الإنتخابات النيابية في عاليه – الشوف 2026: الدائرة الأكبر في لبنان
الإنتخابات النيابية في عاليه – الشوف 2026: الدائرة الأكبر في لبنان
ليست معركة مقاعد فقط، بل معركة بقاء بين الزعامات التاريخية والتحالفات المتغيرة. أما النتيجة النهائية فمرتبطة بالتحالف الكبير الذي حُسم سلفاً: جبل الدروز بصوت واحد… وتسونامي مسيحي للقوات
تُعدّ دائرة الشوف – عاليه أكبر دائرة إنتخابية في لبنان من حيث عدد المقاعد التي تبلغ 13 مقعداً ومن حيث تنوعها الطائفي، إذ تضم الدروز والمسيحيين والسنّة في معركة مباشرة على التمثيل والزعامة داخل البرلمان. أهمية هذه الدائرة لا تكمن فقط في حجمها، بل أيضاً في إرتفاع الحاصل الإنتخابي الذي يُقدَّر بحوالي 13,700 صوت لكي تتمكن أي لائحة من التأهل فعلياً إلى المنافسة، ما يجعل أي خطأ في التحالف أو الترشيحات قاتلاً سياسياً. هذه الدائرة هي قلب الجبل السياسي، وفيها يُصنع التوازن الوطني منذ عقود، ما يجعل إنتخابات 2026 الأخطر والأكثر حساسية منذ الطائف.
الحزب التقدمي الإشتراكي هو اللاعب التاريخي الأقوى في هذه الدائرة، إذ يمتلك قاعدة ثابتة تقارب 50 ألف صوت، ما يجعله القوة الأولى بلا منازع. لائحة وليد جنبلاط التق
ليدية تضم تيمور جنبلاط كوريث سياسي، إلى جانب وجوه راسخة مثل مروان حمادة، أكرم شهيّب وبلال عبدالله. لكن الترشيح الأهم هذه المرّة هو دخول رجل الأعمال يوسف نَعمة طعمة، نجل النائب السابق نَعمة طعمة الذي شَغل المقعد الكاثوليكي لسنوات طويلة. عائلة طعمة معروفة تاريخياً بقربها من المختارة من ناحية الدعم المالي، إذ كانت من أبرز العائلات التي وفّرت الغطاء المالي لوليد جنبلاط في المحطات الإنتخابية، ما جعلها جزءاً من شبكة النفوذ الإقتصادي المحيطة بالزعامة الجنبلاطية. لذلك، دخول يوسف طعمة لا يُعتبر مجرد ترشيح مسيحي، بل خطوة تهدف إلى إعادة تثبيت هذا الإمتداد المالي داخل اللائحة وضمان مقعد مسيحي مضمون بغطاء درزي وتمويل قوي.
في المقابل، القوات اللبنانية التي خاضت الإنتخابات السابقة متحالفة مع الإشتراكي، تملك أكثر من 25 ألف صوت صلب، إرتفع رصيدها بعد الإنتخابات البلدية الأخيرة خصوصاً في القرى المسيحية. في عاليه، تُطرح عدة أسماء داخل القوات من دون حسم نهائي، وقد يكون من بينهم أميل مكرزل. أما في الشوف، فجورج عدوان هو المرشح المؤكد والركيزة الأساسية للقوات، فيما تبحث القيادة عن إسم مسيحي ثانٍ بحسب توازنات اللائحة النهائية.
التحالف بين الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية لم يعد مضموناً كما في الدورات السابقة. فالقوات، مستندة على توسعها مسيحياً، وتصر على مقعد ماروني في عاليه وترفض بشكل قاطع بقاء راجي السعد ضمن اللائحة كونه الممثل السياسي لأنطون الصحناوي الخصم الشخصي لسمير جعجع علماً أنّ السعد هو وريث عائلة مارونية أساسية في تركيبة المنطقة تاريخياً فجده حبيب باشا السعد كان رئيساً للجمهورية وعمه الراحل فؤاد السعد كان حليف وليد جنبلاط و نائباً ووزيراً لعقود. في المقابل، وليد جنبلاط يعتبر السعد جزءاً من توازناته المالية والسياسية داخل الجبل، خصوصاً أنّ أنطون الصحناوي تربطه علاقة مصلحية قوية مع وليد جنبلاط في السنوات الأخيرة. ومع دخول يوسف طعمة كمرشح كاثوليكي مدعوم من المختارة، يصبح المقعد المسيحي محور التجاذب الأساسي بين الطرفين، إذ تسعى القوات لفرض تركيبتها المسيحية داخل اللائحة فيما يحاول الإشتراكي الحفاظ على نفوذه التقليدي.
في حال فشل التحالف بين الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية، فإنّ أحد أبرز الأسباب سيكون إستحالة قبول القوات ببقاء راجي السعد في اللائحة، لأنّ السعد مرتبط بأنطون الصحناوي، في حين أنّ القوات تطالب بالعدالة لمحازبها رولان المرّ في الأشرفية ولا يمكنها أخلاقياً أن تتحالف في عاليه مع إبن عمّة الصحناوي. ومع هذا التعقيد، تمتلك القوات بدائل مسيحية وازنة داخل الشوف، إذ يمكنها بناء لائحة مع شخصيات شعبية مثل دوري شمعون، الذي هزمها في إنتخابات دير القمر البلدية وأعاد إحياء الإرث التاريخي لحزب الوطنيين الأحرار، مستفيداً من تراجع التيار الوطني الحر.
على الصعيد الدرزي، المشهد محسوم بالكامل. طلال أرسلان الذي يملك قاعدة ثابتة تقارب 9000 صوت خسر في 2022 بسبب تحالفه الخاطئ، لكنه هذه المرة عاد إلى الجبل من الباب العريض بعد إتفاق نهائي وحاسم مع وليد جنبلاط. هذا التحالف ليس مجرد تفاهم إنتخابي، بل إنقلاب في ميزان القوى الدرزية، إذ سيتوحّد الزعيمان التاريخيان في لائحة واحدة. هذا التحالف يضمن تقريباً حصد جميع المقاعد الدرزية، وينهي مرحلة الإنقسام التقليدي بين المختارة وخلدة، ويفرض واقعاً سياسياً جديداً عنوانه: دروز الجبل بصوت واحد.
أما وئام وهاب، فقد خرج فعلياً من المعادلة. فبعد أن كان يمثّل قطباً درزياً وازناً في الإستحقاقات السابقة ويستند إلى دعم مباشر من حزب الله، قرر ترشيح إبنه هذه المرة. إلا أنّ نجل وهاب يتبنّى مواقف معارضة لحزب الله، خلافاً لوالده الذي كان حليفاً ثابتاً للحزب. هذا التباين أفقده القاعدة الأساسية التي أوصلت وئام وهاب إلى المنافسة عام 2022. ومع تحالف جنبلاط – أرسلان الذي أغلق الساحة الدرزية بالكامل، يصبح وهاب خارج اللعبة تماماً في 2026، بلا حلفاء، بلا غطاء، وبلا وزن إنتخابي.
التيار الوطني الحر الذي حصل في 2022 على نحو 17 ألف صوت و3 مقاعد بفضل تحالفه مع وهاب وأرسلان، يدخل إنتخابات 2026 في أسوأ وضع شعبي منذ تأسيسه. فقد خسر في البلديات، خسر حلفاءه الدروز، تراجعت شعبيته المسيحية، وأصبح غير قادر على تأمين حاصل إنتخابي بدون تحالف قوي. وحتى الآن، لا أحد يرغب بالتحالف معه، ما يجعل التيار أمام خطر السقوط الكامل في هذه الدائرة.
أما قوى التغيير (الثورة)، فقصتها تعكس صعوداً ثم تراجعاً جزئياً. ففي انتخابات 2022 تمكنت من تحقيق خرق تاريخي بحصولها على نحو 42 ألف صوت نتيجة التصويت الإحتجاجي وإنقسام القوى التقليدية. صحيح أنّ الزخم الذي رافقها قد تراجع في بعض القرى، إلا أنّ حضورها لم يتلاشى بالكامل، بل بدأت تستعيد جزءاً من قوتها بعد فشل القوى التقليدية في تقديم حلول للأزمات. ومع أنّ التحالف الدرزي بين أرسلان وجنبلاط يقلّص فرصها في عاليه، إلا أنّ قوى التغيير لا تزال قادرة على المنافسة في الشوف حيث تمتلك قاعدة مسيحية ناشطة، كما يمكنها الإستفادة من الفراغ السني بعد إنهيار تيار المستقبل. لذلك، تبقى أمامها فرصة فعلية لانتزاع مقعدين: واحد مسيحي وآخر سنّي، إذا نجحت في توحيد صفوفها وتقديم لائحة منظمة كما فعلت في 2022.
في المحصلة، معركة عاليه – الشوف 2026 ليست معركة مقاعد فقط، بل معركة زعامات تاريخية وتحالفات متغيرة. الحزب التقدمي الاشتراكي لا يزال اللاعب الأول، القوات اللبنانية تتوسّع مسيحياً، وطلال أرسلان يعود بقوة عبر تحالفه مع جنبلاط، فيما يسقط التيار الوطني الحر، وتجاهد قوى التغيير للحفاظ على مكاسبها أو الحدّ من خسائرها.
النتيجة النهائية لم تعد مرتبطة بالتكتيكات الصغيرة… بل بالتحالف الكبير الذي حُسم سلفاً:
جبل الدروز بصوت واحد… وتسونامي مسيحي للقوات
والسؤال الآن: هل سيكمل الدروز والقوات تحالفهما أم سيفترقان في الجبل؟ وإذا تحالفا… من يجرؤ على المواجهة؟ ومن سيُجبر على الإنسحاب نهائياً من المعركة؟