«نحن آلة حرب كأمّة»

«نحن آلة حرب كأمّة»

  • ٢٥ أيلول ٢٠٢٤

هل العالم جريمة منظمة تديرها مصالح الأقوياء ، قد يتساءل المرء في القرن الواحد والعشرين كيف للعالم بعد عصور التنوير والتقدّم أن ينحدر الى هذا الكم من العنف، وتبدو الدعوات على كل المنابر من أجل وقف إطلاق النار وحلّ الصراعات دون طائل، فالأقوياء يتكلمون ضد الحرب ولكنهم يصنعون الأسلحة وبالتالي عليهم استخدامها وتصبح القاعدة فلنصنع الحرب لبناء السلام!

«نحن آلة حرب كأمة» كلام ورد على لسان عضو الكونغرس السابق «دينيس كوتشينيتش» في مقابلة مكتوبة مع الصحافي المرموق «كريس هادجيز»
الإلكتروني في 3 تشرين الثاني من 2023.   TRNNنشرت على موقع  «كوتشينيتش» الذي قابل الكثير من حكام البلدان التي كانت تسعى بكل ما لها من قدرة لإبعاد دولها عن الصراعات  وقد عبر عن قناعته بأنّ الولايات المتحدة تحفّز الحروب عمداً لتغذية مبيعات الأسلحة عالمياً دون أخذ العواقب بعين الاعتبار وعلى حد تعبيره «نتحرك نحو حرب ضخمة بين الشرق والغرب ذات دلالات دينية وإثنية. والزحف الذي لا هوادة فيه قد يؤدي الى حماقة نووية»، متحدثاً  عن التعصب الحزبي الأعمى في الكونغرس، وعن المؤسسات الإعلامية التي تحركها «إيديولوجيا الإغراء» فأنتجت رغبة جامحة في إراقة الدماء ضد إيران وربما الصين وروسيا والشرق الأوسط ، وقد باتت «خارجة عن السيطرة». 

وقد أشار إلى أنّ العالم يعيش لحظة خطر، وجوهرها ينبع من أنّ الولايات المتحدة تملك أرخبيلاً من القواعد العسكرية حول العالم يفوق 800 قاعدة ، وهذا جانب من سياساتها للسيطرة عسكرياً واقتصادياً على هذه البلدان، ومنع صعود أي قوة مضادة في العالم، وبهذا إنزلاق إلى قيادة أحادية القطب في عالم متعدّد الأقطاب.   
كما وأنّ جماعات الضغط  في اللوبي الصناعي العسكري الأميركي، يسوقون لهذه الصناعة لدى الكونغرس، باعتبارها حاجة للوظائف في المجتمع، وبالتالي تملك  هذه الجماعات تمويلاً ضخماً يؤثر على صناع القرار، فبات الاقتصاد  الأميركي معتمداً على الحروب حيث تجني الشركات أموالاً طائلة، وكلما زاد الانفاق زاد الانجرار إلى الحروب. ما يعني أنّ الكونغرس سيوافق على أي توصية بالحرب كيفما وأينما كانت ما دامت مرتبطة بسلسلة التوريد العسكري. ومتى تمت الموافقة من الصعب إيقافها، كما أنّ المحاسبة على هدر الأموال على الحروب غالباً ما تأتي بعد فوات الأوان. ويضيف «أنّ تمويل الحروب والصراعات متأصل في نظامنا»، فما دمت تصنع الأسلحة فعليك صنع الحروب لاستخدامها، وكلما زاد استخدامها زاد ربحك، وأنّ ميزانية وزارة الدفاع  وباقي الأجهزة الدفاعية تقارب تريليون دولار من العام 2023، إذ يصل الإنفاق التقديري الى 40٪ أو 45٪ وبهذا على حد تعبيره «نحن ننفق ثروتنا الوطنية على الحروب ،فنحن نفضل الحرب على الرعاية الصحية، والإسكان، والتعليم، وعلى رفاهية مواطنينا وهذا يدركه المزيد من الناس .»

وعن سؤاله كيف تتخذ القرارات بشأن  الحرب، وبشأن المحافظين الجدد، المروجين الدائمين لها سواء أكان الأمر يتعلق بالعراق أو أفغانستان، أو سوريا، والذين  صنعوا الحرب لمدة 20 عاماً في الشرق الأوسط. وشكلت اخفاقات متكررة. أشار إلى أنّ قرارات الحرب تتخذ على مستوى الإدارة، غير أنّ هناك شبكة واسعة من مجموعات السياسات العامة ومراكز الابحاث والمنظمات الاكاديمية والشخصيات الإعلامية النافذة الذين يغزون أي رواية من شأنها «التلويح بالسيوف» أو بحجة «الدفاع عن مصلحتنا الوطنية». كما أنّ أحد الأشياء التي تجر الولايات المتحدة إلى الحرب على حد قوله هي العقلية الأيديولوجية التي يقودها المحافظون الجدد، الذين يرون أنّ أميركا «قوة تقاتل ضد الشر في جميع أنحاء العالم» وهذه الرؤية الثنائية للعالم بأنّه منقسم بين الأخيار والأشرار، هو من صنع هؤلاء، وتعبير عن رغبتهم في صنع الحروب والاستفادة منها، وهناك تقارير عن أرباح تعادل التريليونات من الدولارات من الحروب. فهذا اقتصاد تغذيه الحرب، فكلما تمّ الانفاق على الأسلحة وزاد عدد الأشخاص في القواعد العسكرية المتقدمة في العالم ازداد احتمال اندلاع الحروب. وصوت الشعب الأميركي بـ «لا تمولوا الحرب» أو «توقفوا عن قتل أهل غزة» منذ السابع من أكتوبر لن يكون مسموعاً.

والصوت القائل إن كنتم تريدون إنفاق الأموال فلتنفق على الدبلوماسية والأعمال الانسانية وتخفيف معاناة الناس غير مسموع أيضاً. بما أنّ للكونغرس سلطة المحفظة بإمكانه ألا يوافق على تمويل الحروب حتى ولو أتى القرار من البيت الأبيض. وهذا هو الهدف من المادة الأولى من الدستور الأميركي حيث وضعت سلطة شن الحروب في أيدي مجلس النواب حيث لم يرِد المؤسسون للدولة أن يجوب رئيس تنفيذي لمصنع أسلحة العالم ليجد اسواقاً لاستخدام السلاح.

والخطورة تكمن في الاعتماد على الحلول العسكرية وحدها، وغياب الخيارات الدبلوماسية، إذ إنّ تداعيات الصراع في غزة تشكل خطورة على المنطقة والعالم معاً وهي « كمن يرمي أعواد الثقاب المشتعلة في البنزين» من أوكرانيا الى الشرق الأوسط إلى الصين وبخاصة أنّ أطراف النزاع تمتلك الاسلحة النووي. و خطورة التمويل لا تتعلق بالجهد ضد غزة، إنما تتعلق بالإنزلاق الى حرب إثنية دينية أطراف النزاع فيها إيران وتركيا ولن تحمد عقباها.
وعن أسباب التصعيد يرى أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تتحركان بشكل متزامن في غزة مما يثير غضب العالمين الإسلامي والعربي، مشيراً إلى خطاب أردوغان الذي حذر فيه من صدام الحضارات، مستحضراً صورة «الهلال والصليب، كما أنّ اقتحام المسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود والجماعات المتطرفة التي تسعى لطرد الفلسطينيين وتحقيق حلم «أرض إسرائيل» و«بناء الهيكل» كلها عوامل جوهرية في إشعال فتيل الغضب وإيقاظ المشاعر الدينية العميقة.

ويعتبر أنّ العداء نحو إيران هو حجة المحافظين الجدد للخروج من الفوضى التي تسببوا بها في الشرق الأوسط. ورغبة نتنياهو في التصعيد العسكري ضد إيران لأنّه يرى فيه حلاً لمشاكله السياسية، ومن مخاطره ، اندلاع حرب عالمية بمشاركة نووية من الصين وروسيا، وستكون إسرائيل أول المتضررين من الهجوم على إيران لأنّها تمتلك صواريخ بعيدة المدى. لذلك من الحكمة الدعوة الى وقف العنف في غزة كخطوة أولى للتهدئة، والذهاب نحو الحوار والتفاوض، وإيجاد حلول سلمية، ومنع كارثة عالمية. فالوضع الحالي يشبه انهيار النظام العالمي، حيث تقفد القوى السيطرة على الأحداث، وتدفع  المنطقة الى دوامة من العنف يصعب احتوائها.