لبنان مكشوف أمنياً..!

لبنان مكشوف أمنياً..!

  • ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

الإصرار على الأساليب الأمنية الحالية وغياب التنسيق الفعّال بين الأجهزة، سيقود حتماً نحو مرحلة أشد خطورة

تصدّرت الساحة الأمنية في لبنان حادثة بالغة الخطورة أعادت تسليط الضوء على حجم الإنكشاف الذي يعيشه البلد. خبر عن عملية إسرائيلية حول اختطاف النقيب المتقاعد أحمد شكر بعد استدراجه من بلدته النبي شيت إلى ضهور زحلة، في عملية دقيقة التخطيط والتنفيذ، شكّلت صدمة إضافية في مشهد أمني مأزوم أصلاً.
هذا الحدث لا يمكن التعامل معه كواقعة منفصلة أو عابرة. ففي بلد يعجّ بالأجهزة الأمنية، من مخابرات الجيش إلى الأمن العام وشعبة المعلومات وأمن الدولة، يفترض أن يكون الحد الأدنى من الردع والضبط قائماً. إلا أنّ الواقع يظهر عكس ذلك تماماً، حيث بات لبنان ساحة مفتوحة لعمليات أمنية خارجية تُنفَّذ بهدوء وفعالية، من دون أي عائق حقيقي.
اللبنانيون يُطالعون يومياً ببيانات رسمية عن إنجازات أمنية وتوقيفات وشبكات مفككة. لا يكاد يمرّ يوم من دون بيانات توحي بأنّ الوضع تحت السيطرة. لكن ما يحصل على الأرض يكشف فجوة خطيرة بين الخطاب والواقع، ويؤكد أنّ البلاد مكشوفة أمنياً إلى حد غير مسبوق.
العملية المنسوبة إلى الموساد داخل الأراضي اللبنانية لا يمكن فصلها عن سياق أوسع. فالإسرائيليون معروفون بعنادهم الطويل النفس في تصفية الحسابات. ولا يغيب عن الذاكرة أنّ شقيق الشخص الذي جرى اختطافه كان قد شارك في خطف طيار إسرائيلي عام 1986. بعد قرابة أربعة عقود، يبدو أنّ إسرائيل قررت إقفال هذا الملف بطريقتها الخاصة، في رسالة واضحة بأنّ الزمن لا يمحو الحسابات في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

الأخطر أنّ هذه العملية لا تبدو سوى «تريلر» لما هو آتٍ. فمصادر أمنية لبنانية تحذّر من أنّ ما جرى يمهّد لسلسلة عمليات أوسع في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في منطقة بعلبك وسهل البقاع، حيث بات النشاط الأمني الخارجي أكثر جرأة ووضوحاً.
وفي هذا السياق، تعود إلى الأذهان الدعاية التي روّج لها حزب الله خلال حرب 2024، حين قيل إنّ الإسرائيليين يدخلون إلى المناطق المسيحية ولا يجرؤون على دخول المناطق الشيعية بسبب قوة الامن الوقائي للحزب. اليوم، الوقائع على الأرض تنسف هذه السردية بالكامل. إسرائيل تحتل الجنوب، وتنفّذ عمليات دقيقة في عمق البقاع، وتتحرك حيث ترى مصلحتها الأمنية، من دون اعتبار لأي خطوط حمراء وهمية.
مصدر أمني لبناني يعتبر أنّ ما يحصل هو خرق أمني كبير، وأنّ البلد بات مكشوفاً بشكل خطير. ويحذّر من أنّ استمرار العمل بالأساليب نفسها، من دون تغيير جذري في طريقة عمل الأجهزة الأمنية والتنسيق في ما بينها، سيقود حتماً إلى مرحلة أشد خطورة، قد تشهد عمليات اغتيال وضربات نوعية موجعة.

في ظل هذا الواقع، لا يعود السؤال ما إذا كان لبنان مكشوفاً أمنياً، بل إلى أي حد. وكما قيل يوماً على الليرة السلام، يخشى كثيرون اليوم أن يُقال قريباً، وبالمنطق نفسه، على الأمن السلام.