هل حان وقت «ماذا يقول الكتاب؟» في لبنان
هل حان وقت «ماذا يقول الكتاب؟» في لبنان
إثر تسميته رئيساً مكلفاً رفع نواف سلام يده ممسكاً بـ «الكتاب» مشيراً إلى التزامه بالدستور، مُمسكاً به كمرجع وحكم في الحياة اللبنانية، بعد انتهاكات متكررة من قبل المكلفين تطبيقه. «الكتاب» تسمية أطلقها الرئيس فؤاد شهاب على الدستور، عبر عبارته الشهيرة «ماذا يقول الكتاب» عند البحث عن حلول لأيّ مأزق أو أزمة تعصف بالبلاد.
بدا لافتاً هذا الجو اللبناني العام العابق أملاً وتفاؤلاً وارتياحاً لانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية ولتكليف القاضي السفير نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، ولم يسبق لأي خطاب قسم ولا لأي خطاب قبول تكليف أن حاز مثل هذا التبني من قبل الغالبية الساحقة من اللبنانيين، الذين انكبوا على تفكيك الخطابيين والتمعن بمفرداتهما والشعارات التي نودي بها، حيث لاقت شبه إجماع في الإشادة بها وكأنّ ما يسمعونه هو خطابهم الذاتي، الذي يحاكي همومهم وهواجسهم وتطلعاتهم، لا خطاب سلطة لطالما حلموا بها بحيث بدا هذا الحبور شبيهاً بفرح الخارجين من سجون التعذيب المظلمة وبفرح المتحررين من أسر القيود. كما لم يسبق لقوى التغيير والإعتراض التاريخية إبداء مثل هذا الإحتضان لسلطة جديدة ومثل هذا الحرص على نجاح التجربة وهم يتهجأون ألف باء الموالاة الغريبة عن أنماط فكرهم السياسي.
إنّه إعلان نوايا وبحزم عن زمن جديد بكافة المقاييس، جديد بتوازناته الداخلية والإقليمية، جديد بآفاقه المفتوحة على الحيوية والخروج من الإستنقاع السياسي، جديد بلغته وبمفرداته المنتقاة بعناية فائقة، مفردات طازجة كالأرغفة الساخنة الخارجة لتوها من نار المعاناة، إنّه احتفاء بسقوط اللغة الخشبية القديمة المحكمة الإقفال والإنغلاق، وبسقوط المفردات الجوفاء والمصطلحات الهجينة والشعارات الرتيبة التي لطالما عملت على إستغباء اللبنانيين وتشويش ذاكرتهم الوطنية الجامعة عن قصد طوال عقود من الزمن اللا لبناني، والتي لم تُخلف وراءها سوى الموت والخراب والعزلة القاتلة، بعد أن خسر لبنان موقعه على الخريطة الدولية بفضل الفرض الثنائي، كما خسر صداقاته العربية، وهكذا أعُلن عن سقوط الثلاثية الخشبية في الخطابين آخذة في طريقها أوهام الغلبة والإنتصار وفائض القوة ومآسي الإستتباع للخارج والمغامرات الدموية القاتلة التي لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل.
إنّه اعلان نوايا عن زمن تُبعث فيه من جديد ومن تحت الركام والخراب مصطلحات الدولة العادلة الحامية للناس وللحدود وللحقوق، كما يُبعث أمل جديد بانتزاع حاضر ومستقبل اللبنانيين من براثن تحالف المافيات والميلشيات الذي قبض على عنق لبنان طوال عقود من الزمن.
فرحة اللبنانيين هذه بالانتخابات وبالتكليف جوبهت بحرد وغضب الثنائي حزب الله وحركة أمل ولا أقول الثنائي الشيعي لأنّهما يختزلان الطائفة الشيعية عنوة ولأنّ في الشيعة شرائح متنوعة لا توافقهما الرأي كما هي الحال في أي طائفة في لبنان، وقد سجل رئيس السلطة التشريعية الموكل إليه تطبيق الدستور وصيانة الأعراف البرلمانية سابقة فضائحية لا شبيه لها في الأنظمة البرلمانية في حرده ومقاطعته للإستشارات النيابية، وفي غيابه عن استقبال الرئيس المكلف في أوّل زيارة له للمجلس النيابي مصدر كل السلطات. وتجلى غضب الثنائي في تجهم وجوه أعضائه لعجزه المستجد عن فرض إرادته على مجموع الشعب اللبناني. وفي سياق إفلات القبضة الحديدية عن القرار الوطني كثُر الكلام عن الميثاقية والعيش المشترك والأقصاء والإلغاء والخيانة والتنكر للتفاهمات بعدما عمل الثنائي طويلا على إقصاء سائر اللبنانيين المختلفين معه بالرأي عن كل مواقع القرار الوطني طوال عقود وبعد التصدي الدائم وبالعنف لأيّ محاولة لعدم الإنزلاق في الحروب المدمرة ولأيّ إعتراض على الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والحياة السياسية في لبنان، وبعد أن تمّ حصر منافع السلطة وغنائمها بالمحازبين والأزلام والمحاسيب من دون سائر الشيعة ومن دون سائر اللبنانيين. وقد ساهم كل ذلك في مضاعفة التحديات التي تواجه الثنائي الرئاسي الجديد ونقزة اللبنانيين من محاولة العودة إلى ماضي الفرض والمحاصصة والتسويات الإرضائية على حساب تفاؤل وأمل اللبنانيين بالزمن الجديد. فالزمن الجديد لا يُعلي حساب الأحزاب على حساب المواطنين، فما تخسره الطوائف تربحه الدولة الموعودة.
وفي قلب هذا المشهد المستجد، بدا لافتاً نواف سلام في أولى إطلالاته على الشعب اللبناني وعلى العالم الخارجي إثر تسميته رئيساً مكلفاً وهو يرفع يده ممسكاً بـ«الكتاب» بديلاً عن الأصابع المرفوعة في وجه اللبنانيين وبديلاً عن الرايات الحزبية، فـ«الكتاب» تسمية أطلقها الرئيس فؤاد شهاب على الدستور، وهنا عادت الذاكرة باللبنانيين إلى عبارته الشهيرة «ماذا يقول الكتاب» عند البحث عن حلول لأيّ مأزق أو أزمة تعصف بالبلاد. ولعّل عهد فؤاد شهاب هو العهد اليتيم في تاريخ لبنان الحديث من حيث ابتعاده عن المحاور المتصارعة ومن حيث بنائه للمؤسسات وعصرنة الدولة والإنتقال من الدولة «المزرعة» إلى الوطن، وكسر حدّة الإصطفافات المذهبية والطائفية عبر إنماء المناطق والأطراف وإعلاء شأن الدولة وفي الترفع عن الصفقات المشبوهة وعن تنفيع الأقارب والأنسباء وبالتقيد بما يمليه الكتاب.
نواف سلام القادم من الأمم المتحدة حيث عمل سفيراً للبنان ومن رئاسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث أدان إسرائيل على جرائمها لم يسعَ يوماً إلى رئاسة الحكومة بل هي سعت إليه في غيابه خارج لبنان، كما سعى إليه الحالمون بالتغيير السياسي السلمي النظيف من مختلف الشرائح اللبنانية، ولعّل نواف سلام هو الإستثناء الوحيد بين سياسي لبنان الذي ضحّى وتخلّى عن موقعه في أعلى منصب قضائي في العالم خدمة لبلاده ولشعبه وبالتالي باستطاعة لبنان أن يتباهى بهذه القيمة المضافة على الحياة السياسية أمام العالم، إذ أنّ رئيس محكمة العدل الدولية قد دُّعي لتشكيل حكومة في لبنان من دون الغوص في وحول السياسية اللبنانية ومن دون سلوك الزواريب الملتوية لأهل السياسة في لبنان مدعوماً بدفع عربي ودولي لم يتوفر لأحد سواه من قبل نظراً لترفعه ومصداقيته وشفافيته. وعبر هذه التكليف سيعمل على فك عُزلة لبنان، موظفاً كلّ العلاقات النظيفة التي نسجها في مواقعه الدولية من أجل تبييض وجه لبنان والعودة به إلى دوره النهضوي الرائد الذي عملت على تشويهه سياسات الفرض والمحاصصة والنهب والتهريب والتبعية للخارج ممّا أدّى إلى تدمير كافة المؤسسات وإلى تهجير الشباب اللبناني إلى المنافي البعيدة وإلى حرمانه من المشاركة في صناعة القرارات السياسية والإقتصادية والثقافية في وطنه الأم.
رفع اليد بـ«الكتاب» يشير إلى أنّ الدستور سيكون المرجع والحكم في الحياة اللبنانية بعدما تمّ انتهاكه والدوس عليه من قبل المكلفين بتطبيق أحكامه، هؤلاء الذين ابتدعوا مرضاً دستورياً إسمه الثلث الحكومي المعطل، هذه البدعة التي لم يسمع بها أحد في الأنظمة البرلمانية في الدول التي تحترم عقول شعوبها. فعسى ألاّ يحاولوا التعطيل عبر الأرانب التي يخرجونها من الأكمام عند كلّ منعطف خطير، فاللبنانيون وبعد سقوط نظام مكبس ومنشرة صيدنايا في سوريا قد وعدوا من قبل الثنائي الرئاسي الجديد بأنّنا «طلاب حياة لا موت فيها» وكما أعلن الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة إلى لبنان «عاد الربيع في فصل الشتاء».
فهل حان «أوان الورد» في لبنان كما حلم سمير قصير ذات يوم؟
إنّه إعلان نوايا وبحزم عن زمن جديد بكافة المقاييس، جديد بتوازناته الداخلية والإقليمية، جديد بآفاقه المفتوحة على الحيوية والخروج من الإستنقاع السياسي، جديد بلغته وبمفرداته المنتقاة بعناية فائقة، مفردات طازجة كالأرغفة الساخنة الخارجة لتوها من نار المعاناة، إنّه احتفاء بسقوط اللغة الخشبية القديمة المحكمة الإقفال والإنغلاق، وبسقوط المفردات الجوفاء والمصطلحات الهجينة والشعارات الرتيبة التي لطالما عملت على إستغباء اللبنانيين وتشويش ذاكرتهم الوطنية الجامعة عن قصد طوال عقود من الزمن اللا لبناني، والتي لم تُخلف وراءها سوى الموت والخراب والعزلة القاتلة، بعد أن خسر لبنان موقعه على الخريطة الدولية بفضل الفرض الثنائي، كما خسر صداقاته العربية، وهكذا أعُلن عن سقوط الثلاثية الخشبية في الخطابين آخذة في طريقها أوهام الغلبة والإنتصار وفائض القوة ومآسي الإستتباع للخارج والمغامرات الدموية القاتلة التي لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل.
إنّه اعلان نوايا عن زمن تُبعث فيه من جديد ومن تحت الركام والخراب مصطلحات الدولة العادلة الحامية للناس وللحدود وللحقوق، كما يُبعث أمل جديد بانتزاع حاضر ومستقبل اللبنانيين من براثن تحالف المافيات والميلشيات الذي قبض على عنق لبنان طوال عقود من الزمن.
فرحة اللبنانيين هذه بالانتخابات وبالتكليف جوبهت بحرد وغضب الثنائي حزب الله وحركة أمل ولا أقول الثنائي الشيعي لأنّهما يختزلان الطائفة الشيعية عنوة ولأنّ في الشيعة شرائح متنوعة لا توافقهما الرأي كما هي الحال في أي طائفة في لبنان، وقد سجل رئيس السلطة التشريعية الموكل إليه تطبيق الدستور وصيانة الأعراف البرلمانية سابقة فضائحية لا شبيه لها في الأنظمة البرلمانية في حرده ومقاطعته للإستشارات النيابية، وفي غيابه عن استقبال الرئيس المكلف في أوّل زيارة له للمجلس النيابي مصدر كل السلطات. وتجلى غضب الثنائي في تجهم وجوه أعضائه لعجزه المستجد عن فرض إرادته على مجموع الشعب اللبناني. وفي سياق إفلات القبضة الحديدية عن القرار الوطني كثُر الكلام عن الميثاقية والعيش المشترك والأقصاء والإلغاء والخيانة والتنكر للتفاهمات بعدما عمل الثنائي طويلا على إقصاء سائر اللبنانيين المختلفين معه بالرأي عن كل مواقع القرار الوطني طوال عقود وبعد التصدي الدائم وبالعنف لأيّ محاولة لعدم الإنزلاق في الحروب المدمرة ولأيّ إعتراض على الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والحياة السياسية في لبنان، وبعد أن تمّ حصر منافع السلطة وغنائمها بالمحازبين والأزلام والمحاسيب من دون سائر الشيعة ومن دون سائر اللبنانيين. وقد ساهم كل ذلك في مضاعفة التحديات التي تواجه الثنائي الرئاسي الجديد ونقزة اللبنانيين من محاولة العودة إلى ماضي الفرض والمحاصصة والتسويات الإرضائية على حساب تفاؤل وأمل اللبنانيين بالزمن الجديد. فالزمن الجديد لا يُعلي حساب الأحزاب على حساب المواطنين، فما تخسره الطوائف تربحه الدولة الموعودة.
وفي قلب هذا المشهد المستجد، بدا لافتاً نواف سلام في أولى إطلالاته على الشعب اللبناني وعلى العالم الخارجي إثر تسميته رئيساً مكلفاً وهو يرفع يده ممسكاً بـ«الكتاب» بديلاً عن الأصابع المرفوعة في وجه اللبنانيين وبديلاً عن الرايات الحزبية، فـ«الكتاب» تسمية أطلقها الرئيس فؤاد شهاب على الدستور، وهنا عادت الذاكرة باللبنانيين إلى عبارته الشهيرة «ماذا يقول الكتاب» عند البحث عن حلول لأيّ مأزق أو أزمة تعصف بالبلاد. ولعّل عهد فؤاد شهاب هو العهد اليتيم في تاريخ لبنان الحديث من حيث ابتعاده عن المحاور المتصارعة ومن حيث بنائه للمؤسسات وعصرنة الدولة والإنتقال من الدولة «المزرعة» إلى الوطن، وكسر حدّة الإصطفافات المذهبية والطائفية عبر إنماء المناطق والأطراف وإعلاء شأن الدولة وفي الترفع عن الصفقات المشبوهة وعن تنفيع الأقارب والأنسباء وبالتقيد بما يمليه الكتاب.
نواف سلام القادم من الأمم المتحدة حيث عمل سفيراً للبنان ومن رئاسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث أدان إسرائيل على جرائمها لم يسعَ يوماً إلى رئاسة الحكومة بل هي سعت إليه في غيابه خارج لبنان، كما سعى إليه الحالمون بالتغيير السياسي السلمي النظيف من مختلف الشرائح اللبنانية، ولعّل نواف سلام هو الإستثناء الوحيد بين سياسي لبنان الذي ضحّى وتخلّى عن موقعه في أعلى منصب قضائي في العالم خدمة لبلاده ولشعبه وبالتالي باستطاعة لبنان أن يتباهى بهذه القيمة المضافة على الحياة السياسية أمام العالم، إذ أنّ رئيس محكمة العدل الدولية قد دُّعي لتشكيل حكومة في لبنان من دون الغوص في وحول السياسية اللبنانية ومن دون سلوك الزواريب الملتوية لأهل السياسة في لبنان مدعوماً بدفع عربي ودولي لم يتوفر لأحد سواه من قبل نظراً لترفعه ومصداقيته وشفافيته. وعبر هذه التكليف سيعمل على فك عُزلة لبنان، موظفاً كلّ العلاقات النظيفة التي نسجها في مواقعه الدولية من أجل تبييض وجه لبنان والعودة به إلى دوره النهضوي الرائد الذي عملت على تشويهه سياسات الفرض والمحاصصة والنهب والتهريب والتبعية للخارج ممّا أدّى إلى تدمير كافة المؤسسات وإلى تهجير الشباب اللبناني إلى المنافي البعيدة وإلى حرمانه من المشاركة في صناعة القرارات السياسية والإقتصادية والثقافية في وطنه الأم.
رفع اليد بـ«الكتاب» يشير إلى أنّ الدستور سيكون المرجع والحكم في الحياة اللبنانية بعدما تمّ انتهاكه والدوس عليه من قبل المكلفين بتطبيق أحكامه، هؤلاء الذين ابتدعوا مرضاً دستورياً إسمه الثلث الحكومي المعطل، هذه البدعة التي لم يسمع بها أحد في الأنظمة البرلمانية في الدول التي تحترم عقول شعوبها. فعسى ألاّ يحاولوا التعطيل عبر الأرانب التي يخرجونها من الأكمام عند كلّ منعطف خطير، فاللبنانيون وبعد سقوط نظام مكبس ومنشرة صيدنايا في سوريا قد وعدوا من قبل الثنائي الرئاسي الجديد بأنّنا «طلاب حياة لا موت فيها» وكما أعلن الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة إلى لبنان «عاد الربيع في فصل الشتاء».
فهل حان «أوان الورد» في لبنان كما حلم سمير قصير ذات يوم؟