قانون الإنتخابات النيابية.. مسرح للهزل والتفاهة

قانون الإنتخابات النيابية.. مسرح للهزل والتفاهة

  • ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

أضواء، كاميرات، صراخ، ووعود، بينما المواطن متفرّج، والأحزاب تمثل نفسها على المسرح، والقانون الإنتخابي سيحابي الأحزاب الغنية. البلاد بأكملها تعيش في عرض مستمر، حيث المسرحية أهم من الحقيقة، والمواطن مجرد مقعد في الصف الخلفي.

السياسة في لبنان ليست إدارة دولة، بل برنامج يومي طويل على شاشات الواقع، حيث القانون مجرد ديكور غالباً، والمواطن مجرد جمهور صامت يحدّق في المشهد بدهشة، يصفق أحياناً، ويغض الطرف أحياناً أخرى. قانون الإنتخابات، الذي كان يُفترض أن يكون أداة لضمان العدالة وتمثيل كل الطوائف والشرائح، أصبح مسرحية كوميدية متكررة، مليئة بالمرشحين، الوعود الكبرى، والشعارات الملونة التي تُرفع على الطرقات وفي الإعلانات، ثم تتلاشى فور إنتهاء الحملة الإنتخابية.

النقاش العام اليوم يدور حول نقطة واحدة: المغتربون، هل يصوتون أم لا؟ وكيف؟ كأنّ بقية الإصلاحات الجوهرية، التي يمكن أن تجعل الإنتخابات حقيقية وشفافة، مجرد تفاصيل هامشية لا يستحقها أحد. إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الإنتخابات. تفعيل الرقابة المالية. إعتماد «الميغاسنتر» لتسهيل مشاركة الناخبين. كل هذه الأمور بقيت حبيسة الأدراج. بينما بعض الدوائر محسومة نتائجها سلفاً، تحمي النفوذ التقليدي للأحزاب، وتؤكد أنّ اللعبة السياسية في لبنان ليست سوى لعبة مصالح ونفوذ.

التقارير الدولية، مثل تقرير بعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة الإنتخابات عام 2022، لم تكن مفاجئة. الزبائنية، شراء الأصوات، الترهيب، والمعلومات المضللة كانت حاضرة في كل زاوية... الحملات الإنتخابية، رغم أنّها نابضة بالحياة على الورق، تتحوّل إلى مسرحية على الأرض، حيث لا صوت للعدالة ولا تأثير للمواطن سوى أن يكون شاهداً على هذا العرض الهزلي. حتى سريّة التصويت كانت شعاراً يُرفع للكاميرات، بينما الواقع مختلف تماماً. من يذكر كيف أنّ الإقتراع في بعض المناطق البقاعية كان، عملياً، عملاً جماعياً خلف الستارة وأحياناً أمامها؟

الهيئة المستقلة للإشراف على الإنتخابات؟ مستقلة شكلياً، لكنها في الحقيقة تابعة إدارياً ومالياً لوزارة الداخلية والبلديات. الرقابة على تمويل الحملات؟ شكلية. سقوف الإنفاق؟ يمكن تخطيها بدهاء قبل بدء «العرس» الإنتخابي، حيث يمكن لكل حزب أن يدفع ملايين الدولارات خارج الفترة الزمنية التي يتكلم عنها القانون دون أي مساءلة.
 تمثيل المرأة؟ مجرد شعار يُرفع على اللوائح لتصوير الإنتخابات وكأنّها «حداثية»، بينما الواقع يقول العكس. 
المظالم الطائفية؟ الدوائر الإنتخابية محمية بعناية، كل واحدة محسومة لصالح النفوذ التقليدي، حتى لو حرمت بعض المواطنين من حقّ الترشح وفق إنتمائهم الطائفي. شيعي في جزين، ماروني في الكورة، سرياني في زحلة… ممنوعون من الترشح، والقوانين مصممة لحماية مصالح القوى الكبرى، لا لتكافؤ الفرص أو العدالة.

أما المواطن، فهو جزء من جمهور يتابع مسرحية يومية تافهة: الإعلان هنا، التصريح هناك، وعد يُرفع على الطرقات، ووعود تُنسى بمجرد إنتهاء الحملة. الإصلاحات الجوهرية غائبة عن المشهد، والمواطن يرى الدوائر التي تحمي النفوذ التقليدي والنتائج المحسومة مسبقاً، فيتأكد أنّ اللعبة الإنتخابية ليست سوى عرض سياسي متقن يُقدمه من يملك السلطة والنفوذ. هل من شك لدى أحد أنّ زياد حواط سيكون نائباً لمرة جديدة؟ أو محمد رعد وطوني فرنجية؟ أو تيمور جنبلاط ونبيه برّي؟

قريباً سيكون المشهد كالتالي: كل يوم سيُعلِن أحدهم عن ترشحه ومن ثم تُعلن لائحة «حداثية»، تعدُ بتغيير جذري، وتصرّح عن دعم المرأة والشباب ومحاربة الفساد وإصلاح الأمور... جميعها شعارات ستتكرر على شاشات التلفزيون وفي وسائل التواصل الإجتماعي، بينما الواقع مختلف. الإنتخابات في لبنان ليست عملية سياسية حقيقية، بل عرض مفتوح، حيث كل شيء محسوب مسبقاً.. حتى النتائج.

المرشحون؟ بعضهم نخبويون، سيتحدثون عن الإصلاح، بينما يضعون في حقيبتهم كل ما يحتاجونه من عملة خضراء لضمان الفوز مسبقاً. آخرون سيجوبون القرى والبلدات، ويحملون الوعود على لوحات كبيرة، ويلتقطون صوراً مع كبار العائلات ومشايخ البلدات وإقطاعيو الحارات، مؤكدين أنّ صوت المواطن العادي ليس سوى زخرفة للمشهد. الحملات الإنتخابية على الإنترنت لن تكون أفضل، حيث ستتسلل المعلومات المضللة، والتهويل، والتشويه لكل منافس، وستكون، بعونه تعالى، الساحة الرقمية جزءاً من عرض مسرحي هزلي أيضاً.

وفي النهاية، لبنان كله سيشارك في مسرحية مستمرة: أضواء، كاميرات، صراخ، ووعود، بينما المواطن متفرّج، والأحزاب تمثل نفسها على المسرح، والقانون سيحابي الأحزاب الغنية على حساب تلك الفقيرة والناس. كل شيء سيكون ظاهراً على السطح، بينما الإصلاحات والجوهر مفقود، وكأنّ البلاد بأكملها تعيش في عرض مستمر، حيث المسرحية أهم من الحقيقة، والمواطن مجرد مقعد في الصف الخلفي يصيح من حين إلى آخر، دون أن يُسمع صوته.