لا معركة يعلو صوتها فوق صوت النقد

لا معركة يعلو صوتها فوق صوت النقد

  • ٢٦ أيلول ٢٠٢٤
  • جورج طوق

لا نعلم من هو صاحب مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» لكنّنا على يقين أنّ قائلها الأوّل هو أحد مدمني المعارك والدمار والدموع والدماء. فأكثر ما يناسب صنّاع الحروب هو ألّا يعلو صوتٌ فوق ضجيج لعبتهم. الحروب الأكثر دمويّة، في التاريخ، هي التي علا صوتها فوق كلّ شيء.

من المؤكّد، أنّ عُقلاء كثيرين قالوا، مرّاتٍ عدّة، «كلّ الأصوات يجب أن تعلو فوق صوت المعارك»، لكنّ أصواتهم خُنقت في طريقها إلى الحبر والورق والآذان الصاغية.

«فِطرة الضيافة والتضامن في لبنان»
إحدى منارات الأمل القليلة المتبقّية، في هذا البلد الملعون، هي فضيلة الضيافة والتضامن الفِطريّة. فضيلةٌ نجت من هجمات توسيمات السياسة الطائفيّة والعشائريّة والمناطقيّة والطبقيّة، فقط، لأنّها أقوى من السياسة. لا فضائل للساسة في لبنان، ولا فضل لهم في ما شهدناه من تضامن مجتمعيّ. الفِطرة أقوى من السياسة.

ليس تفاوت الحماسة والصدق في التضامن ذي دلالاتٍ قيّمة. لا يهمّ، بتاتًا، إن رافقه تمنّعٌ ومنّةٌ هنا أو امتنانٌ هناك. فالمهمّ هو تلك الرشاقة في العودة إلى الفِطرة. والأهمّ هو أنّ الفِطرة اللبنانيّة، في الضيافة والتضامن، التي طبعها المواطنون في «سِفر الخروج» من الجنوب، تجزم بأنّ، في لبنان، هناك ما يزال يستحقّ التقدير والإنقاذ والازدهار والفرح.

«ليس للنقد وقتًا غير مناسب»
ما من وقتٍ غير مناسبٍ للنقد. النقد هو جوهر التقييم والتصحيح والتعلّم والتقدّم وتخطّي المعاضل. الفضول الذهنيّ لا تحدّه ضوابط السياسة والمواقيت. ولولا التفلّت الذهنيّ هذا، كانت البشريّة، حتّى يومنا هذا، ما زالت منبهرةً بكفاية حدّة نصل الصوان أو أعجوبة إشعال النار.
صحيح أنّ العقل النقديّ لا يقبل الضوابط، إلّا أنّه يلتزم، إلى حدّ بعيد، بمنهجيّاتٍ ومعايير واضحة. ليس صحيحًا أن النقد، في عزّ المعركة، يخدم مصالح العدوّ. فالكلام النقديّ ليس بندقيّةً أو مدرّعة، ولا يقدّم في سير المعارك ولا يؤخر. متلازمة تخوين مفهوم النقد هو عطبٌ خطير، وانتقاده، هو الآخر، واجبٌ وطنيّ.

«مفهوم الحرب المحقّة»
الحروب المحقّة، أيضًا، معايير ثابتة للنقد. القضيّة المحقّة هي المعيار الجوهريّ الأول. والقضيّة، في الحرب اليوم، لا جدال حولها. ثاني المعايير هو شرعيّة السُلطة المُمسكة بقرار الحرب. هنا، لا يمكن لحزب الله، مهما أفتى قادته وكابروا، أن يدّعي الشرعيّة. لا يمكن إغفال واقع صناعة قرار الحرب هذه خارج كلّ الأُطر الرسميّة والشعبيّة اللبنانيّة. فالدولة اللبنانيّة غائبة تمامًا عن مسرح الأحداث الدمويّ الحربيّ والإغاثيّ والسياسيّ والدبلوماسيّ. معياران آخران لا يدعما الحماسة إلى حرب أيلول: النوايا الحسنة واحتمالات الفوز. في نوايا الحزب، لا يُمكن إنكار جنوحه، منذ حرب تمّوز، نحو صرف أفعاله المقاومة في سوق النفوذ والحكم والسُلطة. أمّا فرص الفوز، ليس خفيًّا أنّها غير وفيرة، لا سيّما بعد جرائم اصطياد القادة، الدائرة منذ طوفان تشرين، ومجزرتيّ أجهزة النداء واللاسلكي قبل أيّام.

«سادية العدوّ ومازوشيّة الحزب»
في منظار السلميّة واللاعنفيّة، لا عدالة في الحرب ولا معايير تبرّرها. الحرب هي خروج التوحّش المستتر في البشر إلى العلن. لكنّ الواقعيّة السياسيّة توقن أنّها لغّةٌ بشريّة محتومٌ تداولها بين حينٍ وآخر. يُفترض على الحرب العادلة أن تكون الملاذ الأخير، بعد استنفاذ كل البدائل السلميّة. معيارٌ لم يؤمنه الحزب. فهو استجرّ، على مدى عام كامل، الحديد والنار إلى اللبنانيّين، في مشاغلةٍ لم تقدّم للغزّاويّين ذرّة إسنادٍ واحدة. معيار التناسب بين المنافع والضرر غائبٌ أيضًا. فاللبنانيّون، اليوم، عالقون بين سادية العدوّ الإسرائيليّ ومازوشيّة حزب الله.