فورمولا 1: انتصار لوكلير في مونزا قد يغيّر كل شيء!

فورمولا 1: انتصار لوكلير في مونزا قد يغيّر كل شيء!

  • ٠٣ أيلول ٢٠٢٤
  • محمد فوّاز

لوكلير جدّد تحقيق النصر في مونزا في لحظة حاسمة من الموسم، ومن مسيرته، ومن مسيرة فيراري. منذ مونتي كارلو، حين بدأت هيمنة ريد بول تتراجع، بدأ فريقا ماكلارين ومرسيدس التقدم، فيما كانت فيراري تلعب دوراً ثانوياً ألقى بظلاله على المستقبل.

حقق شارل لوكلير فوزاً مستحقاً في حلبة مونزا الإيطالية في لحظة صعبة خلال موسم فيراري ضمن بطولة العالم للفورمولا واحد، مما أعطى الثقة للفريق قبل عام 2025، الذي سيشهد انضمام لويس هاميلتون إلى صفوفه.
هناك أيام فريدة، تفكر خلالها في مدى الروعة أن تقدم لملايين المشجعين سباقاً مليئاً بالسعادة. أيام تتمكن فيها، بلمسة من السحر، من تحويل فكرة تبدو مجنونة إلى واقع ملموس، وتدرك تدريجياً أنها تصبح حقيقة مع مرور اللفات، مثلما شعر المشجعون الذين يرتدون الأحمر في المدرجات بذلك أيضاً. أيام يمكنك فيها أن تتأثر لأن ما حققه لوكلير وفيراري كان بمثابة إنجاز لم يتوقعه أحد، وربما لهذا السبب بالتحديد، له طعم خاص.
شارل لوكلير سبق أن فاز في مونزا، واستمتع بالوقوف على منصة التتويج أمام "الموجة الحمراء" من جماهير فيراري، مع الصور والعناق والوعود السهلة بمستقبل باهر. لكن في عام 2019، احتفل كما يفعل "الصبي الشقي"، بعد وصوله حديثاً إلى فيراري، مصحوبًا باللامبالاة لمن لا يملك شيئاً ليخسره. 
هذه المرة، انتصر بطريقة أكثر حداثةً وذكاءً، مع خيار استراتيجي تطلب الخيال والشجاعة لتنفيذه مع مهندسيه، لكنه لم يكن ليتم من دون سائق رفيع المستوى، قادر على تنفيذه بوضوح وبإدارة ممتازة للإطارات.
الأهم من ذلك، أن لوكلير جدّد تحقيق النصر في مونزا في لحظة حاسمة من الموسم، ومن مسيرته، ومن مسيرة فيراري. منذ مونتي كارلو، حين بدأت هيمنة ريد بول تتراجع، بدأ فريقا ماكلارين ومرسيدس التقدم، فيما كانت فيراري تلعب دوراً ثانوياً ألقى بظلاله على المستقبل. 
بالإضافة إلى ذلك، كان شارل ينتظر وصولاً ثقيلاً للويس هاميلتون كشريك له في الفريق بدلاً من كارلوس ساينس.

 

فيراري وماكلارين
الضربة القوية التي حققها لوكلير في مونزا أعادت الأمور إلى نصابها، على الأقل من الناحية النفسية، واعادت بعض الأمل لعام 2025 للفريق والسائق. كما ساعدت مدير الفريق فريديريك فاسور، الذي كان بحاجة ليوم كهذا. نجاح جائزة إيطاليا الكبرى يمثل خطوة مهمة: فيراري يجب أن تنافس على بطولة العالم التي لم يفز بها سائقوها منذ عام 2007 ولصانعيها منذ العام التالي. إنها فترة طويلة جداً.
مع هاميلتون ولوكلير بهذا المستوى، يمكننا القول بلا شك أن الفريق يملك سائقيْن من مستوى عالٍ. لويس ليس بطلاً للعالم سبع مرات بالصدفة، فهو الى جانب موهبته يعرف كيف يقود الفريق. شارل سريع، ووجود الإنكليزي الى جانبه سيساعده على النضوج أكثر، وتجاوز لحظات عدم الاستقرار. لكن السائقيْن بحاجة إلى سيارة أفضل وأكثر استمرارية من SF-24.
وهناك حاجة أيضاً إلى تقنيين للسيارة؛ فإذا كان العبقري نيوي قد أصبح خارج السيطرة بالفعل، فهناك خيط من القلق. لكن الفوز بجائزة إيطاليا الكبرى تعيد الثقة اللازمة إلى مارانيللو، وتثبت بأنه لا يزال هناك تقنيون على مستوى عالٍ. 
مونزا ليست الحلبة الأكثر إقناعاً في بطولة العالم، لذا لا يجب أن نتوهم كثيراً لما تبقى من الموسم. ومع ذلك، يمكن فهم الكثير من الأمور من خلال النجاح، بما في ذلك كيفية توجيه تطوير السيارة أو القيمة الاستراتيجية المختلفة عن تلك التي يتبنّاها الجميع. إنها إشارات جيدة، يمكن البناء عليها بلا خوف فالإيمان أمر أساسي.
من منظور البطولة، أكدت مونزا جميع عيوب فلسفة ماكلارين في بطولة العالم التي يمكن ويجب عليها - نظرًا لقيمة سيارتها الحالية ومشاكل ريد بول - الفوز بها. فالفريق يضيّع الفرص منذ أشهر، من دون الاستفادة منها. 
رؤية بياستري يتجاوز نوريس في اللفة الأولى (ويخسر بذلك مركزه أمام لوكلير) وعدم إعطائه المركز الثاني في اللفة الأخيرة هو مثال حقيقي على "الانتحار". أوامر الفريق غير مريحة في فرضها، لكن فقدان ألقاب يمكن الفوز بها هو بالتأكيد أسوأ بكثير.

هل أضاع ماكلارين الفوز أم استراتيجية فيراري كانت حاسمة؟
سؤال عادل يفرض نفسه بعد سباق مونزا المثير الذي شهد تنافساً كبيراً في الاستراتيجيات المختلفة. 
وهل أدار ماكلارين السباق بشكل سيء فيما يتعلق بكيفية التعامل مع تنافس سائقيْه وسط معركة البطولة؟ وهل يمكن لوم ماكلارين على الهزيمة وبعض الامور الأخرى المتعلقة بفوز فيراري، وهو الأول له على هذا المسار منذ عام 2019؟
من الصعب أن نقسوَ على ماكلارين، بالنظر إلى الوتيرة السريعة في المرحلة الأولى من السباق وحقيقة أن شارل لوكلير كان غير راضٍ على ما يبدو من توقفه المبكر في اللفة الـ15 من أصل 53. في تلك المرحلة، كان التوقف الواحد يبدو مستبعداً لأي شخص يطمح الى الفوز.
ثم تضاف إلى ذلك حقيقة أن الوتيرة ازدادت سخونة، بفضل التزام الجميع في المجموعة الأمامية، باستثناء فيراري، بتوقفيْن وبالتالي تجاهل إدارة الإطارات! فقد توقع المراقبون أن فيراري سيضطر إما إلى توقفٍ ثانٍ في وقت متأخر أو أن يفقد السيطرة على الإطارات فيبتلعه سائقا ماكلارين. علماً أن كارلوس ساينس توقف بعد لوكلير بأربع لفات، إلا أنه لم يتمكن من جعل الإطارات تدوم وتم تجاوزه بسهولة من قبل سائقيْ ماكلارين. لذا يمكن القول إن استراتيجية ماكلارين كانت سليمة.
ماكلارين أضاع الفوز بلا شك، ولم يكن الشجار في اللفة الأولى هو المشكلة. إنه درس مؤلم في سوء إدارة السباق وعلى ماكلارين تحسينه. ربما التحفظ الزائد أو الخطأ في كيفية معالجة المرحلة الأخيرة من السباق من دون التوقف مرة أخرى، هو السبب في فشل الاستراتيجية. هذه سباقات ويجب على الفريق الانكليزي أن يضع فرص الفوز الخاصة به فوق ضمان العدالة الاستراتيجية الكاملة أو قواعد السباق المفتوحة.
أما الذي حصل مع الفريق الإيطالي فهو ببساطة مقامرة استراتيجية ترافقت مع أداء استثنائي من لوكلير، الذي ذكّر العالم مرة أخرى بأنه يمتلك مهارات كبيرة كسائق فورمولا واحد إلى جانب سرعته المذهلة في التجارب التأهيلية. التنفيذ كان ممتازاً بشكل لا يصدق. 
إذا كنت فريقاً إيطالياً ومن مواليد موناكو وتريد الفوز بسباقين مميزين في موسم واحد، فإنهما موناكو ومونزا وهذا بالضبط ما فعله فيراري ولوكلير. فقد فازا في موناكو ومونزا في العام عينه وعبر قائد الفريق نفسه لوكلير الذي يتحدث الإيطالية بطلاقة، ويساعد على تطوير السيارة استعداداً للعام المقبل ويمكنه تحمل الفترات الخالية من الانتصارات عندما تكون سيارته سيئة، ويمكنه تقديم الأداء عندما تكون في وضع يسمح لها بذلك.
عندما تحاول شيئًا مختلفًا، يمكن أن تنتقل من بطل إلى لا شيء في غمضة عين، وإضافة إلى ذلك، القيام بذلك أمام جماهيرك المحلية أمر محفوف بالمخاطر.
في المقابل، لويس هاميلتون سيواجه مهمة صعبة أمام لوكلير العام المقبل. لكن أداء هاميلتون الأخير في ظل تهديد مرسيدس بالفوز ذكّرنا بأنه لا يزال يملك "القدرة" على المنافسة في أعلى المستويات.
ربما مع مرور الوقت سيصبح واضحاً أن ماكلارين قد غفلَ عن شيء ما، لكن مع عدم استقرار الأوضاع حتى الآن، يبدو أن فيراري ولوكلير سرقا السباق ببراعة، أكثر من كونه سباقاً أضاعه ماكلارين. حتى لو لم ينجح الأمر مع لوكلير، كانت فيراري ستستحق الثناء لمحاولتها فعل شيء يمنحها فرصة الفوز على أرضها. 
كثيراً ما تخشى فرق الفورمولا واحد المخاطرة. لن ينجح ذلك دائماً، ولكن كما أظهرت الأجواء السحرية في مونزا في اللفات الأخيرة وبعد النهاية، في بعض الأحيان تستحق المخاطرة.
الآن باتت فرق فيراري وماكلارين ومرسيدس قادرة على تسجيل نقاط كبيرة. كل ذلك يعني أن فريق ريد بول وسائقه الفذّ ماكس فيرستابن بطل العالم لديهما الكثير من العمل لمنع بطولة الصانعين وربما بطولة السائقين من الذهاب إلى ماكلارين في 2024.

 

لوكلير في سطور
يُعتبر لوكلير واحداً من أبرز المواهب الشابة في رياضة الفورمولا 1. وُلد في 16 تشرين الاول 1997 في موناكو، وبدأ مسيرته في عالم السباقات في سن مبكرة. وبفضل موهبته الفذة وتفانيه في العمل، استطاع لوكلير أن يحقق نجاحات متوالية قادته إلى أعلى مستويات رياضة الفورمولا 1.
بعد تألقه في الفئات الصغرى مثل الفورمولا 2، انضم لوكلير إلى فريق ساوبر عام 2018، حيث قدم أداءً مميزاً جذب انتباه الفرق الكبيرة.
في عام 2019، انضم لوكلير إلى فريق فيراري، أحد أعرق الفرق في تاريخ الفورمولا 1. في موسمه الأول مع الفريق، حقق لوكلير انتصارين في جائزتي بلجيكا وإيطاليا، ليصبح بذلك أصغر سائق يفوز بسباق مع فيراري.
يتميز لوكلير بسرعته الفائقة في التجارب التأهيلية، إذ انطلق في العديد من المرات من المركز الأول، ويُعرف بأسلوبه الجريء والعدواني في القيادة. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها الفريق، تمكن لوكلير من تحقيق العديد من النتائج المميزة والوقوف على منصات التتويج.
كما يُشتهر لوكلير بأسلوبه الهجومي والقدرة على استخراج أفضل أداء ممكن من السيارة، حتى في الظروف الصعبة. ويعتبر واحداً من السائقين القلائل الذين يمكنهم المنافسة بقوة على الانتصارات حتى عندما لا تكون السيارة الأسرع على الحلبة، وهو استطاع تحقيق الفوز في 7 سباقات في 118 سباقاً خاضها مع فيراري إلى جانب 25 انطلاقاً من المركز الأول.
بعيدًا عن السباقات، يحظى لوكلير بشعبية كبيرة بين جماهير الفورمولا 1 بسبب شخصيته المتواضعة واحترافيته العالية. كما أنه يتحدث الفرنسية والإيطالية بطلاقة، مما يجعله قريبًا من جماهير فيراري.
مع استمرار تطوره ونضجه كسائق، يُتوقع أن يكون لوكلير أحد المنافسين الرئيسيين على بطولة العالم في السنوات المقبلة. وجوده في فيراري، إلى جانب سائقين كبار مثل لويس هاميلتون، يشكل مستقبلاً واعداً للفريق الإيطالي في سعيه لاستعادة لقب البطولة.