مئة عام من الإنهيار (1)
مئة عام من الإنهيار (1)
مرّ على لبنان أزمات وإنهيارات إقتصادية، بدأت ولم تنتهِ في المئة عام الاخيرة
قيل لنا لسنوات إنّ الليرة بخير، وأنّ نظامنا المصرفي نموذجي ولن يهتز. وفي ليلة إنتفاضة، إنهارت إمبراطورية الرمل المصرفية. ثمّ عادوا وقالوا لنا أنّ الناس في الشارع دمروا القطاع المصرفيّ. آخرين قالوا أنّ سوء علاقاتنا مع دول الخليج والغرب دمرت إقتصادنا. ردّ عليهم أنّ الحصار جوّع شعبنا. وبين التّهم، نموذج إقتصادي، بنيّ على أوهام، حمل زوراً إسم الإقتصاد الحرّ، والمنافسة، ولم يرتكز إلّا على الخدمات والتجارة والريع والإحتكار.
في ورقة بحثية صادرة عن البنك الدولي، خلص الإقتصادي شادي بو حبيب إلى أنّ الإقتصاد اللبناني لطالما كان مهيأّ لأزمات إقتصادية وإجتماعية، بفعل اعتماده على التدفقات الخارجية التي ترفع مستوى الأسعار المحلّية وتتسبّب بارتفاع سعر الصرف الحقيقي. في المقابل ضعف الإقتصاد المنتج يقلّص فرص العمل ويرفع مستويات الهجرة وتنخفض المنافسة، وترتفع الواردات وتتقلّص الصادرات، وأي خلل بحجم التدفقات ينعكس على معيشة الناس، كما حدث في مجاعة عام 1916، وكما حدث عام 2020 مع توقّف التحويلات المالية عبر البنوك، كما لعب التجار والمحتكرون دوراً في تأزيم الوضع، بهدف الربح.
7 آذار 2020: إعلان حكومة لبنان برئاسة حسّان دياب تعليق سداد سندات «اليوروبندز» وفوائدها، التي تبلغ نحو 4.6 مليارات دولاراً.
إنتفاضة 17 تشرين الأول 2019: بعد تراكم الأزمات المعيشة والبيئية، بدأت التحركات الشعبية، على أثر قرار الحكومة بوضع ضريبة 6 دولارات على خدمة «واتساب»، خلال الإعداد للموازنة. يومها أقفلت المصارف لمدة أسبوعين، حتى الأول من تشرين الثاني. وعلّلت جمعية المصارف الأمر بأنّه تدبير بانتظار إستتباب الأوضاع العامة في البلاد، وكانت المرة الأولى التي تقفل فيها المصارف أبوابها بشكلٍ تام، الخطوة التي لم تتخذها المصارف حتى خلال الحروب.
وهذا ما أنذر بأنّ المشكلة المالية أعقد مما يُقال، وأنّ الإقتصاد دخل في مرحلة الإنهيار الحرّ.
الهندسات المالية: بدأت الهندسات المالية عام 2015، إشترى مصرف لبنان من المصارف الخاصة سندات خزينة بالليرة اللبنانية بقيمتها الإسمية، بفوائد تراوحت بين 7.08 في المئة و8.74 في المئة سنوياً، مقابل بيعها سندات دين بالدولار، على أن تسدّد قيمتها من أموال خارجية، وتقدّر بنحو ملياري دولار، أو أموال داخلية.
أول المصارف المستفيدة من الهندسات المالية كان بنك البحر المتوسط، الذي يملكه الرئيس سعد الحريري، عام 2015 في محاولة لإنقاذه من الإفلاس. وتوسّعت الهندسات لتطال 35 مصرفاً عام 2016. وتجاوزت العمليات التي حصلت، 14 مليار دولاراً، وحقّقت المصارف أرباحاً إستثنائية بنسبة 40 في المئة، بقيمة 5.6 مليارات دولاراً.
العجز في ميزان المدفوعات عام 2011: مفاعيل الإفلاس بدأت بالظهور عام 2011، حيث بلغ عجز ميزان المدفوعات حتى تموز 18.5 مليار دولاراً، واستمر العجز حتى الإنهيار. وانخفضت موجودات القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية، وتراجع النموّ الإقتصادي الى 1 بالمئة، وبلغت نسبة الدين العام 134 في المئة في 2012. وعوضاً عن تصحيح قيمة العملة المحلية، عمل المصرف المركزي على تثبيت سعر الصرف، وبالتالي تمويل التحويلات إلى الخارج من إحتياطات مصرف لبنان.
23 تشرين الثاني 2002، مؤتمر باريس 2: حصل لبنان على 4.2 مليار دولاراً خلال مؤتمر المانحين الدوليين، الذي عقد في قصر الإليزيه في باريس. القروض المخفضة أتت كمساعدة للبنان لخفض دينه العام. يومها كان دين لبنان 29 مليار دولاراً، بنسبة 178 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري إلى المشاركين في المؤتمر من دول مجموعة السبع والإتحاد الأوروبي والخليج ومؤسسات مالية دولية إنّ الدين اللبناني سيقارب 31 مليار دولاراً نهاية العام، وهو أمر «لا يحتمل»، مؤكداً أنّ هدفه هو «تحقيق التوازن في الموازنة عام 2006 وخفض معدل المديونية إلى أقل من 100% من إجمالي الناتج المحلي».
الإستدانة بالدولار عام 1998: في جلسات إقرار موازنة عام 1998، إتُخذ القرار بالإستدانة بالدولار (اليوروبوندز)، وتعتبر هذه الطامة الكبرى، حيث بدأ لبنان يراكم دين بالعملة الأجنبية، على اعتبار أنّ الإستدانة عبر سندات الخزينة بالليرة اللبنانية فوائدها مرتفعة جداً، فيما الدين بالعملة الأجنبية أخذ الإقتصاد والدين العام إلى مسار خطير، وزاد التقشف والأعباء الضريبية على اللبنانيين.
سياسات إعادة الاعمار: كانت تهدف سياسات اعادة الاعمار إلى إستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وصولاً إلى تثبيته، وبرنامج إنفاق توسعيّ. وكانت نتيجتها إرتفاع حاد في الدين العام وانخفاض في معدلات النمو. عام 1997، بدأ الحديث عن إرتفاع العجز المالي والديّن العام، ووصل في نهايته إلى 101 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ارتفعت نسبة خدمة الدين من الإنفاق الحكومي إلى 36.6 في المئة، بنسبة 72 في المئة من عجز الموازنة.
إعتمد النموذج على ثلاث ركائز: القطاع المالي، القطاع العقاري والتدفقات المالية من الخارج. فيما الأولوية كانت للرأسمال الوافد وليس المقيم، والقطاع العام على حساب القطاع الخاص، مما ضعَّف القطاعات الإنتاجية الأخرى، حيث بلغت حتى عام 2002، 27 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما إستأثرت التجارة على 73 في المئة. وارتفع الدَّين العامّ خلال 30 سنة من مليار و500 مليون دولاراً إلى 100 مليار دولار.