ايناس هنية: «يا ماما عند الله الحياة أحلى من غزة التي فيها القتل»

ايناس هنية: «يا ماما عند الله الحياة أحلى من غزة التي فيها القتل»

  • ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٥
  • إلياس معلوف

غزة .. «تجرعنا المر، تجرعنا الألم، لا شيء يفي هذه المعاناة حقها، العيون منتصرة، والقلب منكسر، والجسد متعب».. «لكن المهم أن تبقى فلسطين». هذه تعزية إيناس هنية وكل أم فلسطينية في غزة عشية وقف إطلاق النار.

- سيدة إيناس هنية أهلا وسهلا بك عبر بيروت تايم وشكراً على هذه المقابلة الخاصة.. أولا الحمدلله على سلامتك  بعد 15 شهراً من حرب مدمرة... حضرتك زوجة شهيد  (زوجة نجل إسماعيل هنية) وأم لشهيدتين من وآمال... أأسئلة عديدة لكن البداية مع ذكريات الحرب، بطبيعة الحال هناك ذكريات مؤلمة تبقى بالذاكرة... ما أبرزها؟

تجرعنا الألم، تجرعنا المرّ، أتذكر عندما نزحت إلى مستشفى الشفاء لم يكن بحوزتنا أي شيء من مقومات الحياة، لا مؤونة، خرجنا دون أن نحمل أي من حاجاتنا، فآلمني مشهد عندما نظرت بناتي آمال ومنى وريم  الى طفل يأكل البيتزا طبعاً بيتزا صنع غزة وليست عالمية أو إيطالية، هذا المشهد لا يغيب عن بالي، وسرعان ما بدأت بناتي يشددن ثيابي، ويقلن لي «يا ماما جوعانين، يا ماما جوعانين» لم تأكلن منذ الصباح، لا أكل معنا ولا خبز، لم يكن بوسعي إلا  البكاء، فلا قدرة لي كانت على إطعامهن، وماذا أحكي لهن، وقد نزحنا من مكاننا ومأوانا  حيث لدينا كل ما نحتاجه. فكيف لأم أن تتحمل رؤية أطفالها جياع وليست قادرة على إطعامهم؟ أو الأب يرى أولاده يتضورون جوعاً، فعشت أقصى أنواع العذاب، والألم، والجوع، وعندما استشهدن، إنتابني شعور الصبر والفرح وقلت في نفسي، يا ماما ستأكلان كل شيء في الجنة، يا ماما الحياة أحلى من غزة التي فيها القتل. لقد ذهبتا الى ربنا وأكرم مثواهما وستأكلان وتشربان أحسن منا.
لقد دفنتهما بيداي كي تذهبا الى حياة أجمل وأعظم من الحياة التي نعيشها الآن. حكم علينا بالموت لأنّنا من غزّة، حكم على أطفالنا بالإعدام لأنّهم من أهل غزة. وهذا مؤلم. ولكن عزاؤنا أنّ الله يعدّ  لنا جنات عرضها السماوات والأرض لأنّ بعد كل ذلك لن يفي أي شيء هذه المعاناة  حقها هذه المعاناة التي عشناها، لا كلمة إعتذار، ولا حتى تصريحات مغايرة، فقط إنّ الله هو الذي سيطبطب هذا الجرح الذي خذله و تناساه الكثيرون.

- تحت الهواء كنا نتحدث عن أنّ الأم في غزة تّمهد فكرة الموت لأطفالها.. وهو واقع لا مهرب منه

بعد ١٥ شهرا من الحرب اللعينة، ها هي  الحرب تضع أوزارها اليوم،  فالعيون منتصرة، والقلب منكسر، والجسد حزين، متعب، ومنهك، ولكن عزاؤنا أنّ الله لن يضيّع هذه الدماء الذكية التي سالت على هذه الأرض، ولا يضيّع تضحيات الشعب الفلسطيني، وشعب غزة الذي كابد وعاش الأمرّين، وذاق الحرمان، وكم تمنينا أبسط الأمور،  أبسط الأمور كنا نتمناها، حيث مضى هذا الجسد سنة وبضعة أيام لا يأكل الدجاج لا يأكل اللحوم لا يأكل الفاكهة لا يأكل الخضار يأكل فقط الصمود والعزيمة والإصرار، هكذا نعيش، وهكذا عشنا، عشنا نكتب أسماء أبنائنا  على أجسادهم كي نعلم من هم عندما يكونون في عداد المفقودين، عشنا نُقنع أطفالنا في الموت ونتمنى لهم ألا يشعروا بالصاروخ إذا جاء إلى أحدهم كي لا يعيشوا العذاب عذابين. عشنا لحظات وأوقاتاً صعب أن نتجاوزها، وصعب أن ننساها،  وصعب أن نمحوها من ذاكرتنا.

- حضرتك زوجة شهيد وأم لشهيدتين منى وآمال... لكن لديك بعد طفلة عمرها 3 إسمها ريم...كيف تتعاملين معها عند ما تسأل عن والدها وعن منى وآمال؟ 
 

ريم كنت دائماً أقول لها،   يا ماما بابا راح الى الجنة، كانت تسأل  أين بابا وأين أختاي وأنا أقول لها «بابا راح الجنة بابا فوق راح الجنة»  نحن نضطر أن نحن نتعايش  وأطفالنا مع الواقع المرير ونجمّله. إنّ قلبي يحن إليهم يحن عقلي إليهم وكلما تذكرتهم تعب جسدي، وذرفت عيناي الدموع، بناتي روح خرجت من روحي ولكن أقولها  وأكررها نموت كلنا وتحيا فلسطين، ليس المهم أن نموت نحن، إنّّ المهم ألا تموت فلسطين، أن تظل غزة فهن لن تُعوض كل شيء يُعوض إلا غزة كل شيء يُعوض إلا فلسطين.

سيدة ايناس هنية زوجة نجل إسماعيل هنية شكرا على وجودك معنا، قبل الختام سؤال أخير أخبرينا عن متجر ايناس هنية وكيف ساهم بمساعدة اهل غزة؟

الحمد لله، إنّ فكرة المتجر كانت جزءًا بسيطاً من  دفع البلاء عن شعبي، وهي أنّني منفتحة على كلّ ما يخدم اهلي، وإن شاء الله  هدفي أن أكون من البارين في بلدي. وأنا لا أنسى أهلي في لبنان الذين وقفوا معنا جنباً إلى جنب في هذه الحرب وتكبدوا الخسائر معنا