التطبيع السوري - التركي.. لماذا الآن وليس غداً؟
التطبيع السوري - التركي.. لماذا الآن وليس غداً؟
تحت وطأة حروب المنطقة المُلتهبة، يسلك التطبيع التركي-السوري طريقه بعيداً عن الأضواء.
لا يأخذ مسار تطبيع العلاقات السورية - التركية حيزاً مهماً في الإعلام، إذ لا تزال الحرب في غزة، والمناوشات الإيرانية - الإسرائيلية عبر «حزب الله» اللبناني، واحتمال إندلاع حرب أكثر ضراوة في المنطقة، حديث الساعة. والحال أنّ الصيف الحالي شهد إشارات متكررة حول نيّة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، فحيناً يقول إنّه راغب في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وحيناً آخر يصرح بأنّه يريد عودة العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. أما وزير دفاعه، يشار غولر، فقد ربط إمكانية سحب الجيش التركي من شمال الأراضي السورية بإقرار دستور جديد في البلاد وضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين.
تقابل الحماسة التركية المشروطة مصلحة سياسية، أمنية، واقتصادية سورية موازية. فقد ردّ الأسد على الدعوة بشرط، داعياً إلى وضع جدول زمني لانسحاب الجيش التركي من بلاده، ثم تواضع قليلاً وطالب بالتزام تركيا بالانسحاب فقط، دون جدول زمني واضح أو محدد. أما مصلحة الأسد من التطبيع مع تركيا فكبيرة، إذ تقرِّب التسوية بين «أعداء» الحرب الأهلية من نهايتها، وتضفي شرعية على الحكم السوري، وتفتح له باب التجارة مع جارته التركية، كما تتيح المجال أمام استعادة الحكومة المركزية بعض السيطرة شمال وشمال شرق سوريا. وإن كانت مصلحة دمشق أكثر وضوحاً، عمومية وحيوية من تلك التي لأنقرة، إلا أنّ لهذه الأخيرة أيضاً مصلحة جدية في تطبيع العلاقات الثنائية، لأسباب عديدة.
في البداية، يبدو الثمن الذي يمكن أن تكسبه أنقرة من تطبيع العلاقات مع دمشق أكبر بكثير مما تكسبه اليوم بسبب الخلاف معها. ما الذي تجنيه تركيا من خلافها الحالي مع سوريا؟ هل هو الرهان على «المعارضة السورية» الذي لم يُثمر تغييراً للنظام أو حتى تغييراً فيه؟ أم هو ملايين اللاجئين السوريين الذين يقيمون في تركيا ويؤثرون على اقتصادها المتراجع؟ إنّ الخلاف مع دمشق في الوقت الراهن لا يقدم لتركيا أي ميزة سياسية أو حتى اقتصادية، باستثناء عمليات التهريب الحدودية التي ستبقى على الأرجح بعد التطبيع، تماماً كما كانت منذ مئات السنوات.
من ناحية أخرى، وكما هو الحال دائماً، ينتاب الحكم في تركيا القلق من كل تحرك كردي شمال وشمال شرق سوريا، فيما زاد الإعلان عن تنظيم انتخابات محلية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» من التوجّس التركي من ميل تلك المناطق نحو الاستقلال. وعلى المنوال نفسه، زاد توجّس الحكم السوري من سير تلك المناطق نحو تحقيق المزيد من الاستقلال الذاتي، خاصة بعد أن أعلنت «قسد» مقاطعة انتخابات مجلس الشعب السوري التي أجريت في 15 يوليو/تموز الماضي، والتضييق على من أراد المشاركة فيها.
الهاجس الكردي يؤرق الجانب التركي والسوري على حد سواء، فيما لن يكون أي تطبيع للعلاقات بينهما موجهاً، في الدرجة الأولى، سوى ضد الشعب الكردي الطامح لإدارة المنطقة التي يسيطر عليها. إنّ أي اتفاق تركي - سوري لن يكون إلا على حساب الشعب الكردي الذي سيرى قوات عسكرية تحاصره من كل حدب وصوب، خصوصاً وأنّ التردد الأميركي الظاهر في المنطقة، لن يكون كافياً لوحده لحماية شمال وشمال شرق سوريا من مغامرة عسكرية سورية أو تركية جديدة.
هناك سبب آخر يحفز الجانب التركي على تطبيع العلاقات مع سوريا، مرتبط بإمكانية قيام الحكم الأميركي الجديد، بعد أشهر، بالانسحاب من سوريا أو على الأقل بتخفيف الحضور العسكري الأميركي فيها. وعلى الرغم من أنّ وصول مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض غير محسوم، إلا أنّ وصوله قد يعني اتخاذه قراراً بالانسحاب، تماماً كما اتخذ قراراً مماثلاً في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وسحب بعضاً من جيشه من سوريا. القرار الأميركي الذي يمكن أن يُتخذ، يُجبر أنقرة ودمشق على التنسيق بينهما اليوم وليس غداً، كي لا تستفيد الجماعات الإرهابية أو «قسد» أو غيرها من الفراغ الذي يمكن أن يخلفه الانسحاب الأميركي.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد أنقرة من عملية التطبيع لإيجاد بعض الحلول لقضية اللاجئين السوريين في أراضيها، والمقدر عددهم بحوالي 3 ملايين ونصف المليون سوري، إذ يمكن أن يكون ثمن التطبيع قبول دمشق إعادة قسم كبير منهم، فيتنفس الاقتصاد التركي الصعداء، وتُحل بعض مشاكله الداخلية.
أمام الدور التركي المتراجع في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، حيث لم تعد أنقرة تبدو لاعباً جدياً في الحرب الروسية - الأوكرانية كما كانت، ولا في حرب حركة «حماس» وإسرائيل وكل ما يرتبط بها من تطورات وأحداث، يبدو تطبيع العلاقات مع سوريا خطوة دبلوماسية مهمة يمكن أن تعيد أنقرة إلى المسرح الإقليمي، بعد إنزواء طال أمده، وعدم قدرة على التأثير الدبلوماسي والإقتصادي أبعد من المناطق المتاخمة لحدودها الجغرافية حصراً.
يبقى أنّ تطبيع العلاقات بين الجارتين يمثل مصلحة آنية ومستقبلية لهما سوياً، وهي فرصة سانحة الآن وقد لا تكون كذلك غداً. أما تفاصيل التطبيع وشروطه، فتبقى رهناً بالمحادثات السرية والأوراق المتبادلة بين الوفود الثنائية والراعي لمحادثات التطبيع، حيث لا يمكن، عملياً، لأي طرف جدّي أن يلعب هذا الدور سوى الجانب الروسي بما له من سطوة واضحة على دمشق، وشراكة مهمة مع أنقرة.
تقابل الحماسة التركية المشروطة مصلحة سياسية، أمنية، واقتصادية سورية موازية. فقد ردّ الأسد على الدعوة بشرط، داعياً إلى وضع جدول زمني لانسحاب الجيش التركي من بلاده، ثم تواضع قليلاً وطالب بالتزام تركيا بالانسحاب فقط، دون جدول زمني واضح أو محدد. أما مصلحة الأسد من التطبيع مع تركيا فكبيرة، إذ تقرِّب التسوية بين «أعداء» الحرب الأهلية من نهايتها، وتضفي شرعية على الحكم السوري، وتفتح له باب التجارة مع جارته التركية، كما تتيح المجال أمام استعادة الحكومة المركزية بعض السيطرة شمال وشمال شرق سوريا. وإن كانت مصلحة دمشق أكثر وضوحاً، عمومية وحيوية من تلك التي لأنقرة، إلا أنّ لهذه الأخيرة أيضاً مصلحة جدية في تطبيع العلاقات الثنائية، لأسباب عديدة.
في البداية، يبدو الثمن الذي يمكن أن تكسبه أنقرة من تطبيع العلاقات مع دمشق أكبر بكثير مما تكسبه اليوم بسبب الخلاف معها. ما الذي تجنيه تركيا من خلافها الحالي مع سوريا؟ هل هو الرهان على «المعارضة السورية» الذي لم يُثمر تغييراً للنظام أو حتى تغييراً فيه؟ أم هو ملايين اللاجئين السوريين الذين يقيمون في تركيا ويؤثرون على اقتصادها المتراجع؟ إنّ الخلاف مع دمشق في الوقت الراهن لا يقدم لتركيا أي ميزة سياسية أو حتى اقتصادية، باستثناء عمليات التهريب الحدودية التي ستبقى على الأرجح بعد التطبيع، تماماً كما كانت منذ مئات السنوات.
من ناحية أخرى، وكما هو الحال دائماً، ينتاب الحكم في تركيا القلق من كل تحرك كردي شمال وشمال شرق سوريا، فيما زاد الإعلان عن تنظيم انتخابات محلية في المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» من التوجّس التركي من ميل تلك المناطق نحو الاستقلال. وعلى المنوال نفسه، زاد توجّس الحكم السوري من سير تلك المناطق نحو تحقيق المزيد من الاستقلال الذاتي، خاصة بعد أن أعلنت «قسد» مقاطعة انتخابات مجلس الشعب السوري التي أجريت في 15 يوليو/تموز الماضي، والتضييق على من أراد المشاركة فيها.
الهاجس الكردي يؤرق الجانب التركي والسوري على حد سواء، فيما لن يكون أي تطبيع للعلاقات بينهما موجهاً، في الدرجة الأولى، سوى ضد الشعب الكردي الطامح لإدارة المنطقة التي يسيطر عليها. إنّ أي اتفاق تركي - سوري لن يكون إلا على حساب الشعب الكردي الذي سيرى قوات عسكرية تحاصره من كل حدب وصوب، خصوصاً وأنّ التردد الأميركي الظاهر في المنطقة، لن يكون كافياً لوحده لحماية شمال وشمال شرق سوريا من مغامرة عسكرية سورية أو تركية جديدة.
هناك سبب آخر يحفز الجانب التركي على تطبيع العلاقات مع سوريا، مرتبط بإمكانية قيام الحكم الأميركي الجديد، بعد أشهر، بالانسحاب من سوريا أو على الأقل بتخفيف الحضور العسكري الأميركي فيها. وعلى الرغم من أنّ وصول مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض غير محسوم، إلا أنّ وصوله قد يعني اتخاذه قراراً بالانسحاب، تماماً كما اتخذ قراراً مماثلاً في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وسحب بعضاً من جيشه من سوريا. القرار الأميركي الذي يمكن أن يُتخذ، يُجبر أنقرة ودمشق على التنسيق بينهما اليوم وليس غداً، كي لا تستفيد الجماعات الإرهابية أو «قسد» أو غيرها من الفراغ الذي يمكن أن يخلفه الانسحاب الأميركي.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تستفيد أنقرة من عملية التطبيع لإيجاد بعض الحلول لقضية اللاجئين السوريين في أراضيها، والمقدر عددهم بحوالي 3 ملايين ونصف المليون سوري، إذ يمكن أن يكون ثمن التطبيع قبول دمشق إعادة قسم كبير منهم، فيتنفس الاقتصاد التركي الصعداء، وتُحل بعض مشاكله الداخلية.
أمام الدور التركي المتراجع في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، حيث لم تعد أنقرة تبدو لاعباً جدياً في الحرب الروسية - الأوكرانية كما كانت، ولا في حرب حركة «حماس» وإسرائيل وكل ما يرتبط بها من تطورات وأحداث، يبدو تطبيع العلاقات مع سوريا خطوة دبلوماسية مهمة يمكن أن تعيد أنقرة إلى المسرح الإقليمي، بعد إنزواء طال أمده، وعدم قدرة على التأثير الدبلوماسي والإقتصادي أبعد من المناطق المتاخمة لحدودها الجغرافية حصراً.
يبقى أنّ تطبيع العلاقات بين الجارتين يمثل مصلحة آنية ومستقبلية لهما سوياً، وهي فرصة سانحة الآن وقد لا تكون كذلك غداً. أما تفاصيل التطبيع وشروطه، فتبقى رهناً بالمحادثات السرية والأوراق المتبادلة بين الوفود الثنائية والراعي لمحادثات التطبيع، حيث لا يمكن، عملياً، لأي طرف جدّي أن يلعب هذا الدور سوى الجانب الروسي بما له من سطوة واضحة على دمشق، وشراكة مهمة مع أنقرة.