبود، وصولا لموظفين من داخل الاتحاد.
فوفق ما جاء في الإحالة «فإنّ الورقة المزورة غير الصادرة عن الاتحاد، عليها ختم رئيس المكتب الفني المهندس ر.س، وتوقيعه، وختم المساح ن.ن، لكن بتوقيع مختلف، فيما يفيد المساح بأنّ لا علاقة له بهذا الكشف».
أمام هذه المعطيات توسّع النائب العام الإستئنافي طارق طربيه بالتحقيق طالبا إذن ملاحقة رئيس البلدية من المحافظة بتاريخ 11/8/2022.
تبدأ هنا أولى مراحل عرقلة محافظ الشمال رمزي نهرا للملف، بتأخر جواب المحافظة الذي وصل في 17/10/2022 أي بعد أكثر من شهرين على طلب طربيه. 
لكن «حصانة عبود» كانت أقوى من ذلك، فالإحالة لم تتأخر وحسب بل «اختفى أثرها» بالكامل في أروقة النيابة العامة في الشمال.

نهرا يحمي عبود ويعرقل العدالة

منذ البداية، استخدم نهرا حصانة عبود، التي يتمتع بها كرئيس بلدية، لمنع المحاسبة عنه.
فمع طلب الإذن الأول عن عبود، أخّر نهرا إحالته شهرين، ثم تم إخفاء الإحالة في نيابة الشمال، فالإحالة لم تصل الى مكتب القاضي المعني طارق طربيه، ووجدت في مكتب آخر، بل وسجلت بتاريخ غير صحيح، هو في الحقيقة تاريخ سابق لوصولها للنيابة العامة في الشمال، وهذا تزوير أريد منه زيادة صعوبة اقتفاء أثر الإحالة.
عرقلة التحقيق وتأخيره، ترافقت مع اكتفاء نهرا بإذن الاستماع لعبود، وكانت هذه العرقلة الأولى للملف، التي حملها نهرا على عاتقه.
أما العرقلة الثانية، فكانت أشدّ وضوحا ووقاحة في آن. فالمحافظ نهرا وصل لمرحلة التعدي على صلاحيات الضابطة العدلية، وتنصيب نفسه مكان قاضي التحقيق، وكل هذا لمنع المحاسبة عن عبود.
فمع إحالة الملف للمفرزة القضائية في الشمال، توسعت المفرزة بالتحقيق وقررت استكتاب الأشخاص المعنيين بالتواقيع على الكشف الفني، وهم ثلاثة موظفين في الاتحاد: رئيس المكتب الفني والمساح والقلم إضافة لرئيس البلدية اسحق عبود، لجهة التواقيع المنسوبة اليهم أمام المباحث الجنائية المختصة لمقارنة الخطوط.
وبعد صدور نتيجة الاستكتاب، أتت النتائج، لتدعم فرضية أن المستند المذكور هو مزور ومستعمل من قبل رئيس البلدية. فعاود القاضي طربيه طلب رفع الحصانة عن عبود من المحافظ.
جدّد المحافظ مماطلته بالرد للمرة الثانية، وهذه المرة ذهب بالتمادي أكثر، بتحويل مكتبه لضابطة عدلية، باستجواب موظفي الاتحاد.
ووفق معلومات «بيروت تايم»، فقد وصل الحال بنهرا لمحاولة «تلبيس» التهمة لأحد موظفي الإتحاد، في محاولة بائسة لإنقاذ عبود من ورطته. لكن عقوبة الجناية التي يواجهها عبود، كانت أكبر من أن يقبل «عاقل» بالذهاب إلى السجن سيرا على الأقدام، مهما بلغت إغراءات نهرا، أو تهديده.
بعدما اقتنع نهرا أنّ محاولاته بتزوير الحقيقة باءت بالفشل، إكتفى مرة ثانية بإذن الإستماع لعبود، فقرر مصادرة دور القاضي والنيابة العامة الاستئنافية في الشمال، عوض إعطاء إذن رفع الحصانة عن رئيس البلدية، وترك العدالة تأخذ مجراها.

طربيه يُحرّر التحقيق... إلى حين

صادر المحافظ نهرا التحقيقات لأشهر وعطّلها، فما كان من القاضي طارق طربيه الحريص على ختم التحقيق وصولاً للعدالة، إلا أن لجأ للنيابة العامة التمييزية لتحرير الملف، ليأخذ بعدها الملف مساراً مشرّفاً على طريق العدالة، قبل أن يعود ويصطدم بالضغوط السياسية على القضاء، ودعوى مخاصمة قاضي التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصار.
ولم يكن عبود ليذهب سيراً على الأقدام للتحقيق في النيابة في الشمال، لو كان يعلم أنّه سيتم توقيفه بعدها وسجنه. 
تفاصيل تحرير الملف ثم إخراج عبود من السجن بكفالة وتجميد صدور القرار الظني، وممارسة عبود عمله على رأس البلدية عوض كف يده بانتظار القرار الظني، في محاولة للإطاحة بالملف القضائي برمته، تتابعونها في جزء ثان، يكشف التدخلات السياسية في القضاء، والحسابات الانتخابية التي تمنع إلى اليوم المحاسبة عن رئيس بلدية متهم بالفساد، والأحزاب «بدّا رضاه»، هي الخائفة ليس على أصوات انتخابية وعدها بها عبود لقاء تفلته من المحاسبة وحسب، بل من تكريس مبدأ المحاسبة.
فرفع الحصانة عن رئيس بلدية إن حصل، يعني فك الحصار عن العدالة في لبنان، المكبلة بالحصانات السياسية، وهي أقوى وأبقى من الحصانات الوظيفية...