قانون القنّب يتعطل خمس سنوات.. والدولة تلامس فخ «شراء المحصول غير الشرعي»
قانون القنّب يتعطل خمس سنوات.. والدولة تلامس فخ «شراء المحصول غير الشرعي»
ما حصل ليس مجرد ملف زراعي أو خلاف إداري، بل معركة حول طريقة تطبيق القوانين، وآليات إدارة القطاعات الحساسة، وضبط الفوضى المزمنة في البقاع.
يُعدّ قانون تنظيم زراعة القنّب في لبنان، المُقرّ عام 2020، واحداً من القوانين التي كان يُنتظر أن تُحدث تحولاً فعلياً في إدارة قطاع تاريخي ومعقّد في منطقة البقاع، عبر تنظيم الزراعة، وضبط السوق غير الشرعية، وإدخال استخدامات طبية وصناعية تسهم في دعم الإقتصاد. غير أنّ غياب المراسيم التطبيقية وتأخر تشكيل الهيئة الناظمة أدّيا على مدى خمس سنوات إلى تعطيل تنفيذ القانون وترك الزراعة ضمن دائرة اللاشرعية، ما خلق فراغاً مؤسساتياً وتضارباً في الصلاحيات وآليات الرقابة.
وقد أعاد برنامج «باسم الشعب» على قناة «إم تي في» فتح هذا الملف في حلقته السادسة، مسلّطاً الضوء على النقاش الذي ظهر أخيراً داخل مجلس الوزراء بشأن كيفية التعامل مع الموسم المزروع بصورة غير قانونية، وما ترتب عليه من إشكالات قانونية وإدارية. وأعاد هذا النقاش إبراز التحديات المرتبطة بتطبيق القانون، والآثار التي خلّفها تعطيل تنفيذه على مؤسسات الدولة وعلى تنظيم هذا القطاع الحساس.
القانون بدا إصلاحياً
بدا قانون تنظيم زراعة الحشيشة، المُقرّ عام 2020، خطوة إصلاحية واعدة، تنظيم الزراعة واستخدامها في المجالات الطبية والصناعية، وضبط السوق السوداء، وتحويل قطاع تاريخي في البقاع إلى قطاع شرعي يُفترض أن يدرّ ملايين الدولارات على خزينة الدولة.
غير أنّ القانون، الذي وُضع لحماية الدولة من المخاطر القانونية والإقتصادية، كاد يتحوّل إلى بوابة إرتباك قانوني خطير نتيجة سوء الإدارة، وتأخّر إصدار المراسيم التطبيقية، وضبابية آليات التنفيذ. وفي قلب هذه العاصفة برز إسم رئيس الهيئة الناظمة لزراعة القنّب، الدكتور داني فاضل.
خمس سنوات من التعطيل: قانون بلا مراسيم
على مدى عقود، بقيت زراعة الحشيشة في لبنان خارج أي إطار شرعي، فيما فشلت محاولات الضبط بالقوة العسكرية بسبب كلفتها وخطورتها على المدنيين.
ومع صدور القانون عام 2020، بدا أنّ الحل أصبح قابلاً للتطبيق، من حيث تنظيم الزراعة، ومنح التراخيص، وفتح مجالات صناعية وطبية، وخلق فرص عمل، وتجفيف منابع الأموال غير الشرعية.
لكن بعد خمس سنوات، على صدوره لم تُعين الهيئة الناظمة إلا في تموز 2025. والمراسيم التطبيقية لم تُصدر بعد، والمزارعون تُركوا في فراغ قانوني كامل، يزرعون بلا تراخيص ويبيعون في السوق السوداء.
هذه الفجوة القانونية أرست واقعاً شاذاً، حيث القانون نافذ لكنه غير قابل للتطبيق، والزراعة مستمرة بلا شرعية، والمؤسسات رسمية عاجزة عن المنع أو الإشراف أو البدء.
الإقتراح الأخطر: شراء محصول غير شرعي
تفاقمت الأزمة خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حين طرح وزير الزراعة نزار الهاني إقتراحاً منسوباً إلى رئيس الهيئة الناظمة، طالباً أن يُمنح الجهاز، لمرة واحدة، حقّ شراء الموسم المزروع بصورة غير قانونية وتصريفه عبر جهة خارجية «موثوقة».
وكان الاقتراح على وشك المرور، لولا تدخل الأمين العام لمجلس الوزراء، محمود مكية، الذي وضع الأمر في موقعه القانوني، مشيراً إلى أنّ ما سيُدوّن في المحضر أن موافقة أي من الوزراء على الإقتراح سيعتبر شريكاً في تجارة المخدرات.
لكن ما بدا «إقتراحًا تقنيًا» فتح الباب أمام تساؤلات قانونية. هل كانت الدولة وبلا قصد ربما تستعد لشراء محصول غير شرعي من تجار مخدرات؟ أوهل كانت الحكومة ستتحوّل إلى أحد زبائن زعماء التهريب في البقاع؟ وهل يجوز لهيئة رسمية أن تشتري مواد محظورة فقط لأنّها «موسم فائض»؟
حبشي يدخل على الخط: «مَن فوّض هذا الرجل؟»
في خضمّ هذه الفوضى، دخل النائب أنطوان حبشي على الخط عبر مداخلة هاتفية.حبشي، إبن بعلبك – الهرمل، المنطقة الأكثر تضرّرًا من الفوضى وأيضًا الأكثر استفادة من أي تنظيم للزراعة، لم يتردد في تحميل الحكومة مسؤولية «الإختيار غير الموفّق» لرئاسة الهيئة الناظمة.
وقد طرح أسئلة مباشرة:ما هي معايير اختيار رئيس الهيئة؟ هل يملك الخبرة القانونية والزراعية؟ من يضمن ألا تُستخدم صلاحيات الهيئة في مسارات خطيرة؟
الدولة… في موقع الزبون؟
مع تواتر المعطيات، تبيّن أنّ لبنان بدل الإستعداد لتنظيم زراعة القنّب، كان على وشك الإنزلاق نحو أكبر صفقة مضادة للقانون منذ إقرار التشريع.فالإقتراح كان يعني أنّ الدولة رسميًا ستشتري محصولًا غير شرعي من مزارعين وتجار يعملون خارج القانون.وهذا المسار كان سيضع مؤسسات الدولة في موقع المتواطئ أو الساذج، ويمنح شرعية غير مباشرة لعشرات المهربين المتحكمين بالسوق السوداء.وربما كادت ستصبح زبونة عند أمثال نوح زعيتر وجماعته.
ما حصل ليس مجرد ملف زراعي أو خلاف إداري، بل معركة على هيبة الدولة، وطريقة تطبيق القوانين، وآليات إدارة القطاعات الحساسة، وضبط الفوضى المزمنة في البقاع.وما كشفته الكاميرا لم يكن مجرد إقتراح عابر، بل نافذة على ضعف مؤسساتي كان يمكن أن يجرّ لبنان نحو فضيحة قانونية ومالية وسياسية تُضاف إلى سجل أزماته المتراكمة.

