برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، يشارك الدولة اللبنانية فسادها.. 10 ملايين دولار لمكافحة الفساد صُرفت على قوانين واستشاريين
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، يشارك الدولة اللبنانية فسادها.. 10 ملايين دولار لمكافحة الفساد صُرفت على قوانين واستشاريين
شارف مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإستعادة الثقة بلبنان عبر مكافحة الفساد على الإنتهاء. ملايين الدولارات صُرفت على مستشارين وهيئات وطنية ولجان وإستراتيجيات وقوانين، ولكن دون نتيجة ملموسة. فكيف يُبرر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ذلك، وماذا يقول ل«بيروت تايم»؟
قدّر برنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP الكلفة الإجمالية لتنفيذ هذا المشروع بـ10,577,597 دولاراً أميركياً. حصل من إجمالي المبلغ على 9,333,731 دولاراً أميركياً، قدّم منها الإتحاد الأوروبي 4,749,200 دولاراً أميركياً، فيما قدّمت السفارة الدنماركية في بيروت 3,749,000 دولاراً أميركياً، والـUNDP خّصّص من ميزانيته 844,531 دولاراً أميركياً. كلّها بمثابة هبة لا يترتّب على الدولة اللبنانية سدادها، إلا أنّها أرقاماً ضخمة توحي أنّها ستُنشل لبنان من كبوة الفساد فيه!
هذا المشروع الضخم الذي يفخر به برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على صفحاته الإلكترونية سينتهي العمل فيه خلال سنة ونصف. ولكن حتى الساعة لم يُحقق على أرض الواقع أي تقدّم حقيقي ملموس في جهاد مكافحة الفساد، إذ يحافظ لبنان على مرتبته المتدنية حسب مقياس الفساد الصادر عن منظمة “Transparency International” حيث يحتل لبنان المرتبة 150 من أصل 180 دولة. ويُحافظ كذلك على إنحداره في مؤشر النزاهة بعد تراجعه 6 نقاط ليحتفظ بـ 24 نقطة من أصل 100 في مدركات الفساد.
كيف وزعت UNDP أموال مشروع «مكافحة الفساد لأجل الثقة بلبنان» ؟
تُعدّد UNDP على موقعها الإلكتروني «الإنجازات» التي حقّقها هذا المشروع الضخم لجهة التمويل لا النتائج والتأثير، وتعطي الأهمية الكبرى لتأسيس اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد واللجنة الفنية الفرعيّة المعنية في هذا الملف داخل وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. فيما أوضحت مديرة المشروع ناتاشا سركيس في حديث مع «بيروت تايم»، إلى أنّ الإنجاز الأبرز للمشروع هو إقرار البرلمان اللبناني 4 قوانين في إطار مكافحة الفساد وهي: قانون حقّ الوصول إلى المعلومات، قانون حماية كاشفي الفساد، قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وقانون تصريح الذمّة المالية، فيما الإنجاز المتميّز بحسب سركيس يتمثل بإطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وهي الإستراتيجية التي أتت بـ «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» التي تأسست في شباط 2022 على قاعدة الـ «ستة بستة مكرر» وتعمل اليوم بصمت من مقرها في فردان.
«بيروت تايم» إستوضحت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن هؤلاء النواب الشركاء في برنامج شارف على الإنتهاء دون كشف ملف فساد واحد. وإستفسرت عن طبيعة تلك الشراكة، خصوصاً بعد معلومات وصلتنا من المجلس النيابي تتحدّث عن عقود سريّة أُبرمت بين البرنامج وبعض النواب. مسؤول في البرنامج نفى العمل مع نواب «على القطعة» مؤكّداً أنّ التعاون لطالما كان مع لجنة الإدارة والعدل لاسيّما الرؤساء المتعاقبين على اللجنة روبير غانم وغسان مخيبر. وأوضح أنَّ العقود المالية أُبرمت مع قانونيين كُلّفوا من قِبَل إدارة البرنامج لمساعدة لجنة الإدارة والعدل النيابية لتحضير القوانين الإصلاحية الأربع التي ذكرناها سابقاً.
وتعهدت UNDP تجهيزه، أتمّت تجهيز أربعة طوابق فقط حتى الساعة. وشكى كرم من البطء الشديد في تجهيزه ومن بيروقراطية UNDP، وعبَّر عن خشيته من إنقضاء ولاية الهيئة فيما المبنى الكبير لم يُجهز بالكامل، بحيث تمّ تجهيز المبنى بالطاقة الكهربائية للـ11 طابقاً عبر الـUNDP أيضاً.
كما أمَّن البرنامج من ضمن مشروع الـ10 ملايين دولار، إستشاريين للهيئة للقيام بمختلف المهام مثل
مشروع إنشاء الموقع الخاص بها، ومشروع تطوير الهيئة إعلامياً، وآخرين كُلّفوا القيام بورش عمل للتدريب على تعزيز ثقافة النزاهة في الجامعات. بالإضافة إلى إستشاريين لإدخال مفهوم النزاهة ضمن المنهاج اللبناني بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث والإنماء.
ورغم كلّ هذه الإجراءات الإدارية فإنّ نتائج المشروع لاتزال إلى اليوم غير مرئية، والدولارات التي خُصصت لتعزيز حضور الهيئة إعلامياً لم تسعفها لأنّها على أرض الواقع لم تحاسب فاسداً واحداً حتى اللحظة.
ومقاطع الفيديو الترويجية التي تنشرها كل من الـUNDP والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على صفحاتهما على الإنترنت، لا تتعدى كونها إعلاماً عن المهمات التسعة وهي، المساهمة في تطبيق بعض القوانين الإصلاحية التي أقرّ مجلس النواب 4 منها، وتَعتَبِر الـUNDP أنّها ساهمت بإنجاز 90% من العمل الذي أدى الى إقرار تلك القوانين الأربعة .
يبرّر القاضي كرم واقع الحال بأنّ الهيئة لاتزال تتحضر والـUNDP تتأخر في إيفاء التزاماتها. مؤكداً أنّ بإستطاعته القيام بدوره كاملاً خلال 6 أشهر إن تأَمّن الدعم اللازم.
وبحسب د. علي بدران عضو الهيئة، فإنّ عمل الهيئة اليوم يغطي 3 مهمات من أصل 9 وهي البت في شكاوى الناس المرتبطة بحقّ الوصول إلى المعلومات، وتلّقي تصاريح الذمّة المالية من المسؤولين، والعمل على نشر ثقافة النزاهة.
وعلى الرغم من أنّ هذه الهيئة لديها الحقّ بموجب قانون رقم 175 الصادر في أيار 2020 بتشريع التحقيقات في جرائم الفساد دون العودة لأي سلطة أخرى، إلّا أنّها لم تقُم بذلك إطلاقاً بإعتراف رئيسها، حتى أنّها نأت بنفسها عن الإطلاع على تصاريح «الذمة المالية» والتي تقدَّم بها قلة قليلة من الموظفين على عكس ما يفرضه القانون على موظفي القطاع العام من الفئة الثالثة إلى الأولى التصريح عن الذمّة المالية. وأشار القاضي كرم أنّ الهيئة تحتفظ بحقها في الاطلاع على تصاريح الذمّة المالية عندما يكون هناك شبهات فساد. غير أنّه يجيب بصريح العبارة: «لا لم نطلع على تصاريح الذمّة المالية لميشال عون أو نجيب ميقاتي أو نبيه برّي أو أي مسؤول تقدّم بها».
بناء عليه، يجوز القول صراحة أنّ ما نشهده من زيارات لمسؤولين إلى مبنى الهيئة للتصريح عن الذمّة المالية، ليس إلّا فولكلور هزيل تتواطئ فيه كل الجهات المذكورة. ولكون إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد أحد إنجازات مشروع العشرة ملايين دولار للـUNDP. سألنا ممثل المكتب في لبنان محمد صالح عن رأيه بجدوى تصاريح الذمم المالية طالما أنّها تبقى مطوية.
بدا صالح، كمن لا يعرف الحال داخل الهيئة قائلاً«ليست من صلاحياتنا أن ننتقد الدولة إلّا أنّنا نقوم بالتقييم اللازم داخلياً، ولكل مشروع ثمّة تقييم نصفي وآخر نهائي»!
الـUNDP تجتمع مع «بيروت تايم» للتوضيح.. زحمة الإستشاريين غير مُبرّرة وسط غياب أي مكافحة فعلية للفساد
وفي إطار بحثنا، تبيّن ل«بيروت تايم» أنّ نصف مليون دولار أعطيت من UNDP لمن أسمتهم local consultants أو مستشارين محليين لمشروع يحمل رقم «71300» ضمن مشروع «مكافحة الفساد لأجل الثقة بلبنان».
ولدى سؤالنا عن هؤلاء المستشارين، تبلغنا من مدير مكتب الـUNDP في لبنان محمد صالح أنّ المشروع يتضمن التعاون مع مجموعة متنوّعة من الإستشاريين بينهم أشخاص يكتبون مسودة القوانين، ويدفع البرنامج مستحقاتهم من أموال المشروع لا من المال العام اللبناني، وذلك بناء على جملة من الأهداف المطلوبة من هؤلاء الإستشاريين إستناداً الى دفاتر شروط واضحة، والذين يتمّ إختيارهم وفق معايير مهنية تبت فيها لجنة متخصصة . وفي السياق، أوضح برنامج الأمم المتحدة الانمائية لنا أنّ ثمّة أكثر من فريق تدقيق لدى الـUNDP يراقب أعمال المكتب في لبنان والعقود الإستشارية التي يوقعها ضمن هذا المشروع المرتبط بمكافحة الفساد وغيره من المشاريع.
وتعزو الـUNDP عدم وجود نتائج ملموسة لمشروع مكافحة الفساد إلى الواقع السياسي في البلاد والإداري في المؤسسات العامة الذي أدى إلى غياب عدد كبير من الموظفين عن مكاتبهم. وتقول مديرة المشروع ناتاشا سركيس لبيروت تايم، «أثرت الأزمات المتلاحقة في لبنان على المشروع، ولم يكن من السهل أبداً تنفيذه، إذ كانت هناك جملة من العراقيل، إلّا أننا مع ذلك راضون عن النتائج ومستمرون رغم كل التحديات ونعمل على تقييم ما أنجزناه في السنوات الثلاثة الماضية ».
إلى ذلك، سألنا عن العمل الذي لم يُنجَز بعد ضمن مشروع الـ10 ملايين دولار. والإجابة كانت أنّ التركيز حالياً منصبٌ على تطبيق منهجية إدارة مخاطر الفساد القطاعية، وهي واحدة من بنود المشروع الهادفة لبناء قدرات لجان جديدة تُشكل داخل كل وزارة أو إدارة عامة لتقييم نتائج مكافحة الفساد. أي بكلام آخر مزيد من اللجان والإستشاريين.
بيروت تايم تكشف تفاصيل توزيع الأموال
في الختام، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ توزيع أموال المشروع على الأقسام يقول الكثير، كما يظهر هذا المستند في الأسفل بحيث خصصت UNDP من أصل 10 ملايين دولار، أقل من 6,000$ للتدقيق المالي.
فمن يراقب المنظمات الدولية ومشاريعها وبرامجها؟ سؤال: وُجب طرحه.