تلاميذ لبنان: تعليم تحت النار

تلاميذ لبنان: تعليم تحت النار

  • ٠٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤
  • تيريزا كرم

دائماً ما تترك الحروب الحياة أسوأ مما كانت عليه قبلها. كيف أثرت الحرب على عزيمة تلاميذ لبنان ؟


ننتظر إنتهاء الحرب لاسترجاع ما يمكن من الحياة اليومية المعتادة وهذا صحيح، مع الإدراك التام أنّ الحرب دائماً ما تترك الحياة أسوأ مما كانت عليه قبلها. ولعلنا منهمكون بتعداد الخسائر الإقتصادية والمآسي التي تطال الناس في فقدان أحبائهم وعائلاتهم وأصدقائهم، وبيوتهم وأرزاقهم. في غمرة الإنهماك في الأخبار العاجلة للقصف والإستهدافات العسكرية الدموية. ينتظرنا مأزق التعليم أو رأس المال البشري الذي قد يتطلب أجيالاً من العمل لتدارك تداعياته، إنّ نظامنا التعليمي لم تتسنَ له الفرصة للتعافي من تداعيات الكوفيد والتعليم عن بعد ، فعاد ليواجه من جديد إندلاع الحرب وما سببته من نزوح ودمار مؤسسات تربوية، وضغوط نفسية، وتوقف العام الدراسي، وعدم إنتظامه في أماكن أخرى، وما سينتج عن ذلك من تراجع في جودة التعليم، والمستوى الإدراكي عند المتعلمين، وتراجع المستوى الدراسي وفقدان القدرة على خلق آفاق تعلّمية بناءة تقوم على فتح آفاق جديدة تسعى الى تنمية القدرات الانسانية والفكرية والعلمية ومواكبة قضايا العصر.
ففي إحصائية للمركز التربوي للبحوث والإنماء عقب حرب تموز 2006 تفيد أنّ المدارس الرسمية هي الأكثر تضرراً من حيث تراجع الأداء المدرسي،وقد كشف إستبيان لعينة من مديري ومعلمي المدارس عامة، تراجع أداء الطلاب في التحصيل المدرسي،تحت وطأة تأثيرات الحرب النفسية، ولو أنّ التأثير يتفاوت من منطقة لأخرى وفقاً للظروف المحيطة. فما بالنا ما ستكون نتائج هذه الحرب التي تفوق خطورتها أي حرب منذ التسعينات حتى اليوم.
يقول أحد العاملين في القطاع التربوي اليوم إنّ الحرب تلقي بظلالها على التلاميذ، ففي محادثة سريعة حول القضايا التي يهتمون في معالجتها والتي تقلق بالهم ، فإنّ أكثر من 90 في المئة كانت مفرداتهم تتمحور حول الخوف، وإنقراض الجنس البشري، التكنولوجيا التي تستخدم للشر من خلال صناعة الأسلحة، القلق من التعصب الديني، قتل الأطفال، عدم الإيمان بالنية وراء حقوق الإنسان واستنزاف لبنان مادياً ومعنوياً، وإنهيار القيم المجتمعية، والكراهية على وسائل التواصل الإجتماعي، وما فائدة التعلّم؟،والهجرة، فقط القلق من إنتشار المخدرات والتنمّر كانا خارج مصطلحات الحرب.  وفي سؤال حول إستشراف المستقبل خلال ل 30 سنة المقبلة؟ لم يجِب أي طالب ما بين 15 و18 سنة بإيجابية، البعض اعتبر أنّ العالم يتوجه الى كارثة بيئية، وآخرون اعتبروا أنّ لبنان لن يتعافى يوماً لفقدان الأمل في قيام الدولة، سابقاً غالباً ما كانت الإجابات تتمحور حول مكافحة الفساد وتحسّن الأوضاع الإقتصادية وغيرها. فاليوم بات واضحاً الشعور بالعجز وفقدان الأمل أمام العنف الذي يزداد كماً ونوعاً. مع العلم أنّ هذه العينة قد تكون الأقل تأثراً مقارنة مع الطلاب في مناطق النزاع المباشرة.
وهذا الشعور بالخوف وبالعجز ينعكس على الدافعية والتحفيز للتقدّم، فالطالب عالق في شباك المستجدات اليومية أكان على شاشات التلفزة أو على الأرض، من حروب وضحايا يسقطون بالمئات وموت يحيط به من كل جانب، والقلق من فقدان الأمان .     
وتتجسد مآسي طلاب لبنان أنّهم وجدوا أنفسهم ضحايا صراع لم يكن لهم فيه قرار. بين النزوح القسري والعيش في قُرى محاصرة، حُرم هؤلاء الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم،
وأصبحوا أسرى أصوات القذائف وصدى الدمار. وسط هذه المعاناة، تتداعى أحلام جيلٍ بأكمله، ويتلاشى أمل الأهالي في رؤية أبنائهم يكبرون على مقاعد الدراسة ليصنعوا مستقبلاً أفضل.

اتخذت وزارة التربية اللبنانية بعض الخطوات للتخفيف من حدة الأزمة، كإطلاق التعليم عن بُعد، وتأسيس مراكز إستجابة. لكن العديد من المدارس التي فتحت أبوابها لإيواء النازحين باتت غير قادرة على الاستمرار في تقديم التعليم، خاصةً مع تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، ما جعل الوصول إلى المدارس والجامعات بالغ الصعوبة والخطورة. ويبقى السؤال المطروح: هل تكفي هذه الحلول المؤقتة لإنقاذ جيلٍ كامل من الضياع المحتم؟

التحديات النفسية والتعليمية
أحد طلاب الماجستير في كلية الفنون بالجامعة اللبنانية عبّر عن عدم قدرته على متابعة دراسته كونه نازحًا من الضاحية الجنوبية لبيروت. وأوضح أنّ خوفه من القصف يمنعه من العودة ّلاستكمال أوراق التسجيل، مشيرًا إلى أن الضغط النفسي الذي تفرضه الحرب أدى إلى تشتت ذهنه وفقدانه للتركيز، ما أثر على حماسه لمواصلة دراسته في ظل الدمار الذي يطال مسقط رأسه ويمحو ذكرياته.
في السياق ذاته، أشارت طالبة إخراج في الجامعة اللبنانية إلى أنّ التعليم عن بُعد، رغم إيجابيته في ظل الظروف الراهنة، لا يفي بالغرض التعليمي المطلوب للدروس التطبيقية. وأبدت قلقها من الذهاب إلى الجامعة بسبب القصف العشوائي، الذي يضعها أمام قرار مصيري.

معاناة الأسر: إرهاق الحماية والضغوط اليومية
من جهة أخرى، أكدت أم لثلاثة أطفال يتابعون تعليمهم عن بُعد أنّ أبناءها، الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و13 سنة، يعانون من صعوبة التركيز، خاصةً بعد سماع أصوات الطائرات أو الانفجارات القريبة. كما أوضحت أنّ مشاكل الإنترنت تزيد من صعوبة العملية التعليمية، إذ لا يستطيع الأطفال تلقي المعلومات بشكل منتظم، فضلاً عن ضيق المساحة في المنزل التي لا تتيح لكل طفل متابعة دروسه على انفراد. وأضافت الأم: «نحن كأهل مرهقون بحماية أولادنا وتوفير احتياجاتهم اليومية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مما يؤثر على تركيزنا وصبرنا»
وأنّ لا بديل عن العودة الى المدارس والتعلّم الحضوري، وضرورة إيجاد مراكز إيواء أخرى للنازحين لضمان عودة الأطفال إلى مقاعد الدراسة، مشيرةً إلى أنّ التعليم في المدارس يوفر بيئة تعليمية أفضل للأطفال.

الإحصاءات الرسمية: خطر داهم على جيل المستقبل
تشير إحصاءات وزارة التربية اللبنانية إلى أن حوالي 11 ألف طالب حُرموا من حقهم في التعليم بسبب الصراعات على الأرض اللبنانية، مما يعرض العام الدراسي لخطرٍ حقيقي. هؤلاء الطلاب، سواء كانوا نازحين أو باقين في قراهم المحاصرة، يمثلون ضحايا حربٍ تسرق منهم مستقبلهم التعليمي. وكما قال جورج سانتايانا: «الكوارث التي تحدثها الحروب لا تدمر اليوم فقط، بل تقتل الغد حين تسلب الأطفال فرص التعلم والنمو».
أمام هذا الواقع القاسي، تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن تقديم حلول جذرية، في وقتٍ تتسارع فيه تداعيات الحرب على مستقبل الجيل الناشئ. ولا تزال الخسائر تتراكم على المستوى النفسي والمعرفي  كل يوم يمرّ في ظلّ الصراعات التي تحوّل لبنان إلى ساحة لصراعات الآخرين.

تداعيات الحروب على التعليم وفقاً للتجارب في العالم  
تؤدي الحروب إلى تأثيرات واسعة النطاق على القطاع التعليمي، أبرزها:
1. البنية التحتية المتضررة: خلال النزاعات، تتعرض المدارس والمرافق التعليمية للاستهداف، مما يعرقل العملية التعليمية بشدة. وقد تتحول المدارس إلى مراكز عسكرية أو إيواء للنازحين، ما يحرم الأطفال من بيئة تعليمية آمنة (الجمعية العامة للأمم المتحدة، 2013).
2. تقليص الإنفاق على التعليم: تتجه الموارد نحو التسلح والدفاع على حساب التعليم والصحة خلال فترات النزاع، ما يعوق التقدم التعليمي (أوهاري وساوثال، 2007).
3. فقدان وظيفة التعليم كملاذٍ آمن: خوف الأهل من الهجمات قد يمنعهم من إرسال أطفالهم إلى المدارس، ما يهدد استمرارية التعليم (غومارت، 2003؛ فاكنغهام، 2000).
4. الإعتداء على الكوادر التعليمية: يتعرض المعلمون والمجتمع الأكاديمي للاعتداء، مما يؤدي إلى نقص في الكوادر التعليمية وزيادة عدد الطلاب لكل معلم، ما يؤثر على جودة التعليم (اليونسكو، 2010).
5. التعليم غير المؤهل: نقص المعلمين المؤهلين يدفع إلى الاستعانة بمدرسين غير مدربين، ما يضعف فعالية العملية التعليمية (وينثروب وكيرك، 2008).
6. فقدان المهارات الأساسية: يعاني الأطفال المتأثرون بالنزاعات من تراجع في التطور الإدراكي واللغوي، ما يتطلب دعماً خاصاً لضمان تقدمهم (إلبرت وآخرون، 2009؛ البورز، 2013).
7. التخلي عن التعليم للعمل: يؤدي النزوح إلى ازدياد نسبة الأطفال الذين يتركون التعليم للعمل في ظروف غير آمنة (كاسيرس وآخرون، 2002؛ تشيس وآخرون، 1999).
8. الإضطرابات السلوكية والنفسية: يظهر الأطفال المتأثرون بالحرب أعراض اضطرابات نفسية، مثل القلق، الشرود الذهني، والعدوانية، ما يؤثر على قدرتهم على التعلم (Rubonis & Bickman 1991).
9. الأثر الجسدي: يتعرض الأطفال لانتهاكات جسدية ونفسية، تؤثر سلبًا على تقدمهم التعليمي وصحتهم النفسية والاجتماعية (Bragin & Opiro، 2012).