كأس «غزة» للأمم الأروربية
كأس «غزة» للأمم الأروربية
لا بطاقات صفراء لتدمير المنازل والمدارس ولا حمراء لإبادة الطفولة. نِزالٌ بلا خطوط تحدّ مساحته، أو صفّارة تحكم قواعده، أو تعلن نهاية المباراة. لا عدّاد للأهداف هناك، إنّما للقتلى فقط.
بين أقدام إسبانيا المهرولة على الأخضر، لرفع كأس الأمم الأوروبيّة في لعبة كرة القدم، وبين راحات غزّة المرفوعة إلى الزرقاء، لرفع كأس الدمّ عنها في لعبة كرة النار، مسافةٌ لا تتّسع لها كرةٌ أرضيّة واحدة. ورغم المسافة الشاسعة تلك، بين الكأسين، إنّ ما يجمعهما هو أبعد ممّا تراه العين. فما الذي قد يجمع بين المفرقعات الترفيهيّة والصراخ فوق المُدرّجات وبين المفرقعات العدائيّة والصراخ فوق القبور؟
«لا عدّاد للأهداف هناك، إنّما للقتلى فقط»
في المنازلات الرياضيّة، مثل كأس الأمم الأوروبيّة، يعلو إنحياز المتفرّجين إلى منتخباتهم المفضّلة، بسهولة، فوق كلّ شيء. لكلّ مُنتخَبٍ داعموه ومشجّعوه، ومفاصل التباري متروكةٌ لهمّة لاعبين مُختارين وعدالة صفّارة الحكم. لاعبون مهرة في الهجوم، آخرون في الدفاع، وحارسٌ رشيق للمرمى. الفرص متكافئة وقواعد اللعبة والجزاء مكتوبة وثابتة. تحدّ الفسحة المكانيّة خطوطٌ بيضاء والزمنيّة عقارب فائقة الدقة.
ليس للكأس المرّة، في غزّة، أيّ من العناصر والضوابط تلك. لا تكافؤ فيها، لا داعمين لها ولا مشجّعين. لا دفاعَ لأهلها أو حارسَ لمرماها، حتّى في ضربات الجزاء القاتلة. لا بطاقات صفراء لتدمير المنازل والمدارس ولا حمراء لإبادة الطفولة. نِزالٌ بلا خطوط تحدّ مساحته، أو صفّارة تحكم قواعده، أو تعلن نهاية المباراة. لا عدّاد للأهداف هناك، إنّما للقتلى فقط.
«لا جماهير تهتف لغزّة»
إنّ من سخريات القدر، ألّا يلقى الغزّاويون جماهير كافية لهم في العالم، كما لمنتخباتهم وأنديتهم عندنا. فالأمم الأوروبيّة أعمت عيونها عن مطحنة غزّة، وإن مع إستثناءات طفيفة. فإنكلترا، مثلًا، الذي انطلق مسار خطف الوطن الفلسطينيّ عن أرضها، مصرّةٌ على وعدها المشؤوم. والألمان، الذين سلّحوا الحركة الصهيونيّة بالحجة الأكثر رواجًا في مسار اغتصاب مسرح خرافة أرض الميعاد، هم، اليوم، الأكثر حدّةً في التكفير عن خطاياهم على حساب كرامة وهناء جنّة الزيتون والليمون. أمّا فرنسا، وهي التي تتغنّى بالحريّة والمساواة والآخاء، فلم تُولِ اعتبارًا لأيٍّ من مبادئها تلك. لا حريّة فلسطين شغلَتها، ولا التآخي مع أهلها أغواها. حتّى المساواة بين شعبين ساميَين لم تجد سبيلًا إلى وجدانها.
«لغزة، في فوز إسبانيا، حصّة»
منذ انطلاق البطولة الأوروبيّة، كان احتمال فوز منتخب إسبانيا بالكأس عاليًا. ومنذ انطلاق الحقد الإسرائيليّ على غزّة، كان تميّز التعاطف الإسبانيّ مع أهلها. يبدو الكلام عن حصّة لغزّة في انتصار الإسبان ضربًا من الخيال، إلّا أنّهم، ولسخرية القدر أيضًا، لقّنوا معادي القضيّة الفلسطينيّة الأكثر وقاحةً درسًا ثقيلًا أمام وفرة عدسات البثّ وعلى مرأى الأمم جمعاء. فإسبانيا سلبت ألمانيا آمالها في الربع نهائيّ من البطولة، ثمّ قطعت نهم فرنسا للكأس في النصف نهائيّ. وقبل خطّ النصر بقليل، سقطت أحلام وكبرياء بلاد الضباب تحت أقدام المتعاطفين مع غزّة. يبدو أنّ كلّ من ساهم وهلّل لإغراق أطفال غزّة في كأس الدماء، نال شيئًا من العقاب في كأس الأمم الأوروبيّة.