عبد الملك الحوثي يرث نصرالله
عبد الملك الحوثي يرث نصرالله
وراثة عبد الملك الحوثي لدور نصرالله، تعني أنّ مركز الثقل إنتقل فعلياً، فيما تبقى الساحة اللبنانية عرضة لارتدادات قرارات تُتخذ خارجها، وبأسماء جديدة، وبمخاطر لا تقلّ جسامة.
في خضم التحوّلات الإقليمية المتسارعة، يبرز مشهد جديد داخل محور إيران، عنوانه إنتقال مركز الثقل القيادي من لبنان إلى اليمن. فبعد اغتيال حسن نصرالله، لم يتمكّن نعيم قاسم من تثبيت نفسه كخليفة فعلي على مستوى القيادة الرمزية والسياسية، ما فتح الباب أمام صعود شخصية أخرى لملء الفراغ، هي عبد الملك الحوثي، الذي بات يُقدَّم اليوم كأبرز واجهة لمحور إيران خارج حدودها.
المعضلة داخل حزب الله لم تكن تنظيمية فحسب، بل بنيوية. فبحسب مصادر مطّلعة، يعاني نعيم قاسم من ضعف في الكاريزما ومن عجز عن الإمساك الكامل بمفاصل القرار، في مرحلة تتطلّب قدرة استثنائية على ضبط الداخل وإدارة المخاطر. هذا الواقع تزامن مع إخفاقات أمنية وتراجع في فعالية المنظومة العسكرية، ما أدّى إلى اهتزاز الثقة بقدرة الحزب على إدارة مواجهة طويلة ومعقّدة كما في السابق.
عند الحديث عن الحضور الحوثي في لبنان، لا يمكن فصل المشهد عن التاريخ القريب. ففي السنوات الماضية، كان مستشارو حزب الله حاضرين في اليمن لدعم الحوثيين عسكرياً وتقنياً وإعلامياً. اليوم، تنقلب المعادلة: مؤشرات متزايدة على انتقال الخبرة والتنسيق بالاتجاه المعاكس، حيث يُسجَّل دور حوثي في لبنان ضمن أطر غير معلنة، تشمل المشورة، والتنسيق، وإدارة الرسائل الإقليمية. هذا التحوّل لا يعكس فقط تبدّلاً في الأدوار، بل يكشف أيضاً عن إعادة تقييم داخل محور إيران لفاعلية كل ساحة وقدرتها على تحمّل كلفة المواجهة.
في هذا الإطار، تشير معطيات متقاطعة إلى أنّ الحرس الثوري الإيراني بات يُظهر مستوى ثقة أعلى بالحوثيين مقارنة بحزب الله في المرحلة الراهنة، سواء لجهة القدرة على المبادرة أو الإستعداد للذهاب بعيداً في التصعيد. هذا لا يعني خروج حزب الله من المعادلة، بل تراجع موقعه القيادي المتقدّم لصالح لاعب آخر أثبت استعداداً أكبر لتحمّل المخاطر ورفع سقف الاشتباك مع الخصوم.
في ما يتعلّق بمواجهة إسرائيل، تكشف مصادر مقرّبة من حزب الله أنّ أي تصعيد مقبل قد لا يشهد رداً مباشراً من الحزب نفسه، بل يُترك المجال للحوثيين لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، سواء عبر الصواريخ أو عبر الجبهات البحرية. غير أنّ هذه المصادر نفسها تقرّ بأنّ هجمات الحوثيين، على الرغم من رمزيتها واتساع نطاقها، لن تكون كافية لردع إسرائيل عن استهداف حزب الله أو توجيه ضربات مباشرة له. فالردّ من ساحات بعيدة، مهما بلغ حجمه، لا يشكّل بديلاً كاملاً عن معادلة الردع اللبنانية التقليدية.
بهذا المعنى، لا يعود عبد الملك الحوثي مجرد قائد لحركة يمنية، بل يتحوّل إلى الواجهة الأكثر تقدّماً في محور إيران، وصاحب المبادرة في إدارة الإشتباك الإقليمي. في المقابل، يبدو حزب الله وكأنّه يدخل مرحلة انتظار ثقيلة، يراقب التطورات ويحسب الكلفة، من دون القدرة أو الرغبة في المبادرة المباشرة.
لبنان، مرة جديدة، يجد نفسه أمام واقع بالغ الخطورة؛ قرار المواجهة لم يعد يُصاغ حصراً على أرضه، ولا بأدواته التقليدية. وراثة عبد الملك الحوثي لدور نصرالله، ولو بشكل غير معلن، تعني أنّ مركز الثقل انتقل فعلياً، فيما تبقى الساحة اللبنانية عرضة لارتدادات قرارات تُتخذ خارجها، وبأسماء جديدة، وبمخاطر لا تقلّ جسامة.

