تبيّن وبحسب التقارير الدورية التي أعدّتها كلّ من اللجنة والهيئة وبناء على معلومات موثقة تضمنت وقائع مالية خطيرة تستدعي وعلى وجه السرعة عزل إدارة المصرف وتعيين مدير مؤقت لتصحيح الوضع والحفاظ على أموال المودعين.
وتمّ التداول أنّ حاكم مصرف لبنان الأسبق رياض سلامة قد تهاون مع رئيس مجلس إدارة المصرف، طارق خليفة المشتبه الأول في عمليات الإختلاس، بسبب العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الإثنين. مما أدى إلى وضع الملف في أدراج المركزي لحماية خليفة.
إلا أنَّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، الذي يرأس هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، التي تكوّنت لديها المعطيات الكافية عن الجرائم المالية الحاصلة في المصرف، قرّر في 14 آذار من العام الحالي تعيين نائب الحاكم السابق محمد بعاصيري، مديراً مؤقتاً للمصرف.
وبعاصيري، الذي شغل سابقاً منصب نائب حاكم مصرف لبنان، كان أول رئيس لهيئة التحقيق الخاصة لدى المصرف عام 2001. وكان قد عُيّن لتصفية جمال ترست بنك، يوم أدرج على اللائحة السوداء الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، على خلفية إتهامه بتقديم خدمات وتسهيلات مالية لـ«حزب الله». وهو لديه خبرة في مجال التعاطي المالي مع الأفراد الذين تدرج أسماؤهم على قائمة العقوبات، حماية للقطاع المصرفي اللبناني.
وهناك إدعاءات تتعلق بوجود سلوكيات غير قانونية من جانب طارق خليفة، رئيس مجلس الإدارة السابق. ومن ناحية أخرى، ينفي خليفة هذه التهم ويعزو هذه الإجراءات الحالية ضده، بما في ذلك عزله من منصبه، إلى محاولات لإقصاء طائفة معينة على حساب أخرى في القطاع المصرفي.
إنّ لغة الأرقام تعطي مؤشرات على وجود ممارسات مماثلة من قبل 20 مصرفاً متعثراً، في فترة التسعينات ، وجميعها رمت تهمة تعثرها على المصرف المركزي والجهات الرقابية التابعة له. وفي المحصلة إختفى العشرون مصرفاً، وأصحابها فروا من العقاب الى خارج الحدود.
تواصلت «بيروت تايم» وبمتابعة حثيثة لهذا الملف، مع مصادر مطلعة كانت على تماس مع كلّ ما يحصل في الفترة التي غرق فيها المصرف بالفساد الى المعلومات التالية:
1- رأس مال المصرف سالبي بـ 300 مليون لولار
2- عجز بالسيولة الأجنبية التي طلب مصرف لبنان تأمينها وإيداعها لدى المصارف المراسلة وفقاً للتعميم 154، نسبة هذه السيولة يفترض أن تكون نسبتها 3% للودائع بالعملات الاجنبية، وقد أودع المصرف ما نسبته 18 مليون دولار فقط أي 1% بدل 3% من نسبة الودائع بالعملات الاجنبية التي تصل الى ما يقارب ال 1.8 مليار دولار
3- إنكشاف حساب المصرف بالليرة اللبنانية لدى مصرف لبنان، وهي من المسائل النادرة التي يتعرض لها مصرف ما، فقام خليفة ومن معه بشراء العملات اللبنانية من المصارف، بفوائد مرتفعة جداً أو ما يعرف بالإنتربنك، وقد وصل حجم الخسائر السنوية بسبب هذه العملية مليوني دولار
4- لجنة الرقابة على المصارف طلبت من المصرف تكوين مؤونات وصلت الى 70% من إجمالي التسليفات التي وصلت الى 750 مليون دولار معظمها بالدولار الاميركي، أي أنّ المؤونة وصلت الى قرابة 450 مليون دولار. مما يدل على أنّ هذه التسليفات هي ديون رديئة أقرضها المصرف لمؤسسات وأفراد
5- هنالك قروض بقيمة 65 مليون دولار هي بمثابة ديون معدومة ( غير قابلة للتحصيل بتاتاً) استفادت منها مؤسسات وأفراد أيضاً في جمهورية أرمينيا. وهذا النوع من الإقراض هو مخالف لأحكام قانون النقد والتسليف وتعاميم مصرف لبنان
6- الشق الاكبر هو الفساد عبر عمليات التزوير التي قام بها رئيس مجلس إدارة المصرف طارق خليفة، من خلال تزوير التقارير المرفوعة الى هيئة التحقيق الخاصة، حيث كان يعمد الى عدم ذكر كل التحويلات الخاصة به، أي عدم تقديم الكشف كاملاً للهيئة.
7- قام خليفة مع حاكم مصرف لبنان الأسبق بهندسات مالية من خلال شراء الدولار على 1500 ليرة وبيعه بي 3900 بالسوق، محققاً أرباح بعشرات ملايين الدولارات لصالحه الشخصي، وذلك بين العام 2020 و2021.
8- مدير عام المصرف نايلة زيدان، كانت على علم ودراية بكل ما يحصل وقد شاركت ببعض العمليات، مما دفع هيئة التحقيق الخاصة لدى المصرف المركزي الى تجميد حساباتها المصرفية ووضع إشارة على عقاراتها. تماماً كما فعلت الهيئة مع خليفة حيث جمدت حساباته وحسابات طليقَتَيه وأولاده. كذلك تمّ تجميد حساب المدير العام الأسبق الذي تولى المنصب قبل زيدان.
9- الحلول المقترحة من قبل أوساط مصرفية تتمثّل، بتشكيل إدارة جديدة للمصرف، من رئيس مجلس الإدارة إلى المدير العام، وذلك بعد انتهاء مهام المدير المؤقت.
10- إعادة تكوين رأس مال المصرف وفقاً لأحكام المادة 134 من قانون النقد والتسليف
11- مطلوب 60 مليون دولار نقداً وليس اللولار .
وكيل الدفاع عن خليفة: «حملة ممنهجة تستهدف وكيلي»
وكيل الدفاع عن كلّ من طارق خليفة والمديرة العامة نايلة زيدان، المحامي مارك حبقة، تمسّك ببراءة موكليه، معتبراً أنّ كلّ ما يحصل يأتي في إطار حملة ممنهجة على طارق خليفة لإخراجه من المصرف لأنّه سبق وتصدى للعديد من الأمور خارج الأطر القانونية التي يسعى أحد الفرقاء القيام بها داخل المصرف، بحسب المحامي حبقة. ومضيفاً، أنّ الحملات الممنهجة في الإعلام هي من ضمن الخطة المشبوهة التي تهدف الى إخراجه من المصرف لذلك كانت العجلة لتعيين مدير مؤقت.
ويستغرب حبقة، تجاهل الخطة التي وضعها خليفة لتصحيح وضع المصرف، فيما الهيئة المصرفية العليا أخذت بتوصيات المدير المؤقت وجمدت الحسابات المصرفية لخليفه وزيدان إضافة الى الحجز على أموالهما المنقولة، ووعد حبقة أنّه سينشر قريباً ما لديه من وقائع تخص هذه المسألة.
المواد القانونية المستخدمة في حالة الإعتماد المصرفي
وفي قراءة لمجريات الامور يتبين لنا، أنّ المصرف المركزي عين مديراً مؤقتاً على مصرف الإعتماد المصرفي وعلى المصارف الثلاثة الأخرى . بهدف معالجة الخلل في المصرف مستنداً في ذلك الى أحكام المادة 208 من قانون النقد والتسليف على اعتبار أنّ هذا المصرف خالف تعاميم المركزي، وبأنّه ليس بحالة من التوقف عن السداد أو التعثر حيث يطبق عندها كلّ من قانون 2/67 والقانون 110/ 91. مما يعني أنّ ما يشاع بأنّ هدف المصرف المركزي هو ضرب هذا المصرف أو ذاك، تدحضه الهيئة المصرفية العليا إستناداً على احكام المادة 208 من قانون النقد والتسليف. والتي تنصّ على أنّه في حال خالف المصرف أحكام نظامه الأساسي، أو أحكام هذا القانون، أو التدابير التي يفرضها المصرف المركزي بمقتضى الصلاحيات المستمدة من هذا القانون، أو قدم بيانات أو معلومات ناقصة، أو غير مطابقة للحقيقة، يحقّ للمصرف المركزي أن ينزل بالمصرف المخالف العقوبات الإدارية التالية: التنبيه ومن ثم تخفيض التسهيلات المعطاة له أو تعليقها، ومنعه من القيام ببعض العمليات، أو فرض أي تحديات أخرى في ممارسة المهنة، وتعيين مراقب أو مدير مؤقت وتتدرج هذه العقوبات لتصل الى أقصاها وهي شطب المصرف من لائحة المصارف. ولا يمنع إتخاذ تدبير من التدابير المذكورة دون تطبيق الغرامات والعقوبات الجزائية التي يتعرّض لها المصرف المخالف.
اذاً يُعد تعيين مدير مؤقت بمثابة تدبير إداري غايته معالجة الثغرات التي توصلت اليها السلطات الرقابية كي يستمر المصرف، أمّا عن صلاحياتته فهي شاملة إذ إنّه يحلّ محلّ رئيس وأعضاء مجلس إدارة المصرف ومديره العام، ويقوم بدراسة المصرف من كلّ جوانبه (محفظة التسليفات، البيانات المصرفية، التدقيق بما يدور حوله من شبهات الفساد... وغيرها من الصلاحيات الواسعة). وفي حال لم يتعاون المساهمون بضخ أموال في المصرف، فقد يوصي المدير العام بعدم قابلية المصرف للحياة ما يعني إمكانية شطبه من سجل المصارف. والقرار الأخير بذلك يكون للهيئة المصرفية العليا.
أمّا عن تجميد حسابات كلّ من خليفة وزيدان والمدير العام السابق أي ما قبل زيدان، وبحسب البند الثالث من المادة 6 من القانون 44/2015، أي قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يحقّ للهيئة بعد إجراء التدقيق والتحليل اللازمين، حق إتخاذ القرار، إمّا بالتجميد النهائي للحسابات، أو العمليات المعنية ، أو رفع السرية المصرفية لصالح المراجع القضائية المختصة ولصالح الهيئة المصرفية العليا بشخص رئيسها عن الحسابات، أو العمليات التي يشتبه بأنّها تتعلق بتبييض الأموال، أو بتمويل الإرهاب. وإبقاء الحسابات المشتبه بها قيد المتابعة (Traceable) ويحقّ «للهيئة الرجوع، بشكل نهائي أو كلّي، عن أي قرار تتخذه وذلك في حال توفرت لديها معطيات جديدة بهذا الخصوص. كذلك يحق للهيئة ووفقاً للبند الرابع من المادة 6 ايضاً وضع إشارة على القيود والسجلات، العائدة لأموال منقولة أو غير منقولة، تفيد بأنّ هذه الأموال هي موضوع تحقيق من قبل «الهيئة» وتبقى هذه الإشارة قائمة لحين زوال أسباب الشبهات، أو صدور قرار نهائي بشأنها.
والعين اليوم على ما ستحمله الأيام من مفاجأت عدة في هذا الملف، لاسيما وبحسب المصادر، أنّ شخصيات عدّة ضالعة أيضاً في شبهات الفساد التي حصلت. وستُتخذ بحقّها التدابير القانونية كالتي إتخذت بحق خليفة وزيدان وغيرهم.
فهل تكون معالجة وضع هذا المصرف الشرارة الأولى لإعادة إنتظام القطاع المصرفي اللبناني.