أوقف مجزرة التأمين عن مهندسي الشمال… وكن نقيبًا
أوقف مجزرة التأمين عن مهندسي الشمال… وكن نقيبًا
أن تُحني ظهْر متقاعدٍ سبعينيٍّ بثمانية آلاف دولار، فوق ثقل الأزمة، مقابل تأمينه الصحّيّ، فهذه هرطقةٌ مهنيّةٌ وأخلاقيّةٌ على كلّ المستويات.
الهراطقة هم أعضاء مجلس نقابة المهندسين في الشمال ونقيبها في آخر العهد السيء. ثمانية آلاف دولاراً«فريش » يدفعها المتقاعد، مرغمًا كلّ عام، ويتقاضى معاشًا تقاعديًّا يراقص، بخجلٍ، الألف الواحدة عن العام نفسه. وبين جشع وحش التأمين، غير المرحّب بالطاعنين في السنّ، وطعن النقابة القاسي لهم، يستسلم المتقاعدون لابتزاز نقابتهم وتقاعدها المبكر. أحوال المهندسات والمهندسين الفعليّين ليست أفضلَ حالًا. فالنقابة شهدت، لأولّ مرّةٍ منذ تأسيسها، تراجعًا، غيرَ قليلٍ، في أعدادهم.
لعبة «ping pong» بين القوات والمستقبل
منذ العام ٢٠٠٥، تقفز كرة منصب النقيب، بين القوات والمستقبل، في لعبة«ping pong» سياسيّةٍ وطائفيّةٍ مُحكَمة. وبين سلفٍ قواتيّ وخلفٍ مستقبليّ، أو العكس، يشتدّ إدمان النقابة في الشمال على الرسوم الماليّة والمحاصصة والصفقات والفساد وتغييب الكفاءة والشفافيّة والمحاسبة. وتبدو، مع كلّ عهدٍ، أقرب إلى دائرةٍ رسميةٍ منها إلى مساحةٍ نقابيّةٍ مظلّلةٍ للمهندسات والمهندسين الشماليِّين.
كما جرت العادة، يطرح التحالف المستقبليّ القواتيّ المزمن، هذا العام أيضًا، لائحة إحتكارٍ جديدة، يرأسُها المهندس مرسي المصري، لاستمرار القبض على النقابة. يضيف تيّار المردة غرابةً إستثنائيّة على التوليفة السياسيّة تلك. ومن دونِ أيّ شكّ، ليس الغرام السياسيّ ولا هواجس الإنقاذ والمصلحة العامة وأخلاقيّات وحماية المهنة، هو ما يجمع كوكتيل الأحزاب هذا.
«الكثرةُ فيصلٌ في لعبة الانتخابات»
مقابل كلّ هذا العطب، جمعت المصيبة أطرافًا وخصومًا ومتضّرِّرين كثرًا في محاولةٍ منهم لدخول اللعبة النقابيّة المُحاصَرة، في الشمال، منذ عشرين عام. والخصوم والمتضرِّرون ليسوا قلّة، والكثرةُ فيصلٌ في لعبة الإنتخابات. يخوض المهندس والأستاذ الجامعيّ شوقي فتفت، والمرشّح لمنصب النقيب، مواجهةً، غيرَ سهلةٍ، لخرق السياج حول النقابة وكسر الدّوامة التّي تدور فيها. وإن كان فتفت دمِثَ الخُلقٍ ومحبّبًا ومصحوبًا ببعض الكفاءات المستقلّة، لكنّ لائحتُه، التّي تحمل تسمية «النقابة للجميع»، تحمل،أيضًا، أثقالًا سياسيّةً عسيرةً على الهضم. فالتحاق العزم والوطنيّ الحرّ بمغامرة فتفت ليس جذّابًا، والرهان عليهما أشبه بلعبة روليت روسيّة. مخاطرةٌ قد يتّخذها كثيرون لفرصة توجيه صفعةٍ قويّةٍ للإحتكار، لا سيّما، بعد آداءٍ مزعجٍ، بقدرٍ لا يوصف، للنقيب الحاليّ. فاللائحة باتت تقلق راحة المقلب الآخر، وتشكّل تهديدًا فائق الجدّيّة.
«أبعد عنّا كأس التأمين الباهظة، وكن نقيبًا»
المعركة في نقابة الشمال شديدة الإحتدام بين اللائحتين. وحدهم المستقلّون والخارجون عن أوامر الأحزاب هم القادرون على تمييل الدفّة، فيما تطغى السياسة على عقول الأحزاب المتناتشة للنقابة، وتُغشي حسابات المكاسب عيونهم عن واقع أهل المهنة والنقابة الصعب. فالأزمة قزّمت إهتمام المهندسين بمفاصل السياسة وباتوا لا يتداولون إلّا بمشقّة الإستمرار ورسوم الإنتساب والإشتراك السنويّ، وقبل كلّ شيء، بمسلخ التأمين في نقابتهم الشماليّة. لم يعد المهندسون يرون في النقابة إلّا ذاك المنشار الجشع والحاد، الذي يقطع من قدرتهم الخاوية في ذهابهم إليها والإيّاب. أسعار التأمين الصحيّ الفائقة الإرتفاع هي قِبلة اهتمامهم. التأمين الصحّيّ هو بيت القصيد. ومن ينجح في مقاربته بفعاليّة لن يهزمه أحد. والرابح هو، حتمًا، من يتجرّأ على كسر التآمر السياسيّ، لصالح عمالقة التأمين، على مصلحة المهندسين والمهندسات. فالأخيرون جميعهم يقولون: أبعد عنّا كأس التأمين الباهظة… وكن نقيبًا.