من زعيتر إلى حمية: المشوار المتعثّر لـ « الهيئة الناظمة للطيران المدني»

من زعيتر إلى حمية: المشوار المتعثّر لـ « الهيئة الناظمة للطيران المدني»

  • ٢١ شباط ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

يُدار مطار بيروت الدولي منذ عقود بالعقلية نفسها التي أُدير بها مرفأ بيروت الذي أدى لكارثة 4 آب عام 2020. فـ«دويلة» الأحزاب في المطار، هي نفسها «دويلة» المرفأ، التي تكرّسها سلطة الوصاية الممنوحة لوزراء الأشغال العامة المشتركة على أهم مرفقين عامين في لبنان، وهو ما يبرّر خوف اللبنانيين من كارثة في مطار بيروت الدولّي الذي يستقبل مليوني راكب سنوياً ويشكل همزة الوصل الجوية الوحيدة بين لبنان والعالم.

ويصبح هذا الخوف مضاعفاً، بتزامنه مع تقرير مشترك لوكالة سلامة الطيران التابعة للإتحاد الأوروبي ومنظمة الطيران المدني الدولي في حزيران الماضي، وتحديداً، قبل أشهر من موعد برنامج «الإيكاو» العالمي لتدقيق مراقبة السلامة الجوية (USOAP) المرتقب في آذار المقبل، إذ  جاء ليساعد لبنان في تجنّب إدراج مطاره الدولي على اللائحة السوداء للسلامة العامة، عبر الإضاءة على الإصلاحات الملحة، وفي طليعتها ضرورة تطبيق القانون رقم 481، من خلال تعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني.

وفي حين أنّ وزير الأشغال السابق، غازي زعيتر، المتّهم في ملف إنفجار المرفأ، إعتبر عام 2014 أنّ القانون 481 «غير مرتبط بمعايير سلامة الطيران في لبنان»، خرج الوزير علي حمية، بحل عـ«اللبناني»، إستباقا لتقرير «الإيكاو»، قضى بتعيين لجنتين «مختصتين»، أعطيتا صلاحيات «الرقابة» و «التشريع» في المطار.

مصادر نيابية متقاطعة في لجنة الأشغال النيابية، كشفت لـ« بيروت تايم»، أنّ الوزير طرح اللجنتين «كبديل مؤقت» للهيئة الناظمة، محذّرة من إشتداد القبضة على المطار من قبل «وزير الوصاية» على حساب السلامة العامة في المطار، وتصنيف مطار لبنان دولياً.

 

 

ما هو القانون 481؟

 

الهيئة الناظمة للطيران المدني، هي أحد أهم شروط الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي ومنظمة الطيران المدني الدولي «الإيكاو» في آنٍ، لحاجة مطار بيروت الدولي لجهاز رقابي مستقل، يضمن السلامة العامة للمطار. ومنذ إقرارها بالقانون 481 تحت ضغط دولي عام 2002، والهيئة الناظمة تخضع للتعطيل عبر تسويف تعيين أعضائها.

وأقرّ مجلس النواب بتاريخ 12/2/2002 القانون 481 الذي يقضي بإنشاء مؤسسة عامة تدعى «الهيئة العامة للطيران المدني»، التي تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال الإداري والمالي وتهدف إلى المساهمة في النهوض بقطاع الطيران المدني وتتولى الصلاحيات التنظيمية والرقابية فيه، على أن تُلغى مديرية الطيران المدني، التي يرأسها فادي الحسن اليوم بالوكالة، منذ تعيينه أيام وزير الأشغال المتّهم في قضية إنفجار المرفأ، يوسف فنيانوس عام 2018.

أكثر من 20 عاماً على إقرارها، لم يتمّ تعيين أعضاء الهيئة الناظمة الستة بما فيهم الرئيس، علماً أنّهم يُعيَّنون بمرسوم من مجلس الوزراء بناء على إقتراح وزير الأشغال العامة والنقل.

وتتعرّض الهيئة منذ تشريعها بالقانون 481 عام 2002، إلى العرقلة التي تتعرّض لها جميع الهيئات الناظمة، بإنتظار سلّة تعيينات سياسية كبرى، قوامها المحاصصة السياسية بحجة التوازن الطائفي على حساب كفاءة أعضاء الهيئة، وهو ما يضرب إستقلاليتها، وهي الروحية التي شُرِّعت على أساسها.  

والحال أنّ المنظومة تفضّل عدم تعيين أعضاء الهيئة أكانوا محسوبين عليها أم لا. ويمكن إلتماس ذلك من تجديد وزراء الأشغال تباعاً لرئيس مديرية الطيران المدني بالتكليف فادي الحسن، فيما قرارات المديرية تخضع لموافقة وزير الوصاية، في حين أنّ إنشاء الهيئة الناظمة سيحدّ بشكل كبير من سلطة الوزير شبه المطلقة على المطار اليوم.

 

تمريرة «ما بين التقريرين».. 700 ألف دولار

 

التقرير المشترك الأخير لوكالة سلامة الطيران التابعة للإتحاد الأوروبي ومنظمة «الإيكاو»، في حزيران الماضي، الذي شدّد على ضرورة إجراء تحسينات في المطار على مستويات عدة، إستدعى إستجابة الوزير حمية بخطة من 13 بنداً، أُقرّت في مجلس الوزراء، كطرح متكامل لمشاكل السلامة العامة والسلامة الجويّة في مطار بيروت لإستيفاء المعايير والمواصفات الدولية المطلوبة.

في البند التاسع من خطته، لحظ حمية تأسيس لجنتين مختصّتين في أعمال التشريع والمراقبة للمطارات والأجهزة الأرضية،  والتشريع والمراقبة لخدمات الملاحة الجوية، علماً أنّ الرقابة والتشريع (إقتراح القوانين وتقديمها للوزير) يدخلان في صلب مهام الهيئة الناظمة.

هذا ووافق المجلس على«تحويل المبالغ المطلوبة والمقدرة بحوالي 700 ألف دولار سنوياً من الحساب التفصيلي في مديرية الخزينة الخاص في مديرية الطيران المدني (رسوم 20% خروج عن كل مسافر-القانون 303-2022) لحساب المديرية العامة للطيران المدني لدى منظمة الطيران الدولي «ICAO»، بهدف «التعاقد مع خبراء لتأمين أعمال هذه اللجان عبر منظمة الطيران الدولي تطبيقاً لتوصياتها في هذا الخصوص».

وللحلّ بُعدان يثيران التساؤل: بُعد مالي يتمثل بتخصيص مبلغ 700 ألف دولار للتعاون مع خبراء عبر منظمة الطيران الدولي عبر هاتين اللجنتين، في أوج الأزمة اللبنانية. وبُعد «زمني» رمز إليه الوزير في النّصّ بكلمة «سنوياً»، أي «دورياً»، دون أن يربط إنتهاء تمويل اللجنتين بتعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني، وكأنّ الهيئة غير موجودة في حسابات الوزير.

هذا ما أكدته مصادر في لجنة الأشغال العامة لـ«بيروت تايم»، مخفّفة من وطأة عدم تعيين الهيئة بتشكيل اللجنتين كبديل مؤقت و«فن الممكن» تحضيراً لتقرير منظمة «الإيكاو» و للسلامة العامة، في حين وضعت مصادر أخرى في لجنة الأشغال إستحداث هاتين اللجنتين في خانة «تحايل» الوزير بحلول ترقيعية، تشدّد وصايته على المطار من خلالها.

في السياق: تسأل المصادر: هل يمكننا فهم غير ذلك مع وقوع تعيين أعضاء اللجنتين من اللبنانيين من خارج منظمة ال«الإيكاو»، على عاتق الوزير؟

 

لا بديل عن الهيئة

 

يؤكّد المحامي جاد طعمه المتابع لملف الفساد في مطار بيروت، أنّ «لا شيء يحلّ مكان وجود الهيئة الناظمة للطيران المدني التي أوجدها القانون 481 منذ العام2002 ووجوب تطبيق أحكامه في حال صدقت النوايا للعمل على  الإصلاحات الإدارية داخل حرم المطار بعيداً عن المحاصصات والخلافات ذات الخلفية الطائفية لأعضاء الهيئة».

وعن تأليف لجنتين مختصّتين بأعمال الرقابة والتشريع للمطار والأجهزة الأرضية ومراقبة خدمات الملاحة الجويّة، فيلفت في حديثه لـ«بيروت تايم» إلى أنّ تأليف اللجان يدخل قانوناً في صلاحيات وزير الأشغال العامة والنقل، لكن إعطاء هاتين اللجنتين صفة الرقابة الممنوحة للهيئة، يعكس الزبائنية داخل مختلف الإدارات اللبنانية وإستخفاف الوزراء بما تطلبه الهيئات الدولية وتحديداً هيئة سلامة الطيران الأوروبية والمنظمة الدولية للطيران المدني لتحسين تقييمها لوضع المطار.

أما مالياً، فيعكس إنشاء اللجنتين برأيه، الإستهتار في وجوب بذل الجهد اللازم لتطبيق القانون 481 بدلاً من رصد الإعتمادات للجان مؤقتة، يمكن الإستغناء عنها في أي لحظة، وهو ما يضعها في خانة إستمرارية هدر المال العام، الذي يرى به انعكاساً لغياب الإرادة الجدية للإصلاح.

يشدّد طعمة على سهولة تطبيق القانون لو صدقت النوايا، يرى «أنّه ثمّة من يستفيد من حالة الفوضى الكبرى في الهيكلية الإدارية داخل المطار وهذا ما يفسّر تسويف الإصلاحات وتطييرها».

 

الهيئة في صلب تصنيف مطار بيروت الدولي

تُشير خبيرة الطيران المدني، نادين عيتاني، بدورها، إلى أنّ التقارير الدولية للمنظمات المختصّة بسلامة الطيران، لا تقيّم أداء مطار بيروت ومدى إمتثاله للمعايير الدولية في مجال السلامة العامة وحسب، بل كذلك تقيِّم القوانين التي يتبعها المشغّلون في المطار، نظراً للدور الهام الذي يلعبه الجهاز الإداري القوي وقوة القانون في مراقبة أجهزة التشغيل في المطار، وتوفير الرقابة على السلامة الجوية.

وللتقييم تأثير مباشر على قدرة المطار على جذب الإستثمارات. من هنا، يشكل إستمرار تراجع أداء المطار على هذا الصعيد، قلقًا جدياً لهيئات السلامة الدولية ولشركات الطيران وشركات التأمين التي تستند إلى نتائج التدقيق وتصنيف المطار على مستويات عدة، لإتخاذ قراراتها التشغيلية على أساسها.

في السياق، ترى عيتاني أنّ تراجع أداء الإدارة من ناحية الرقابة على السلامة، هي نتيجة طبيعية لإهمال تطبيق قانون إدارة الطيران المدني لسنوات عديدة.  أما عدم وجود هيئة ناظمة للطيران وتغييب دورها في التنظيم والإشراف والرقابة، ففيه ضرّر على حوكمة القطاع وفيه تداعيات على مجالات مختلفة من ناحية التنظيم والرقابة والأمن، كون الهيئة تتولى وفق القانون «إقتراح السياسة العامة لأمن الطيران المدني».

إذ إنّ هيئة الطيران تمتلك مهام التنظيم والرقابة والإشراف على إدارة جميع القطاعات المتعلقة بالطيران المدني وإستثمارها، بما في ذلك خدمات النقل الجويّ والملاحة الجويّة وسلامة الطيران المدني والمطارات المدنية على أسس فنية وإقتصادية سليمة وتغييبها يُخسّر لبنان تصنيفه دولياً من حيث التنظيم الحديث لقطاع الطيران المدني الذي يستوجب الفصل بين شؤون التنظيم والإشراف والرقابة من جهة، وشؤون الإستثمار والتشغيل من جهة ثانية.

وفي حين أنّه من مهمات الحكومة خلال مهلة سنة من تاريخ القانون 481 موضع التنفيذ، تأسيس شركة مساهمة تسمّى «مؤسسة مطار بيروت الدولي»، تضع عيتاني تغييب هذا الإصلاح القانوني، المتمثل بإنشاء جهاز رقابة وتنظيم وإنشاء جهاز تشغيل منفصل، في خانة إضعاف قدرة لبنان على جذب الإستثمارات لمطاره الدولي، بما فيها صناديق التمويل الدولية.

 

المجتمع الدولي: خداعه غير  ممكن!

 

عام 2014 رفضت البعثة الأوروبية كلام الوزير زعيتر بعدم إرتباط القانون 481 بالسلامة العامة للمطار، وردّت بوجوب تقديم لبنان ضمانات في شأن آليات الإشراف على سلامة الطيران فيه تحت طائلة فرض حظر كامل على عمل شركات الطيران اللبنانية ضمن المجال الجوي للإتحاد الأوروبي، تحت بند عدم إمتثال لبنان للأنظمة الدولية لسلامة الطيران.

وهنا، لا بدّ من الإضاءة على عبارة تطرّق إليها تقرير وكالة سلامة الطيران التابعة للإتحاد الأوروبي ومنظمة الطيران المدني الدولي الأخير، وهي أنّ «بعض الإصلاحات الجديدة التي قامت بها إدارة المطار لم يتمّ قبولها من قبل منظمة الإيكاو».

فلماذا تقبل منظمة الطيران المدني الدولية «الإيكاو» اليوم إصلاحات «شكلية» جديدة غير تلك التي رفضتها مسبقا؟ وهل تكون إستعانة حمية بخبراء من «الإيكاو» في اللجنتين المختصتين، محاولة لإرضاء المنظمة الدولية بحلول «ترقيعية» إنّما تعكس إنعداما لجدية لبنان في تلبية الاصلاحات؟ والأخطر، تكريسه بؤرة للإلتفاف على الهيئات الناظمة القانونية، لصالح السيطرة الحزبية على المرافق العامة، ودوما على حساب القانون والسلامة العامة.