لونا الشبل.. رحلة من السلطة إلى الوفاة المشبوهة
لونا الشبل.. رحلة من السلطة إلى الوفاة المشبوهة
لونا الشبل، الإعلامية أم الجاسوسة؟ لقاءات سريّة، وفيديوهات مسرّبة، نفوذ سياسي، ووفاة غامضة
تصدرت الإعلامية السورية الراحلة لونا الشبل إهتمام الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي بعد تسريبات فيديو مصوّرة حصلت عليها قناتي «العربية» و«الحدث»، تظهرها برفقة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد أثناء قيادته سيارته في العاصمة دمشق ومناقشتهما الأحداث في الغوطة الشرقية. الفيديوهات تضمنت مشاهد تظهر لونا وهي تتحدث بحرية مع الأسد عن الوضع في الغوطة، ويسخر معها من جنود النظام السوري
أشار مراقبون إلى أنّ لونا الشبل كانت تحاول إيقاع بشار الأسد خلال النقاشات معه في السيارة ، وأنّ بعض تصرفاتها في الفيديوهات المسربة أظهرت أنّها استطاعت إثارة نقاشات وجعل الأسد يخطئ في حديثه بينما كان كلامها دقيقاً. و ما زاد من الغموض حول علاقتها بالنظام وساهم في الإتهامات الموجهة إليها بأنّها كانت تعمل لأغراض خفية.
النشأة والخلفية العائلية
ولدت لونا الشبل في دمشق في الأول من أيلول 1974 لعائلة درزية. هجرها والدها بسبب خلافات مع والدتها نايفة، التي كانت موظفة في حزب «البعث» الحاكم، ومدرِّسة في مدرسة حكومية. عاشت لونا مع والدتها في حي برزة بريف دمشق، وكانت نشيطة في العمل الحزبي منذ صغرها، من خلال الإنضمام إلى «طلائع البعث»، التنظيم الشبابي التابع لحزب «البعث».
قاطعت لونا والدها سنوات طويلة حتى وفاته، لتكبر في بيئة مركّبة بين السياسة والنفوذ الحزبي، ما شكّل أساس طموحها في الحياة العامة والإعلامية.
التعليم والبدايات الإعلامية
درست لونا اللغة الفرنسية في جامعة دمشق، وعملت أثناء دراستها في محل لتصميم بطاقات الأعراس. بعد التخرّج، بدأت مسيرتها الإعلامية في التلفزيون السوري، حيث قدمت نشرات الأخبار، قبل أن تنتقل إلى قناة «الجزيرة» في آب 2003. خلال عملها في القناة، تعرفت على الإعلامي اللبناني سامي كليب، الذي أصبح زوجها الأول في عام 2008، ومن خلاله حصلت على الجنسية اللبنانية. لاحقًا إنفصلت عن سامي كليب، وتزوجت من عمار ساعاتي، عضو مجلس الشعب السوري السابق ورئيس إتحاد الطلبة سابقًا، الذي كان محسوبًا على شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد.
العلاقة مع بشار الأسد والنفوذ داخل النظام
تتضارب الروايات حول كيفية تعرف لونا على بشار الأسد؛ هناك من يقول إنّ ذلك تم عبر وساطة قطرية، فيما يرى آخرون أنّ لونا بادرت شخصيًا للقاء الرئيس في عام 2008. كانت تقوم بزيارات سرية إلى دمشق، قبل أن تظهر على قناة «دنيا» السورية في كانون الأول 2011 لتعلن إستقالتها من قناة «الجزيرة» في 5 أيار 2010، ورغبتها بوضع خبرتها تحت تصرّف النظام السوري.
بدأت عملها في مكتب الأمن الوطني الذي كان يقوده لاحقًا اللواء علي مملوك، قبل أن تنتقل إلى الرئاسة في شباط 2012، لتصبح مسؤولة عن المكتب الإعلامي الذي كانت تديره بثينة شعبان، حيث ظهر صراع حاد بينهما لنيل رضا الرئيس. تمكنت لونا من إبعاد بثينة شعبان عن الأسد والسيطرة على جزء من النفوذ الإعلامي، وتقرّبت من أسماء الأسد.
تصريحات قاسم سليماني لعلي مملوك
وفقًا لمجلة «المجلة»، وصف قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، لونا الشبل بأنّها «جاسوسة»، وحذّر علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني السوري، من التعامل معها، ما يعكس حالة الشكّ العميق التي كانت تحيط بها داخل أروقة النظام السوري وعلاقاتها مع الشخصيات الإيرانية .
الثروة والأعمال
بدأت لونا بإظهار نفوذ إقتصادي واضح، فاشتريت عقارات بقيمة 8 ملايين دولار في دبي، إضافة إلى أنّ زوجها يمتلك شركة لتأجير السيارات ومحطة وقود في الساحل السوري. في حزيران 2022، أسست مطعمًا روسيًا فخمًا بإسم «ناش كراي» في المزة، وقيل إنّ الأسد اشتراه لها، ثم باعت المطعم لرجل الأعمال أبو علي خضر بأضعاف ثمنه.
وقد وضعت كل أملاكها الخارجية بإسم نسرين محمد، زوجة شقيقها ملهم الشبل، الذي عاد إلى دمشق بوساطتها وعُيّن ممثلاً عن الرئاسة في مركز البحوث العلمية، وهو مكان حساس يضم برامج التعاون العسكري مع إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا.
دورها السياسي والوساطة
لعبت لونا دور الوساطة في ملفات سياسية عديدة، من بينها لقاءات مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، قبل مغادرته دمشق. ومع ذلك، رفض ماهر الأسد دخول لونا إلى مجالسه حتى بعد زواجها من عمار ساعاتي، الذي كان محسوبًا على ماهر في جميع أدواره.
الفيديوهات المسربة والظرف السري
الفيديوهات التي حصلت عليها قناتا «العربية» و«الحدث»، والتي كانت داخل مظروف يحمل عبارة «سري للغاية»، تضمنت وثائق شخصية للشبل مثل بطاقات الهوية وجواز السفر. هذه الفيديوهات تشير إلى هوية الشخص الذي كان يصور الأسد والشبل في السيارة.
أشارت مصادر محلية إلى شخص يُدعى أمجد عيسى، وصفته بأنّه «رجل ظلّ» ومعاون للشبل. عيّنه رئيس حكومة الأسد، حسين عرنوس، عام 2020 مديرًا عامًا لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع. أصبح عيسى لاحقًا، وفقًا لمراقبين، جزءًا من روايات نظام».
يظلّ المظروف السري للغاية والسيارة الشاهدة الصامتة على ما دار بداخلها جزأ من القصة.
حادث الوفاة والغموض
توفيت لونا الشبل في 6 تموز 2024، بعد حادث سير على طريق الديماس أثناء عودتها إلى منزلها في منطقة «قرى الأسد». المصادر الرسمية قالت إنّ السيارة انحرفت عن مسارها بعد عدة صدمات وأدخلت إلى مستشفى الشامي في دمشق.
لكن شهود عيان ورويات أخرى أكدت أنّ حادثها لم يكن عاديًا، سيارة اقتربت منها عمدًا، ثم تعرضت لهجوم على رأسها، ما أدى إلى شلل كامل ثم الوفاة، ثم تمّ اعتقال عمار ساعاتي فور محاولته الحديث عن الحادث، إضافة إلى اختفاء هواتفها المحمولة، ما يثير احتمال وجود عملية تصفية مدبّرة.
لقد تضاربت الروايات حول طبيعة الوفاة، حيث تقول بعض المصادر إنّها حادث سير عادي، بينما تشير روايات أخرى إلى قتل وسحل أو تصفية بسبب علاقتها بعناصر إيرانية داخل سوريا.
إختفاء شقيقها
بعد وفاة لونا، إختفى شقيقها ملهم الشبل وزوجته في نيسان 2025، بعد قصف إسرائيل لقنصلية إيران في دمشق، ما عزّز فرضية وجود صراعات داخلية وحسابات إنتقامية مرتبطة بالنفوذ داخل النظام السوري.
في الخلاصة، تظلّ حياة لونا الشبل مثالًا على التقاطع المعقد بين الإعلام، السياسة، الثروة، والنفوذ الشخصي داخل النظام السوري. من إعلامية شابة إلى مستشارة للرئيس، ومن طموح أن تصبح السيدة الأولى إلى وفاة غامضة وحادث مشبوه، تمثل لونا شخصية محورية في سنوات بشار الأسد الأخيرة، محاطة بالغموض والتسريبات والإتهامات، بما في ذلك تصريحات سليماني لعلي مملوك حول كونها جاسوسة.
المصادر:
قناة العربية، تسريبات فيديوهات لونا الشبل مع بشار الأسد، 2025.
قناة الحدث، تسريبات المظروف السري الخاص بلونا الشبل، 2025.
مجلة المجلة، تقرير شامل عن حياة لونا الشبل، علاقاتها مع النظام السوري، ووفاتها، 2025.

