إطلاق المرصد البرلماني: المجلس النيابي في خدمة الجميع
إطلاق المرصد البرلماني: المجلس النيابي في خدمة الجميع
بعد أن بات مجلس النواب مؤسسة غريبة عن المجتمع، ومبنى يزوره النواب بين الفينة والأخرى، ومقفل في وجه المواطنين، أعلنت «المفكرة القانونية» عن مبادرة «مرصد البرلمان»، فأطلقت أمس الموقع الالكتروني المخصّص لها، تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الرقابة العامة على أعمال السلطة التشريعية وجعل البيانات ذات الصلة متاحة لجميع المواطنين، إنسجامًا مع الحق في الوصول إلى المعلومات.
بعد أن بات مجلس النواب مؤسسة غريبة عن المجتمع، ومبنى يزوره النواب بين الفينة والأخرى، ومقفل في وجه المواطنين. وإستجابة لهذا التباعد المتنامي أعلنت «المفكرة القانونية» عن مبادرة «مرصد البرلمان»، فأطلقت أمس الموقع الالكتروني المخصّص لها، تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الرقابة العامة على أعمال السلطة التشريعية وجعل البيانات ذات الصلة متاحة لجميع المواطنين، انسجامًا مع الحق في الوصول إلى المعلومات.
يتضمّن الموقع بيانات مفصلة عن النواب، بما في ذلك خلفياتهم، والكتل البرلمانية التي ينتمون إليها، فضلاً عن مشاريع القوانين التي تقدّموا بها والحالة الراهنة لتلك المشاريع ضمن اللجان البرلمانية المختلفة.
فيما يتعلق بخصائص تركيبة مجلس النواب، يكشف الموقع الإلكتروني أنَّ رجال الأعمال يشكلون الفئة الأكبر من النواب، وذلك بنسبة تبلغ 35.59%، مما ينعكس على التوجهات التشريعية للمجلس. أما الفئة الثانية من النواب فهي أساتذة الجامعات والمدارس، بنسبة 22.66%، يليها الأطباء بنسبة 13.28%، في حين أنّ القضاة يشكلون الفئة الأقل بنسبة 0.78% فقط.
ومن مجموع 128 نائباً، هناك 8 نساء فقط، في حين أنّ متوسط أعمار النواب يبلغ 57.6 عاماً. هذا التوزيع ينطوي على خلل واضح فيما يتعلق بالتمثيل الكافي لحقوق المرأة والشباب في العملية التشريعية.
في ضوء المعلومات المقدَّمة، يُلاحَظ أنَّ 59 نائباً تمّ انتخابهم للمرة الأولى، وهم يُشكِّلون ما نسبته 46.1% من المجلس التشريعي. فيما يتعلق بنشاط اللجان البرلمانية، تُعَدّ لجنة «شؤون المهجَّرين»
الأكثر نشاطًا من حيث الإلتزام بالحضور، حيث بلغت نسبة الحضور فيها 73%، إلا أنَّها لم تُقدِّم أي إقتراحات أو مشاريع قوانين قيد الدراسة. في المقابل، لجنة «المرأة والطفل» هي الأقل التزامًا بالحضور، بنسبة 22%، إلا أنَّها قدَّمت أربعة مشاريع قوانين قيد الدراسة، والتي تتعلق بحقوق المرأة والأطفال، وهي «إعطاء الأم السجينة حق رعاية أطفالها ومشاهدتهم»، و«تعديل أحكام المواد 1 و2 و12 من قانون العمل تاريخ 23/9/1946»، وقانون «إستفادة الأولاد من أم لبنانية وأب أجنبي من الحقوق المدنية أو الإجتماعية»، و«يتعلق بالجنسية اللبنانية».إضافةً إلى قانون أنجز في اللجان وهو «إلغاء التمييز ضد المرأة المتزوجة في قانون التجارة البرية»، لكن لم يصدر أي قانون حتى الآن.
تمّ إطلاق الموقع، في ندوة بتنظيم من المفكرة القانونية ومركز «عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية» في الجامعة الأميركية في بيروت، تحدث خلالها الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي وسام اللحام، مؤكداً أنّ أهمية المرصد البرلماني تكمن في أنّ الخطاب الدستوري أساسي ومقبول من الجميع، وأنّ السلطة السياسية تستخدمه لمقارعة خصومها، ومن هنا أهمية المرصد بإنتاج خطاب دستوري وحقوقي وإجتماعي مضاد. و يهدف إلى تحويل الصراع من كونه حول الخطاب الذي تنتجه السلطة السياسية، إلى صراع بين المجتمع والسلطة السياسية ذاتها.
وأشار إلى أن السلطة السياسية تستغل الخطاب الحقوقي لمعارضة الإصلاحات الإجتماعية المهمة. فهي تستعين بقانونيين لإيجاد ثغرات في القانون بهدف عرقلة هذه الإصلاحات.
وبالتالي، أكّد اعلى أهمية خلق خطاب دستوري مضاد لمواجهة هذا الخطاب المهيمن الذي تروّج له السلطة السياسية.
كما أشار إلى دور المرصد البرلماني في جمع المعلومات الضائعة، استكمالاً لمبدأ علانية الجلسات، وهو مبدأ دستوري. فالمرصد يمكّن من معرفة كيف صوّت كل نائب، لأنّ المحاضر الرسمية، لا تتضمن كافة التفاصيل والأمور التي تجري داخل جلسات مجلس النواب.
وفًقا للمتحدث، للمرصد البرلماني بُعد آخر يتمثل في الحفاظ على ذاكرة المؤسسة البرلمانية. فهناك انقطاع في الذاكرة المؤسسية في لبنان، وعدم القدرة على إنتاج خطاب معارض للخطاب المهيمن في مجلس النواب منذ 30 عامًا. لذلك، يؤكد على أهمية دور المرصد في استكمال ذاكرة مجلس النواب وحفظ المعلومات الضائعة. بهدف رصد الزمن الحالي والزمن الماضي، خصوصًا أنّ المؤسسات الرسمية تعكس فقط مواقف الزعماء السياسيين. وبالتالي، يعتبر أنّ دور المرصد هو أن يكون «مرصد اللابرلمان»، أي إلقاء الضوء على ما كان من المفترض أن يقوم به مجلس النواب ولم ينفذه.
بدوره إعتبر الدكتور جميل معوض، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت ومعهد عصام فارس، لقد أزلنا من تفكيرنا السياسي فكرة أن مجلس النواب هو إطار تمثيلي. بدلاً من ذلك، تم تقليص دوره حصريًا إلى انتخاب الرئيس، وبالتالي نقول إنّه معطل لأنّ القرارات تُتخذ خارجه.
ومع ذلك، تكمن أهمية مجلس النواب في أنّه يعكس التوجهات السياسية المختلفة في البلاد ويمثل المجتمع السياسي. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جميع المناقشات ومشاريع القوانين، بغض النظر عن رداءتها، تعكس التوجهات والاهتمامات والأولويات.
وبحسب معوض، تكمن أهمية المرصد في إعادة تسليط الضوء على هذه المؤسسة الأساسية. هذه طريقة لاستعادة الدولة ووضعها مرة أخرى تحت الأضواء، وإعادة التفكير فيها انطلاقًا من دورها في المداولات العامة. ويؤكد معوض على ضرورة عدم مقاربة مجلس النواب من منظور الانتخابات والترشح فحسب، بل التركيز على إنشاء حوار بين الناس خارج المجلس وداخله.
وكباحث يرى معوّض أهمية المرصد كونه مصدر للمعلومات، وليس فقط في اطار الأداء الشخصي للنواب، بل أيضاً في توثيق لاقتراحات قوانين يصعب الوصول اليها، وهذا يحفظ المعلومات، ويساهم مباشرة بمقارنتها. كما هو أساس لانتاج ما يسمى بـ «الدراسات البرلمانية»، وهذا غير محصور بالدور التشريعي بل بالدور السياسي للمجلس في البلد، والتكامل بينهما.
ويرى أنّ أمراً أساسياً في المرصد هي آليات المراقبة والمحاسبة، أي معرفة أي نواب وقعوا، وعلى أي قرار تحالفوا، وكيف توزعت إمضاءات التكتلات، وهل أولوياتها إقتصادية، أم الخصخصة، أم الرعاية الاجتماعية، وكيفية تموضعها، ومقارنة نشاطهم البرلماني مع خطابهم السياسي خارج البرلمان، ومعرفة إن كان هناك تكامل بينهما.
وإحدى أهم مهمات المرصد بحسب معوّض تكمن في التوثيق، خاصةً في بلد يمر في أزمة إقتصادية وإفلاس، فيتحوّل إقتراح القانون الى نصّ تاريخي لأرشفة الأزمة، من خلال تحديد الأسباب الموجبة من داخل مؤسسات الدولة.
ولقد أوضح معوض ثلاثة محاذير رئيسية بخصوص المرصد البرلماني:
١- المقاربة بالكمية: قد يؤدي التركيز على عدد المشاريع المقدمة من قبل النواب إلى مفاخرة النواب بهذا الرقم بدلاً من التركيز على الرصانة البرلمانية والجودة. وهذا قد يؤدي إلى تحوّل النواب إلى «ماكينة إنتاج مشاريع قوانين» لمجرد رفع العداد، دون ارتباط حقيقي بالجودة والتأثير.
٢- الموقف السياسي للمرصد: تسليط الضوء على بعض المشرعين دون آخرين عند تحليل القوانين قد يدعو إلى الشك في مصداقية المرصد وحياديته. وبالتالي، ينبغي على المرصد التأكيد على هدفه الأساسي وهو خدمة الشأن العام بموضوعية.
٣- خلق مؤسسات بديلة عن الدولة: هناك تخوّف من أن يتحوّل المرصد إلى مؤسسة بديلة للبرلمان، بدلاً من أن يكون جزءًا متكاملاً منه. كيف يمكن للمرصد أن يخدم البرلمان بشكل فعال، خاصة فيما يتعلق بالموظفين الذين يحملون ذاكرة المؤسسة؟ وكيف يمكن تأمين التعاون مع الإدارة البرلمانية لضمان عودة المعلومات إلى المجلس وليس إلى منظمات أخرى؟
في سياق المحاذير التي أوردها معوض ردّ المدير التنفيذي للمفكرة نزار صاغية على هذا التخوف، مؤكداً أنّ هذا المرصد للدولة، ويسعّد باليوم الذي سيسلمه إليها أو يسألون عن كيفية إنشاء مرصد مماثل، وذلك يحصر عمل المفكرة بتحليل البيانات عوضاً عن جمعها أيضاً، "«فهدفنا الدولة وإعادة العمل إلى مؤسسات الدولة».
أما عضو الهيئة الإدارية في المفكرة القانونية يمنى مخلوف، فتحدثت عن أهمية عدم حصر القانون بالمشرعين في مجلس النواب والمهنيين، واشراك المجتمع بما يتعلق بهم بصورة مباشرة، كما الابتعاد عن الصورة التقليدية التي تقول أنّ النائب يمثل إرادة الشعب، مع التأكيد على مهمة المرصد في الوصول إلى القانون، إذ أنّ صعوبة الوصول إلى القانون، ليست محصورة بالمواطنين بل بالمهتمين بالقانون، فمن الصعب رصد القوانين المطبقة في لبنان، لأنّ لا مرجع محدد يمكّن من العودة اليها.
وتشير مخلوف إلى أهمية التشاركية في إنتاج القانون، فالقانون يظهر كشيء تقني، وهذا أمر غير بريء لأنّه يسمح بإبعاد المجتمع عنه، وتلفت إلى أهمية تفكيك التقنية لأنّ خلفها تختبئ المصالح والصراع بين مصالح معينة، وتكريس هذه القاعدة التقنية يعني تغليب مصلحة إقتصادية وإجتماعية على مصلحة أخرى.
كما تخللت الندوة شرح لآلية عمل الموقع الالكتروني للمرصد البرلماني قدمها كل من منسقة المرصد البرلماني حلا النّجار والباحث القانوني المساعد فادي إبراهيم.