خفايا صفقة غزة… الـCIA منعت إغتيال قادة حماس وفرضت التسوية على الجميع
خفايا صفقة غزة… الـCIA منعت إغتيال قادة حماس وفرضت التسوية على الجميع
إذا كانت الـCIA قادرة على منع إسرائيل من تنفيذ إغتيال حين تريد، فهل ستكون قادرة على منع فتح جبهة جديدة في لبنان أو مع إيران؟ الإجابة ستظهر في الفصول المقبلة من الصراع.
منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، أدركت الدوائر الأمنية في إسرائيل أنّ المعركة لم تعد فقط داخل القطاع. القيادة الميدانية تقاتل في غزة، لكن القرار السياسي الحقيقي كان في الخارج: الدوحة، أنقرة، بيروت وطهران. وبحكم توزيع الأدوار الأمنية في إسرائيل، الشاباك يعمل في الداخل (غزة والضفة)، بينما يُكلَّف الموساد بالعمل الخارجي. ومع إنتقال مركز ثقل حماس إلى الخارج، أنشأ الموساد وحدة خاصة مكوّنة من عدة ضباط لتنفيذ عمليات الإغتيال خارج فلسطين. وبما أنّ العمليات كانت ستجري في دول متعددة، ضمّت الوحدة ضابطًا من الـCIA ليكون حاضرًا داخلها منذ التأسيس.
أولى مهام هذه الوحدة كانت رغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت بتاريخ 2 كانون الثاني 2024. العملية حملت رسالة واضحة: لا منطقة خارج نطاق الوصول إليها. لكنها لم تكن سوى البداية. المهمة الأخطر جاءت في 31 تموز 2024، حين نفّذت الوحدة عملية نوعية داخل إيران أدّت إلى مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. نجاح الإغتيال في قلب طهران اعتُبر سابقة تاريخية، وأظهر أنّ الوحدة باتت قادرة على الوصول إلى أرفع قيادة سياسية للحركة حتى داخل دولة تُعتبر الأكثر عداءً لإسرائيل. إلا أنّ هذه الضربة أثارت سؤالًا استراتيجيًا داخل الأجهزة نفسها: إذا جرى القضاء على القيادة القادرة على اتخاذ قرار سياسي، فمن سيبقى للتفاوض وإنهاء الحرب؟ وهل يعني إغتيال هنية صعود قيادات أكثر تطرفًا ترفض أي تسوية؟
في سياق إدارة العمليات لم يكن التنسيق بين الأجهزة مجرّد تعاون عابر، بل منظومة عمل مشتركة جمعت جهات أمنية وحكومية من أكثر من دولة بهدف منع الإنزلاق نحو إنفجار إقليمي واسع. وبدل أن تكون العلاقة بين الموساد والـCIA ساحة تنافس، تحوّلت إلى شراكة ميدانية تقوم على تبادل المعلومات وتقاسم الأدوار. وحرصت وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية على ضمان حضور مباشر داخل مسار إتخاذ القرار، فدفعت بممثل رسمي إلى داخل الخلية الإسرائيلية الخاصة المكلفة بتتبع قيادة حماس. ووفق مصادر مطلعة، كان الشخص الذي يحمل الإسم الحركي «KT» ضابطًا تابعًا للـCIA داخل الوحدة، مُفوّضًا بتمثيل الوكالة رسميًا والتنسيق المستمر من داخل صفوفها.
مع إتساع الضغط على الحكومة الإسرائيلية في صيف 2025، اتخذت أوساط سياسية قرارًا بتوجيه ضربة إلى القيادة السياسية لحماس في قطر. العملية كانت ستُنهي أي مسار تفاوضي وتغلق الباب أمام أي تسوية. في تلك اللحظة التقط «KT» المعلومة، وأدرك خطورتها، فاتصل مباشرة برئيس قسم مكافحة الإرهاب في الـCIA في لانغلي فيرجينيا، المعروف بالإسم الحركي «AC». تحرك «AC» فورًا، وتواصل مع السلطات القطرية طالبًا منهم التحرك العاجل لإخلاء القيادات المستهدفة وترتيب قناة اتصال آمنة.
لم يتواصل «AC» مع قيادة حماس بصورة مباشرة، بل جرى اللقاء عبر وسيط قطري رسمي. فقد نظّمت الدوحة إجتماعًا مغلقًا نقل خلاله المبعوثون القطريون رسالة «AC» حرفيًا إلى القيادات التي نجت من الإستهداف. الرسالة كانت شديدة الوضوح: إما القبول بالتسوية أو مواجهة ثمن باهظ. وقد نُقل عنه قوله: «إذا رفضتم، ستقضون بقية حياتكم تحت الأرض مثل الجرذان». كان ذلك إنذارًا إستخباراتيًا صارمًا: إنقاذ مؤقت مقابل إلتزام نهائي، أو حرب إستنزاف بلا غطاء دولي.
في 9 أيلول 2025، نُفّذت الضربة الإسرائيلية فعليًا. قُتل بعض عناصر الصف الثاني، لكن القادة الأساسيين نجوا بفضل التحرّك القطري السريع والتنسيق الإستخباراتي الأميركي من داخل الوحدة. الفشل لم يكن نتيجة خلاف مباشر بين CIA والموساد أو الدولة الإسرائيلية، بل نتيجة توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية ورغبة مشتركة في منع إنهيار المسار السياسي.
بعد الضربة تغيّرت لغة حماس في المفاوضات، وتحركت الوساطات القطرية والمصرية بوتيرة أسرع، وبدأ الموساد يدعم الحل السياسي باعتباره الخيار الأقل كلفة. في المقابل، أصبح نتنياهو تحت ضغط دولي متزايد للقبول بالتسوية. الصفقة التي أُنجزت لم تكن مجرد إنتصار دبلوماسي، بل نتيجة قرار إستخباراتي دولي حاسم: منع الإغتيال من أجل فرض التسوية.
النتيجة النهائية: الموساد لم يكن اللاعب الأقوى في هذه المرحلة، بل واشنطن هي من حدّدت المسار وضبطت ميزان الموت والسلام لتفادي إنفجار إقليمي أوسع.
ويبقى السؤال الأخطر: إذا كانت الـCIA قادرة على منع إسرائيل من تنفيذ إغتيال حين تريد، فهل ستكون قادرة على منع فتح جبهة جديدة في لبنان أو مع إيران؟ الإجابة ستظهر في الفصول المقبلة من الصراع.
مصدر مطلع يؤكد أنّ ما نكشفه هنا ليس إلا القليل مما تسرّب إلينا. هناك صحافي إستقصائي غربي يحضّر رواية كاملة للملف، تتضمن تفاصيل العمليات، هوية بعض الأطراف، الوثائق، وآليات التنسيق. ومع نشره للرواية الكاملة التي يعمل عليها، سيكون العالم على معرفة شاملة بما جرى خلف الكواليس، وكيف حُسمت الحرب بقرار إستخباراتي قبل أن تُحسم بالسلاح على الأرض.