نحن بأمان لأيام أو أشهر قليلة..

نحن بأمان لأيام أو أشهر قليلة..

  • ٢٠ نيسان ٢٠٢٤
  • محاسن مرسل
  • تمارا طوق

هل السلّة الغذائية في لبنان بخطر؟

عرف لبنان خلال السنوات الخمس الماضية أنواعاً من الأزمات لم يعرفها حتى في أوج الحرب الأهلية اللبنانيّة. بلد غارق في أزمة إقتصادية ومالية ونقدية، يرزح تحت وطأة إنهيار عملته الوطنية مقابل الدولار وما رافقها من معدلات تضخّم أسهمت في تربّع لبنان على عرش الدول التي تعاني من التضخّم، وفي هذا السياق تصبح القدرة الشرائية في خطر داهم ينخر الطبقة المتوسطة ويشدها إلى صفوف الطبقات الفقيرة. فتضيّق هذه الدائرة المغلقة الخناق على الطبقات الهشّة. وواجهت البلاد جائحة كورونا وما سببته من وقف سلاسل الإمداد للمواد الغذائية والمحروقات تبعتها الحرب الروسية الاوكرانيا، حيث بات التقاتل اليومي على «غالون زيت»، أما القمح فخطر عدم توفره كان كابوساً تجاوزته الدولة بواسطة بواخر القمح على شكل هبات من الدول، والإستعانة بطرق عدة لتخزينه في غياب  إهراءات القمح التي لم ترمّم بعد الإنفجار المشؤوم في المرفأ في العام 2020.

ومن الطبيعي في بلد إقتصاده ريعي، يستورد ما يفوق الـ 85% من احتياجاته لاسيّما الغذائية منها، أن يعيش أبناؤه القلق من انقطاع إمدادات الغذاء مع كل حدث عالمي أو إقليمي. لقد تخطى الشعب اللبناني كل التحديات السابقة، ليواجه من جديد مخاطر العدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب اللبناني، والحرب الدولية بين إسرائيل وإيران، وهجوم الحوثيين في البحر الأحمر. كلّها أحداث تدفعنا للقلق حول مصير مأكلنا ومشربنا.

في العام 2023، ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، تبيّن أنّ 46% من العائلات اللّبنانية، تعاني من انعدام الأمن الغذائي وقدر الرقم بحوالي 1.3 مليون بين مواطن ولاجئ ومقيم يعانون الفقر وانعدام الأمن الغذائي. 

وقد قسّم الخبراء  الأمن الغذائي الى 4 عناصر مرتبطة ببعضها البعض، أولها، توافر الغذاء (سواء عبر الإنتاج المحلي أو الإستيراد)، وثانيها، إمكانية الوصول إلى الغذاء أي من يمتلك القدرة على شرائه، وبطبيعة الحال هذا الأمر مرتبط حكماً بمعدلات الفقر والبطالة وبأسعار الغذاء. وبالنسبة للأسعار لقد سجّل لبنان كما ورد في تقرير البنك الدولي نسبة تضخم سنوية وصلت الى 352 % في العام 2023 متصدراً قائمة ال 10 دول التي تعاني من التضخم. ومن  عناصر الأمن الغذائي أيضاً يتوجب علينا ملاحظة إستعمال الغذاء وإستقراره ( وهو مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالأحداث الأمنية والسياسية كما الإستقرار المالي)


المدة الزمنية لتوفّر السلع الغذائية
يعتبر مدير عام وزارة الإقتصاد محمد أبو حيدر، أنّ للأمن الغذائي أسّس تتألف من ثلاثة أعمدة أساسيّة وهي: الحصول على الغذاء، والوصول الى الغذاء وسلامة الغذاء. بالنسبة للحصول على الغذاء، إنّ اللّبناني يستورد أكثر من 85% من حاجاته وبالتّالي أي إضطراب يواجه الموانئ البحرّيّة أو حتّى البرّيّة يمكن أن يؤدّي إلى تعثّر داخلي لجزء من سلسلة الإمداد. وأضاف أبو حيدر، «لكن الأمر الّذي أستطيع تأكيده حول موضوع المواد الغذائيّة هو أنَّها متوفّرة لمدّة 3 أشهر في السّوق، لأنَّ المستوردين يقومون بإستيراد كميّات كبيرة جدّاً تُعد كافية لفترة محدّدة». 

والنقطة الثّانية وفقاً لأبو حيدر تتعلّق بملف الطحين، حيث أنّ باخرة من الطّحين ستصل الى  لبنان خلال أسبوع محمّلة بـ 45 ألف طن أي ما يوازي شهر ونيّف من الحاجات. أمّا بما يخص المطاحن، فالكميّة تكفي لمدّة 20 يوماً. بناء على ذلك فإنّ كميَّة الطحين في لبنان تكفي لمدّة شهرين. أمّا على مستوى الكلفة التّشغيليّة في البلد، فهناك مصانع تقوم بعمليّة الصّناعة والإنتاج. ولضمان سلامة الأمن الغذائي، يجب توفير كميّة كافية من المازوت، والكمية المتوفرة حالياً تكفي لمدّة تتراوح بين 10 و12 يوماً. أمّا البنزين فالكميّة تكفي لمدّة 20 يوماً وكلّها مخزنة في المستودعات، أما المحطّات فالكميّة الموجودة في حوزتها تكفي لمدّة 3-4 أيّام. وليس ثمَّة مخاوف من تناقص  النّفط  أو المشتقات النفطية، لأنّ  البواخر تفرّغ حمولتها  يومياً. ومن بينها الغاز المنزلي الذّي يتواجد بكميّة كافية لمدّة 5 أيّام. طالما أنّ سلسلة الإمداد متوفّرة فلا خوف ولا مشاكل في هذا الإطار.

 

الدبلوماسية وحدها تجنّب لبنان الازمة الغذائية
من المؤكد أنّ ١٣ نيسان  ٢٠٢٤ هو التّاريخ المفصلي أي ما قبله ليس كما بعده، بهذه العبارة إستهل رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية الإستهلاكية هاني بحصلي، حديثه ل«بيروت تايم» ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣  و13 نيسان 2024، تاريخان مفصليان في الشرق الأوسط هذا من الزّاوية السّياسيّة.
أمّا من النّاحية الاقتصادية، وتحديداً من ناحية الأمن الغذائي، على ضوء تداعيات الأحداث الجارية، فإنّ الوضع يُعد مستقرّاً الى حدٍّ ما منذ بدء حرب غزّة وتداعياتها.
إذ أنّه، حتى اللحظة الراهنة، فإنّ الإمداد في المواد الغذائية مستقر، طالما أنّ حركة المرافئ طبيعيّة لكن ، يتعذّر توقّع المتغيرات  بين دقيقة وأخرى نظراً لخطورة الوضع الإقليمي الرّاهن.
 
أمّا من ناحية المعطيات العلميّة والرقميّة، وخاصّة بما يخصّ وضع الإستيراد والتّصنيع المحلي الذي يرتكز بشكل كبير على إستيراد المواد الأولية، فهناك عاملان يجب الإرتكاز عليهما .
أولاً،المعلومات التي تنشرها إدارة الجمارك عن كميات الإستيراد ومصدرها،التي لم يتمّ تحديثها منذ تموز العام 2023. لذلك يتوجب علينا  الحصول على معلومات جديدة من  إدارة الجمارك كونها المصدر الوحيد الموثوق.

ثانياً، المعلومات المتفرّقة من التّجار في السّوق، وتفيد أنّه في نهاية شهر رمضان من كل سنة، يتوفّر  فائض من المواد الغذائية الأساسية إذ يُقدم التّجار على طلب كميات تفوق الكميّة المُعتادة لتلبية السوق خلال شهر الصوم. وعليه فإنّ البضائع المتوفرة عند المستوردين و التجار وفي المنازل تكفي لمدّة أقلّها شهرين.
 
وأضاف بحصلي إنّ الّتحفظات التي أطلقناها ، عند بدء الحرب على غزّة، هي نفسها كون المرافئ تعمل بشكل شبه طبيعي وطالما أنّ تحويل الأموال إلى خارج لبنان لتمويل مشتريات الإستيراد أمر ممكن، إضافة إلى أنّ الوضع الأمني، ولغاية الساعة، يُعد تحت السيطرة، فلا داعٍٍ للإمداد.
غير أنّ هذه المعطيات، ممكن أن تتغيّر في أية لحظة إذا تفاقمت الأمور. وعندها، وكما أعلنا مراراً وتكراراً منذ ٦ أشهر، فمن غير الممكن التكهن بما قد يحصل خاصة إذا عمدت إسرائيل الى ضرب المنشآت الحيوية في لبنان.
لذلك، ورغم ما حصل في الأيام الأخيرة فإنَّ الجهود الدبلوماسية وحدها هي ضمانة لبنان من تداعيات حرب شاملة. و إنَّ إرتكازنا على هذه الأرقام أمر طبيعي باعتبار مصدرها إدارة الجمارك، إنّما الخلل الأساسي فيها أنّه لم يتمّ تحديثها منذ شهر آب 2023، ولا من معلومات منذ حينه دقيقة وعلميّة حول هذا الموضوع. وهنا تكمن المُشكلة حيث لا مصادر أخرى للبيانات لدينا غير الجمارك اللّبنانيّة. 

المحروقات.. استقرار حذر 
في حديث مع بيروت تايم، شرح عضو نقابة أصحاب المحروقات جورج براكس واقع القطاع اليوم. وقال، "قبل أي تصريح، يجب عليّ طمأنة اللّبنانيّين بأنّ كمّية المحروقات المتواجدة في المستودعات تُعد كافية في الوقت الرّاهن والأمور تحت السّيطرة فلا داع للهلع فيما يخص كميّة البترول والمازوت، فمنذ السّابع من أكتوبر، باشرت الشّركات المستوردة للمحروقات، تخزين المواد تحسباً لأي حدث مفاجئ، ولليوم نستطيع أن نقول أنَّ ما من أزمة في هذا القطاع". 

البراكس تحدّث عن تقلّب أسعار برميل النفط، منذ بداية الحرب في غزة، وعددّ العوامل التي أدّت إلى حصول تقلّبات في السعر في لبنان، وأبرزها هجمات جماعة الحوثيين في البحر الأحمر، والاستهداف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وغيرها من الأحداث. 
وقال بريكس، "يمكننا القول اليوم إنَّ كل الأحداث لا تزال تحت السيطرة في هذا القطاع، لأنَّ المايسترو الكبير، وهم الأميركيّون، لا يزالون يضبطون اللّعبة في السوق، ولن يُسجّل ارتفاع في سعر برميل النفط، أقلّه في المدى المنظور". 
وأضاف بريكس، "سيبقى الوضع على ما هو عليه في لبنان، ممّا يعني توافر كميّات كافية من البنزين، ولكن لا شيء مضمون، ففي حال حدث أي تطوّر عسكري أو جيوسياسي في المنطقة، ستتأثر أسعار البنزين وكميات توافره في الأسواق العالمية واللبنانية على حد سواء".