تأشيرات موسمية.. مستخفون بنا أليس كذلك؟

تأشيرات موسمية.. مستخفون بنا أليس كذلك؟

  • ١٦ أيار ٢٠٢٤
  • أنطوان الخوري طوق

«المعروف عن اللبنانيين في مختلف أرجاء العالم أنّهم أصحاب تصميم وقدرة على التحمّل والمضي قدماً».

في ظلّ هذه الصحوة الخطابية الصوتية المفاجئة على خطر النزوح السوري على لبنان، وفي ظلّ الفراغ الرئاسي والحكومي والنيابي، وفي ظلّ الإنهيار المالي والإقتصادي وإثر دعوة السيّد حسن نصرالله الى فتح المعابر البحريّة أمام النازحين، بعد أن وضع في جيبه مفاتيح المعابر البريّة الشرعية منها وغير الشرعية، في ظلّ كلّ هذه التعقيدات والمخاطر والتوصيات النيابية الإنشائية المتناقضة وغير الملزمة، أطلّ علينا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إثر زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية معلناً عن هبة أوروبية بقيمة مليار يورو، هبة مفخخة وغير واضحة الشروط، وقد رأت غالبية اللبنانيين في هذا الإعلان تآمراً سورياً وأوروبياً على لبنان عبر تأجير البلاد للنازحين بمدنها وقراها ومؤسساتها وبيوتها وأحيائها ومدارسها ومستشفياتها وحقولها حتى سجونها، هؤلاء النازحون الذين تجاوزت أعدادهم المليوني نازح أي ما يشكل نسبة ٤٤٪ من مجموع السكان اللبنانيين، كما رأوا في هذه الهبة رشوة بخسة من أوروبا لإبعاد النازحين عن حدود بلدانها. فهل ضعف ميقاتي أمام المليار علماً أنّه من أصحاب المليارات؟

وفي هذا السياق بشرنا الرئيس ميقاتي وبفرح عظيم بحصوله على وعد أوروبي بإعطاء تأشيرات موسمية أوروبية للبنانيين، وقد شاهدناه على الشاشات وهو يعلن ذلك بزهو وارتياح وكأنّ هذه التأشيرات إنجاز عظيم من إنجازات حكومته البتراء المنقسمة على نفسها والمستقيلة من كلّ ما يخفّف من معاناة البنانيين ومن كلّ ما يضع حدّاً لهذا الإنحدار الهائل نحو قعر الهاوية.

لقد اعتقدنا للوهلة الأولى بأنّ الرئيس ميقاتي هو في صدد الإعلان عن خطة تحدّ من الهجرة، هجرة الكفاءات والنخب الى الخارج أو في صدد الإعلان عن خطة للنهوض الإقتصادي والإصلاح المالي بعدما أضحى معظم اللبنانيين تحت خطّ الفقر، كما اعتقدنا بأنّ الرئيس ميقاتي هو في صدد الإعلان عن حلّ لقضية المودعين بعد أن تمّت سرقة جنى أعمارهم ومستقبل أولادهم على أيدي الطغمة الحاكمة، كما اعتقدنا بأنّه في صدد وضع خطّة لإستعادة بنات وأبناء لبنان الذين تركوا بلادهم يأساً وقرفاً من السياسة وأهلها بعد أن دقّ  العوز مخادعهم.

حكى الرئيس ميقاتي عن هجرة موسمية الى أوروبا دون أي شعور بالحرج ولبنان يعجّ بأعداد هائلة من العمّال السوريين الدائمي الإقامة وكأنّه يشرّع إحلال شعب آخر مكان أهل البلاد الأصليين.
لست أدري لماذا أحسّ معظم اللبنانيين بالإهانة عند سماعهم هذا الطرح، إذ كانوا يعتقدون بأنّ الحكومة في صدد تنظيم العمالة السورية في لبنان بحيث لا تزاحم اليد العاملة السورية اليد العاملة اللبنانية لاسيما أصحاب الحِرف والمهن الذين أضحوا عاطلين عن العمل بعد أن إستولى النازحون على مهنهم وحِرفهم.
لبنان ليس بحاجة لهذا الإحسان الأوروبي وهذه الرشوة لغضّ النظر عن النزوح السوري حماية لأوروبا والنسيج الإجتماعي فيها.

وهكذا وبفضل الطبقة السياسية في لبنان،بفضل جشعها وخوفها وترددها تركت لبنان أعداد كبيرة من النخب الفكرية والأدبية والفنية والعلمية والجامعية والحقوقية، ومن كلّ الذين لم يعودوا يجدون مكاناً لهم في هذه البلاد  طيلة أربعة عشر عاماً من الشعبوية والنكايات والمزايدات وطمر الرؤوس في الرمال والمراهنة على إستغلال النزوح في السياسة وفي الغلبة المذهبية.

أرجعوا الى اللبنانيين أموالهم التي سُرقت منهم قبل أن ترسلوهم متسولين الى أوروبا. فقد تعوّد لبنان أن يرسل الى أوروبا كتاباً وشعراء وعلماء وسينمائيين ومسرحيين وأطباء وأساتذة جامعات،وموسيقيين ورسامين ونحّاتين، ومصممي أزياء عالميين، ومدراء تنفيذيين، فهو لم يُرسل عمالاً موسميين الى أوروبا فقد أرسل الى فرنسا جورج شحادة، وصلاح ستيتية وأمين معلوف، وفينوس خوري غاتا، وغيريال يارد.. والى سويسرا أرسل نيكولا الحايك، والى الفاتيكان لاهوتيين كباراً، كما أرسل من قبل شارل مالك الى الأمم المتحدة، والى أميركا مايكل دبغي، وشارل عشي عالم الفضاء، وجبران، ونعيمة، والريحاني، وأبو ماضي،  وحديثاً نواف سلام الى محكمة العدل الدولية. كفى هذه البلاد إذلالاً وكأنّها محكومة من أعدائها كما قال من قبل البطريرك صفير.

ألم يقرأ الرئيس ميقاتي وسياسيو لبنان والمتحكمون به والمستقوون على اللبنانيين ما جاء في تقرير «د.طوني وير»، و«د.كريستين كرمرين» الخبيرين في القيادة، تحت عنوان،«أهم صادرات لبنان: القيادة» منذ سنوات قليلة (نشر في مجلة هارفرد للأعمال).

ومما جاء فيه: «يمكن للبنان أن يصبح مشهوراً في إنتاج قادة عالميين.. لبنان قد تميّز تاريخياً بتصديره لمغامرين من رجال ونساء أعمال وأصحاب مهارات.. والكثير من الطاقات تذهب سدىً في لبنان نتيجة ممارسات مزمنة من الإدارة المحدودة النظر، والإدارة المحدودة النظر تحتجز الناس وتبقيهم محدودين، والمعروف عن اللبنانيين في مختلف  أرجاء العالم أنّهم أصحاب تصميم وقدرة على التحمّل والمضي قدماً».

وهكذا فاللبنانيون قد سقطوا ضحايا الإدارات الفاسدة والمحدودة النظر والضعيفة أمام المال والسلطة والوجاهة، فالوجع اللبناني المقيم هو أكبر من «المستلشقين» به من أهل السياسة. ورغم كلّ شيء لن يفقد اللبنانيون القدرة على التحمّل والمضي قدماً.