بيروت تايم تتابع ملف المطار: إصلاحات مطلوبة والسلامة العامة مهدّدة والقضاء متواطئ

بيروت تايم تتابع ملف المطار: إصلاحات مطلوبة والسلامة العامة مهدّدة والقضاء متواطئ

  • ٠٥ شباط ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

السلامة العامة وجهة نظر في لبنان والمرافق العامة تحوّلت الى محميات يديرها الفاسدون وعديمو الكفاءة، وذهنية الغزو تتناسل في كلّ مؤسسات الدولة، أما الشعب اللبناني لقد أصابه العجز في مواجهة الكوارث ومحاسبة مرتكبيها بعد يقظة 17 تشرين 2019 وإستسلم لمخاوف محتملة مكتفياً بالأمنيات لعدم حصولها .

فهل خطر ببال أحد أنّ اللبنانيين ناموا على مدى سبعة أعوام إلى جانب قنبلة موقوتة خُزنت في مرفأ بيروت على شكل نيترات الأمونيوم، ولم يحرّك ولو مسؤول واحد من الذين كانوا يعلمون بتخزينها ساكناً لمنع كارثة إنفجار مرفأ بيروت عام2020 من رأس هرم الدولة إلى أصغر موظف فيها؟ والإجابة جاءت إستباقية، وتحديداً خلال إنتفاضة  تشرين17 -  2019 التي إختصرت - نهائية إنعدام ثقة الشعب بالطبقة السياسية الحاكمة- بعبارة «كلن يعني كلن»، وصداها كان الإنفجار الكارثي ليجسّد سوء إدارة الدولة للمرفأ .
إنّ إنفجار 4 آب لم يكن إستثناء عن قاعدة الحكم في لبنان، بل تتويجاً لمسار الإنهيار، فالموظفون يتمُّ تعيينهم وفق نظام المحاصصة الطائفية على حساب الكفاءة ويستشري الفساد والهدر المالي والتهريب الجمركي... ووزراء الوصاية وأحزابها يبسطون سيطرتهم على المرافق العامة على حساب المال العام وسيادة الدولة على مرافقها الاستراتيجية.
إنعدام الكفاءة المهنية ونهج الفساد المستمر وتعنّت السلطة في تأجيل الإصلاحات الملّحة التي يطلبها صندوق النقد الدولي ما زال مستمراً، ومن بين أكبر المخاوف تكمن في  مطار بيروت الدولي، المرفق العام التجاري والسياحي الذي يضاهي المرفأ بأهميته الإستراتيجية والتجارية، وصلة الوصل الجوية الوحيدة للبنان مع العالم، والذي يخضع لسلطة وزراء  الوصاية المتعاقبين  نفسهم. والمحصلة العامة الخطيرة هي  تراكم الإخفاقات الكارثية ،وغياب المحاسبة ،رغم كلّ المؤشرات التي تهدّد بالأسوأ.
فإنّ وزيري الأشغال العامة السابقين، غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، على سبيل المثال لا الحصر، المطلوبين الى التحقيق في إنفجار المرفأ، والذين لم يكن عهدهما في المطار أقل  فساداً أو تهديداً للسلامة العامة، ما زالا يتمتعان بحصانة تعرقل مسار التحقيق القضائي بالرغم من  الإخبار الذي تقدّم به 20 نائباً الى النيابة العامة التمييزية، بناء على حلقة لبرنامج بإسم الشعب  عبر قناة الـMTV، فتح فيها الاعلامي رياض طوق مع النائب وضاح الصادق، ملف تعريض إدارة الطيران المدني والسلامة العامة لمخاطر جسيمة وشبهات فساد في مطار بيروت الدولي على مصراعيه. وتكشف الحصانة الممتدة من المرفأ للمطار، عن تواطؤ فاضح من النائب العام التمييزي غسان عويدات الذي يجمد ملف شبهات الفساد في المطار، كما عرقل التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت. 

تهديد بفصل لبنان عن العالم

المطار الذي يستقبل مليوني راكب سنوياً، ترى فيه السلطة باباً مربحاً للهدر المالي من بوابة الإستثمار والتلزيمات التي  تحيط بها شبهات الفساد وليس آخرها مزايدة تلزيم إشغال وإدارة وإستثمار مطاعم ومقاهي مبنى الركاب في المطار التي وقعت على المتعهد وسام عاشور دون عقد، أو محاولة توسيع المطار بمبنى الترمينال 2 في ظل تغييب الهيئة الناظمة للمطار المناط بها تنظيم إستثماره. 
الأخطر من شبهات الفساد، هي المخاطر المؤكدة على مستوى السلامة العامة. فمطار بيروت الدولي مهدّد بوضعه على اللائحة السوداء للمطارات على صعيد السلامة العامة، إذا لم يستوفِ توصيات تقرير  منظمة EASA (التابعة للاتحاد الأوروبي) الذي صدر مؤخراً حول المطار، والذي وضع قائمة بالمعايير الدولية لسلامة المطارات التي يفشل لبنان منذ سنوات في تطبيقها فيما تدعي السلطة الحاكمة القيام بالتحسينات .
وفي حال لم تُطبق تلك الشروط في مهلة أقصاها آذار المقبل2024 ، وقبيل وضع برنامج الإيكاو العالمي لتدقيق مراقبة السلامة الجوية (USOAP)، تقريره الدوري حول مطار بيروت ، فقد تنفصل بلاد الأرز عن العالم من بوابة إيقاف الرحلات الجوية منها وإليها.

فرصة أخيرة...

إن كان من حسن حظ اللبنانيين، خضوع مطار بلادهم  لمعايير "الهيئة الدولية للطيران المدني-الإيكاو"، بصفتها المشرع الأعلى للطيران في العالم. لكن ولسوء حظهم، فإنّ المطار يُدار بعقلية أحزاب الوصاية عليه، على حساب السلامة العامة والمال العام.
هل ننتظر كارثة أخرى أو نتفادى وقوعها؟ بات الهاجس اليوم. علماً أنّ آليات ومعايير  تفادي الكارثة متوفرة تحت رعاية المشرع الأعلى للطيران في العالم ومن أبرزها تعيين الهيئة الناظمة المقرة بالقانون رقم 481، الذي يحقق هدفاً مزدوجاً وهو تلبية شروط صندوق النقد، وتلبية معايير منظمة الإيكاو الدولية. لكن، ما زالت السلطة تتهرّب من تعيين أعضاء الهيئة منذ العام 2002، أي منذ إقرار القانون في المجلس النيابيّ. 
أما فيما يخصّ الجهاز البشرّي في المطار،  فهناك نقص مزمن في عدد المراقبين الجويين منذ سنوات، وتزيد ساعات عملهم عن الوقت المسموح به عالمياً، ما يهدّد ظروف عملهم أولاً، وسلامة الملاحة ثانياً. 
علماً أنّ مرسوم تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية عن فئة مراقب جويّ، كان قد رفض الرئيس السابق ميشال عون توقيعه، تحت حجة «عدم التوازن الطائفي». 
والمحاصصة الطائفية هي نفسها حجة وزراء الأشغال السابقين منذ العام 2002 لعدم تعيين أعضاء الهيئة الناظمة للطيران المدني، وهو ما يبقي على فادي الحسن مديرا عاما بالتكليف على رأس المديرية العامة للطيران المدني، بحجة تغييب الهيئة الناظمة منذ عهد الوزير فنيانوس.

الوزير "بيرسم" والقضاء "بيخيّط"

لا تتطرق التقارير الدولية الى  نقد العقلية السياسية الطائفية التي يُدار بها المطار أو فضح ملفات الفساد فيه، إنّما  تحثُّ السلطة على تطبيق الاصلاحات التي تؤدي الى تقليص سطوة وزراء الوصاية وأحزابهم على المطار .
ومن مظاهر الفساد أيضاً ما وصفه تقرير EASA الأخير بعبارة «الدولة اللبنانية أجرت تحسينات لكن لم يتم قبولها»، فيما لم يشذّ الوزير الحالي علي حمية عن مسار إنعدام الكفاءة، فهبّ لطرح خطة من 13 بنداً لتستجيب لتوصيات التقرير الأوروبي كحل «متكامل» لمخاطر السلامة العامة في المطار إستباقا لتقرير الإيكاو، ببنود ترقيعية سنتطرق اليها تباعاً خلال متابعتنا لملف المطار. 
أما الأخطر من حلول حمية الترقيعية، فهو وضع النائب العام التمييزي غسان عويدات الإخبار حول" تعريض إدارة الطيران المدني والسلامة العامة لمخاطر جسيمة وشبهات فساد في مطار بيروت الدولي" الموقع من 20 نائبا، في درج النيابة العامة التمييزية. 
فعويدات الذي عرقل التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت، يعرقل حالياً التحرّك قبل كارثة في حدها الادنى تهدّد بتصنيف لبنان على اللائحة السوداء للسلامة العامة، ما يعني أنّه في مطلع آذار لن تكون حرب غزة وجنوب لبنان وحدهما سبباً للحد من الرحلات الجوية للبنان، بل مجدداً ستكون دولتي فعلت هذا.

يفتح موقع بيروت تايم هذا الملف بما فيه معايير منظمة الايكاو والإصلاحات التي لم يحقّقها لبنان الى يومنا هذا، وملف  التلزيمات الحالية والسابقة التي هدرت المال العام، ومصير الإخبار المقدّم من 20 نائباً، على فصول، تجنباً لكارثة محتمة على مستوى تصنيف مطار بيروت الدولي والسلامة العامة فيه، وإيماناً منا في دور الصحافة كسلطة رابعة ضاغطة لإجراء الاصلاحات المطلوبة، ومحاسبة الفاسدين، وتكريس العدالة...