القطاع الزراعي.. إهمال سابق للحرب
القطاع الزراعي.. إهمال سابق للحرب
يشير تقرير بنك عودة في الصادر في 3 آذار، أنّ القطاع الزراعي في لبنان يواجه أضراراً متزايدة بسبب الحرب في جنوب لبنان. وقد بلغت خسائر الأراضي والمنتجات الجاهزة للحصاد والتصدير والأشجار، قرابة 2.5 مليار دولاراً أمريكياً. كما أنّ الفوسفور الأبيض المستخدم في الحرب، أدى إلى تدمير التربة، ويحتاج إلى جهود إعادة تأهيل ستستغرق سنوات وأموالاً كثيرة.
حتى نهاية عام 2023، تكبّد القطاع الزراعي أضراراً كبيرة، حيث أَحرقت القنابل الفسفورية 47 ألف شجرة من الزيتون، والخرّوب، والحبوب، إضافةً إلى الخسائر في الإنتاج. كما تضرّرت الثروة الحيوانية والدواجن وتربية الأحياء المائية، من الأسماك والمحار والطحالب.
يملك لبنان أعلى نسبة أراضٍ صالحة للزراعة في العالم العربي، بأكثر من 200 ألف هكتار (494,000 فدّان)، وتشكل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه 8 في المئة من اليد العاملة الفعّالة، بحسب مقالة بحثية بعنوان « الطريق نحو تعافي قطاع الزراعة في لبنان»، الصادرة عن المركز اللبناني للدراسات، في تشرين الثاني 2023. كما تساهم الأنشطة الزراعية في المناطق الريفية مثل عكار والضنية والبقاع الغربي، بشكلٍ كبير في إجمالي الناتج المحلّي، بأكثر من 80 في المئة من الناتج الإقتصادي. وحتى عام 2018، شكل قطاع الأغذية الزراعية 38 في المئة من الناتج الصناعي للبلد، وإستأثر بـ 2.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وبين عاميّ 2016 و2018، كان القطاع الزراعي يشكل 3 في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه 12 في المئة من اليد العاملة بدوامٍ كامل، و13 في المئة من الفئة الأخرى، بحسب «الإستراتيجية الوطنية للزراعة في لبنان 2020 – 2025» الصادرة عن وزارة الزراعة اللبنانية. وشكّلت الزراعة 4.5 في المئة من الناتج المحلي عام 2010، إرتفعت إلى 10 في المئة عام 2020، وحافظت عليه حتى عام 2023.
(رسم بياني تفاعلي)
يشهد القطاع الزراعي عملية تدمير ممنهج، بحسب دراسة «تشخيص وضع الزراعة اللبنانية في ضوء الأزمة المالية الإقتصادية الراهنة: حلول فورية ورؤية مستقبلية»، التي أعدها رئيس المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية رياض سعادة عام 2022. كشفت الدراسة أنّ القطاع الزراعي إحدى قنوات التوزيع للمال العام والمشاريع المموّلة من الخارج.
يحدّد سعادة أربع أبواب رئيسية لإنقاذ القطاع، وهي المجتمع، والإقتصاد، والأمن الغذائي، والبيئة. على أن يحتل المجتمع حيّزاً أكبر من الخطط الحكومية، كي ترتفع حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي، على أن تكون الأهداف واضحة: التوازن في الميزان التجاري الغذائي، وتأمين بيئة ملائمة لتنمية قطاعات تحرس البيئة، ضمن خطّة تنموية متوسطة الأجل، وقانون زراعي يرسم الأطر التوجيهية.
بحسب الدراسة، كان يبلغ الناتج الزراعي عام 1962 قرابة ملياري ليرة لبنانية و28 مليون ليرة لبنانية، ونما حتى عام 1988 بأكثر من ضعفين، ووصل إلى أعلى مستوى عام 1996 بقيمة 8 مليار ليرة لبنانية، ليعاود الإنخفاض ليصل إلى 3 مليار ليرة لبنانية عام 2020.
إرتفع الناتج الزراعي بنسبة 48 في المئة، بين عاميّ 1962 و1966، بتأثير لسياسات رئيس الجمهورية السابق فؤاد شهاب، ليعود ويمرّ القطاع بمرحلة ركود بين عاميّ 1967 و1975. وخلال فترة الحرب الاهلية، دُمِّر القطاع وهيكلية التسويق وقنوات التصدير، وبين عاميّ 1998 و2021، فإحتضرت الزراعة اللبنانية.
وفي وقت شهدت الزراعة العالمية إزدهاراً لافتاً بين عاميّ 1970 و1996، بنسبة 544 في المئة في دول الإتحاد الأوروبي، و384 في المئة في الولايات المتحدة الأميركية، و686 في المئة في اليابان، إنكمش القطاع 10.45 في المئة في لبنان.
ومنذ التسعينيات، لم تتجاوز حصة وزارة الزراعة من مجمل الموازنة العامة للدولة الـ 1 في المئة، فيما نفذ 263 مشروعاً رئيسياً منذ عام 1992، بقيمة 285 مليون دولار، و5.7 ملايين يورو، و167 مليار ليرة لبنانية على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، لكن لم يكن لها تأثير كبير في الناتج المحلي الزراعي.
يتطلب إنقاذ القطاع خطة جديّة، تنطلق من قرار سياسي بإعتماد نموذج إقتصادي منتج، تنشط فيه جميع القطاعات الإنتاجية، ولا سيّما الزراعة، حيث يذهب لتأمين القدر الممكن من الإكتفاء الذاتي. تقترح دراسة سعادة، العمل على خطة ذات رؤية مستقبلية متوسطة وطويلة الأمد، يُعنى بالمجتمع الريفي وبالإقتصاد الزراعي.