التكنولوجيا vs الأيديولوجيا.. هل ينهي فشل «الحزب» الميداني الحرب؟
التكنولوجيا vs الأيديولوجيا.. هل ينهي فشل «الحزب» الميداني الحرب؟
شتان ما بين عام 2006 واليوم. في حينها، كان يمكن الكلام عن نوع من أنواع الصمود المهم لدى «حزب الله»، إلا أنّ أداء الحزب اليوم يبدو ضعيفاً ومشتتاً، فيما الحرب لم تعُد لها جدوى سوى إظهار التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
لا داعي هنا لكل التعابير المنمقة والجمل الأيديولوجية، فلسنا في روضة الشهداء نُشيّع مقاتلاً سقط بعد انفجار جهازه اللاسلكي، ولا في بلدة كفركلا نُطبطب على خاطر من فقد منزله. فلنتكلم بموضوعية ووضوح، والأهم ببعض الواقعية.
إنّ أداء «حزب الله» الميداني سيئ للغاية. لا يعني هذا الأمر أنّ من يهمس بهذا الكلام عميل أو متخاذل أو ما شابه، بل مجرد مراقب واقعي للأمور. وهذا الموقف هو، في الواقع، رأي الكثير من هؤلاء المتابعين للتطورات الميدانية، الذين استشعروا أنّ ضعف «حزب الله» بالغ الخطورة، وهو لا يملك أي إمكانية لتحقيق أي نصر أو حتى الصمود الفعلي أمام الآلة الحربية الإسرائيلية.
في الحقيقة، لا مجال للمقارنة بين عمليات إسرائيل المتقنة وردود فعل الحزب العرضية والاستعراضية. إسرائيل، الدولة المتفوقة تكنولوجياً، تعطب حوالي 3000 من الحزب في يوم واحد، ثم تعطب حوالي 400 في اليوم التالي. تمارس إسرائيل حالياً الصيد أكثر مما تمارس الحرب بالمعنى الحرفي للكلمة، فتفخخ أجهزة تواصل وأجهزة لاسلكية، وتتفرج على ضعف الحزب وقلة حيلته، كما توقع له عشرات القتلى كل يوم. في المقابل، يرد «حزب الله» بالخطابات والوعود والصواريخ العشوائية التي نادراً ما تصيب أهدافها وتُسقط، في أحسن الأحوال، حفنة من الجرحى الإسرائيليين كل أسبوع.
تحوّل جيش «حزب الله» إلى جيش من الجرحى والمعوقين. جيش فقد زمام المبادرة ميدانياً، وبات أكثر اندفاعاً لاستخدام الأيديولوجيا لتبرير فشله ووعد أنصاره بنصر مبين آتٍ. إنّ ما يجمع أنصار الحزب حوله، ليس الخدمات اليومية بقدر ما هو فائض القوة وحلم بالانتصار... فحين يشعر إبن البيئة الشيعية أنّ حزباً من لحمه ودمه يملك أدوات القوة ويمكنه الانتصار على عدوه التاريخي، يصبح الفرد أكثر التصاقاً بحزبه وأكثر مطواعية لقيادته. هذه الصورة المتخيلة والحالمة تحطمت منذ حوالي السنة، تاريخ بدء شبه الحرب الدائرة مع إسرائيل، إذ بدا الحزب غير مؤهل لقتال إسرائيل بالمعنى الجدي للكلمة، وتنظيمه غير قادر على إحداث أي أثر حقيقي في المعركة.
والضربة القاصمة التي تلقاها الحزب يومي الثلاثاء والأربعاء، لا شك أنّها ستخرج بعض الراديكاليين في الحزب ليدعوا للانتقام وتسعير الحرب وفتح الجبهات على مصراعيها. إلا أنّه لا بدّ من ظهور بعض الواقعيين في قيادة «حزب الله»، اقتنعوا، بعد سلسلة الصفعات التي تعرضوا لها، أنّ قتال إسرائيل بالشروط الحالية غير مجدٍ، وأنّ ما يجري يمكن أن يتبعه المزيد من الأسى والخسائر بحق اللبنانيين عامة وأنصار«حزب الله» بشكل خاص. لا بدّ من انتصار منطق العقل على منطق العاطفة، ومنطق التروي على منطق الحماس. فليعترف «حزب الله»، ولا ضرر أو شماتة بذلك، أنّه «مش قدا»، ولا يمكنه فعلاً أن يؤثر على إسرائيل أو ينتصر عليها.
أما وإن اختارت قيادة «حزب الله» التصعيد، فالحزب وكل اللبنانيين سيدفعون الثمن، إذ إنّه لا شيء قادر على لجم بنيامين نتنياهو ومغامرات جيشه وأعماله العسكرية والأمنية المباغِتة، وكل ذلك من أجل تأمين ديمومته في السلطة على رأس حكومته. إنّ من يفجر 4 آلاف رجل في ثوانٍ معدودة، يمكنه بسهولة أن يقصف مئات المباني والمراكز العسكرية في دقائق.
أما بديل ذلك، فالإذعان لشروط نتنياهو، وترك جنوب نهر الليطاني من دون تواجد عسكري لعناصر «حزب الله». لا تريد إسرائيل تدمير الحزب بالمطلق ولا تصفية بنيته العسكرية، بل كل ما يهمها، كما يقول معظم قادتها، تراجع الحزب عن حدودها لا أكثر. إنّ مخرج «حزب الله» من «الشرشحة» الأمنية التي تعرض ويتعرض لها يومياً ووقف الحرب، هو الإذعان لما تريده إسرائيل والخروج من الجنوب، فيما لن يتشفى أحد من «حزب الله» إن حصل ذلك، ببساطة لأنّ الخروج من هناك مذكور صراحة في القرار الدولي 1701، الذي يُفترض أن يُطبقه الحزب منذ عام 2006.
خيارات الحزب وقيادته تبقى مفتوحة اليوم. الركون إلى الدبلوماسية والقبول بالحلول السياسية، والخروج حكماً من جنوب نهر الليطاني، أم أنّ العبث والحماس وحب الانتقام وسيل الدماء سيسيطر على عقول قادة الحزب، ويدفعهم ويدفع لبنان كله إلى التهلكة؟ ساعة أخذ القرار الحاسم دقّت، فلنرى إن كان الحزب يريد إعفاء بلادنا من حمام دم ممكن، أم يريد المغامرة بنا من جديد وإحراق لبنان بنار الصواريخ وحِمم المدافع.