أظهرت الأبحاث أنّ أدوية مرض السكري قد تقلّل من خطر الإصابة بالخرف، فما العلاقة بين هذين المرضين؟

أظهرت الأبحاث أنّ أدوية مرض السكري قد تقلّل من خطر الإصابة بالخرف، فما العلاقة بين هذين المرضين؟

  • ١٣ أيلول ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

يُعرف أّنّ مرض السكري عالم خطر للخرف. لذلك ليس من المستغرب أنّ مرض السكري يمكن أن يقلّل من خطر الإصابة بالخرف، لكن لماذا هناك دواء معيّن يقلّل من المخاطر أكثر من دواء آخر؟ وكيف يتم الربط بين مرض السكري والخرف؟

تُشير دراسة كوريّة نُشرت مؤخّراً إلى أنّ الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع 2 والّذين يصف لهم الأطبّاء فئة معيّنة من الأدوية قد يكونون معرّضين لخطر أقل بكثير للإصابة بالخرف. قارن الباحثون النتائج الصحيّة لأكثر من 110.000 شخص تتراوح أعمارهم بين 40 و 69 عاماً مصابين بداء السكري من النوع 2، والذين وصف لهم نوع من أدوية من فئة SGLT-2  مع نتائج 110.000 مريض آخرين يتناولون فئة مختلفة من الأدوية DPP-4  و قد تابع الباحثون المشاركين لمدّة متوسّطها 670 يوماً. فبعد هذه الفترة إكتشف الباحثون أنّ أولئك الذين تناولوا مثبط (الأدوية الّتي تساعد على إرخاء الأوردة والشرايين لخفض الدم) SGLT-2  كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف وذلك بنسبة 32%. 

يُعرف أّنّ مرض السكري عالم خطر للخرف. لذلك ليس من المستغرب أنّ مرض السكري يمكن أن يقلّل من خطر الإصابة بالخرف، لكن لماذا هناك دواء معيّن يقلّل من المخاطر أكثر من دواء آخر؟ وكيف يتم الربط بين مرض السكري والخرف؟

الأنسولين هو هورمون ينتجه البنكرياس ومهمّته تقوم على نقل الجلوكوس (السكر) من مجرى الدم إلى خلايانا حيث يعمل كمصدر للطاقة. وفي حال فشل البانكرياس في أنتاج الكميّة الكافية من الأنسولين أو طورت خلايانا مقاومة للأنسولين هنا ينشأ مرض السكري من النوع الثاني.

أمّا بما يخص الخرف، فهو ناتج عن تغيّرات في الدماغ ويشمل الحالات الّتي تؤثّر على الذاكرة والتركيز والتفكير والمزاج وقدرتنا على القيام بالمهام اليوميّة. 

فمنذ فترة طويلة تمّ التعرّف على مرض السكري كعامل خطر لكل من مرض الزهايمر والخرف الوعائي (vanscular dementia)  وهما الشكلان الأكثر شيوعاً للخرف وكلاهما أيضاً يتميّزان بالتدهور المعرفي الناجم عن مرض الأوعية الدمويّة في الدماغ. لكن سبب الإرتباط بين المرضين ليس واضحاً غير أنّ هناك بعض الأسباب المحتملة. على سبيل المثال أنّ مرض السكري يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغيّة ممّا يؤدّي إلى تلف القلب والأوعية الدمويّة وعندما تتدهور الأوعية الدموية سيساهم هذا الأمر في التدهور المعرفي. إضافة إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم يسبّب إلتهاب، ممّا قد يؤدّي إلى تلف خلايا الدماغ ويساهم في عمليّة تطوّر الخرف.

علاج مرض السكري يمكن أن يخفّف من المخاطر المتزايدة:
التحكّم في مستويات الدم لدى مرضى السكري يساعد على حماية الأوعية الدمويّة ويقلّل الإلتهاب في الدماغ كما يمكن السيطرة على مرض السكري في البداية من خلال تعديلات نمط الحياة أي النظام الغذائي وممارسة الرياضة لكن للأدوية أيضاً مكان أساسي مثل تلك الأدوية الّتي تناولها المشاركون في الدراسة الكوريّة. وكان لدى المرضى الذين يتناولون أي نوع من الأدوية، المسيطرة على نسبة الجلوكوز في الدم. لكن لماذا قلّل إحداهما خطر إصابة الأشخاص بالخرف مقارنة بالآخر؟ 

تعمل مثبطات SGLT-2 (الذي يرمز إلى بروتين نقل الصوديوم والجلوكوز 2) على خفض نسبة الجلوكوز من الدم عن طريق زيادة إزالته عن طريق الكلى.  ومن المعروف أنّ هذه الأدوية لها آثار إيجابيّة على مجالات صحّيّة أخرى أيضاً مثل ضغط الدم، فقدان الوزن، تقليل الإلتهاب والإجهاد التأكسدي (نوع من الضرر الّذي يلحق بخلايانا) كما أنّ السمنة وارتفاع ضغط الدم تُعد في حد ذاتها عوامل خطر الإصابة بالخرف والوعائي والخرف من نوع الزهايمر، فمن المحتمل أن تكون هذه التأثيرات لمثبطات SLGT-2  تقلّل من خطر الإصابة بالخرف إلى درجة أكبر ممّا يمكن توقّعه من خلال التحكّم الأفضل في مستوى الجلوكوز في الدم وحده.

من المهم التأكيد على أنّ فائدة الدواء في تقليل خطر الإصابة في داء  معيّن هي منفصلة عن أنّ الدواء قد يكون مفيداً في العلاج. مثلاً أفضل طريقة لتقليل خطر الإصابة بسرطان الرئة هي التوقف عن التدخين ومع ذلك التوقّف عن التدخين قد لا يكون كافِ. ومع ذلك وبسبب الأدلّة التي تربط مرض السكري والخرف فقد تمّ في السابق التحقيق في بعض أدوية مرض السكري كعلاج لمرض الزهايمر. وقد ثبت أنّها توفر درجة من الفائدة للإدراك.

سيماجلوتايد المعروف بالإسم التجاري Ozempic   هو عضو في فئة أخرى من أدوية مرض السكري. وتتم حاليّاً دراسة سيماجلوتايد كعلاج لمرض الزهايمر المبكر في تجربتين سريريّتين تشملان أكثر من 3500 مريض. ونشأت هذه الدراسات نفسها من خلال الملاحظات التي تمّت خلال التجارب السريريّة لعقار سيماجلوتيد للأشخصاخ المصابين بداء السكري والتي أظهرت إنخفاض معدّلات الإصابة بالخرف لدى أولئك الذين تناولوا الدواء مقارنة بأولئك الذين تناولوا دواءً وهميّاً.

مشابهة أدوية SGLT-2  من المعروف أنّ أدوية GLP-1  تقلّل الإلتهاب في الدماغ كما أنّها تقلّل أيضاً التفاعلات الكيميائيّة الّتي تؤدّي إلى شكل غير طبيعي من بروتين يسمّى تاو وهو أحد السمات المرضيّة المميّزة لمرض الزهايمر.

فمع إستمرار نمو معرفتنا بالآليات الكامنة وراء مرض الزهايمر وغيره مثل الخرف، فإنّ التقدّم في العلاج سيستمر. لكن، من غير المرجّح أن يكون دواء واحد هو الحل لمرض الزهايمر فقد تطوّرت علاجات السرطان إلى حد أنّ استخدام «كوكتيلات الأدوية» أو مزيج من الأدوية أصبح الآن أمراً روتينيّاً. 
المستقبل المحتمل لأدوية السكري هذه، هو أنّنا قد نراها تُستخدم كجزء من مجموعة من العلاجات لمكافحة وللمساعدة من الوقاية من الخرف حتّى لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري. لكن يقول البحاثة أنهم  بحاجة الى الكثير من البحث والدراسات قبل الوصول إلى رأي نهائي.