بعلبك شاهدة على الحضارة والحروب!

بعلبك شاهدة على الحضارة والحروب!

  • ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

بعلبك، المدينة التاريخية ، تواجه اليوم الدمار. وتحتضن قلعتها العريقة إرثاً ثقافياً فريداً.

بعد إنذارات إسرائيلية بالإخلاء، بدأ سكان مدينة بعلبك بالنزوح، بعد أن هددت إسرائيل  باستهداف عناصر ومنشآت تابعة لحزب الله.

يبلغ عمر بعلبك التاريخية 3000 عام، والمدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونسكو. وتعتبر مدينة بعلبك التاريخية والمنطقة المحيطة بها في وادي البقاع شرق لبنان، «من أعظم المدن التي تضم المعابد الرومانية في العالم» هل هذه المعالم سيصيبها الدمار كما أصاب الكثير من الإرث الحضاري  في هذا الشرق من سوريا الى العراق وفلسطين واليمن .

قلعة بعلبك بأعمدتها الضخمة تُعتبر من أهم آثار الهندسة الرومانيّة الإمبراطورية وهي في أوج ذروتها، وتمثّل هوية حضارية تراثية للبنان. تغزّل الشعراء بمدينة الشمس، التي عرفت حروباً وحضارات على تلك البقعة من الأرض حيث الزراعة والصناعة والآثار، من أهم مقوماتها.
ومنذ بضعة أيام، تم استهداف موقعاً قرب ثكنة غورو. التي تعود إلى أيام الإنتداب الفرنسي، فلنذهب في رحلة إلى تاريخ تلك المدينة.

تاريخ بعلبك
لا يُعرف شيء عن بعلبك قبل الفتح اليوناني لسوريا (332 قبل الميلاد). بعد وفاة الإسكندر الكبير (323 قبل الميلاد)، وقعت المنطقة تحت حكم سلالة البطالمة في مصر، حيث أُطلق على المدينة اسم هيليوبوليس، ربما نسبةً إلى نظيرتها المصرية. في عام 200 قبل الميلاد، غزاها السلوقي أنطيوخوس الثالث (العظيم) وظلت تحت السيطرة السلوقية حتى سقوط تلك السلالة (64 قبل الميلاد)، عندما أصبحت تحت السيطرة الرومانية. بعد عدة عقود، تم تحويلها إلى مستعمرة رومانية واستقر فيها جيش روماني. انتقلت بعلبك إلى يد البيزنطيين ثم أصبحت تحت الهيمنة العربية (637 ميلادي). ومنذ ذلك الحين وحتى القرن العشرين، كانت تُدار من قبل الحكام المسلمين المتعاقبين في سوريا. بعد الحرب العالمية الأولى، ضمت السلطات الفرنسية الانتدابية بعلبك إلى لبنان الكبير.

بدأت الأنظار الأوروبية تتجه إلى آثار بعلبك في القرن السادس عشر. تم تدمير الكثير من معالمها القديمة بسبب الزلازل، ولكن بين عامي 1898 و1903، قامت بعثة ألمانية بحفريات للمعبدين الرومانيين الكبيرين وبدأت في إعادة بناء الآثار. تم إجراء عمليات واسعة من التنظيف والترميم خلال الانتداب الفرنسي، ولاحقًا من قبل الحكومة اللبنانية. ومع ذلك، في منتصف السبعينيات، تدهورت حماية كنوزها عندما أصبح البقاع معقلًا للمنظمات الفلسطينية المسلحة وحزب الله والجيش السوري خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وقد بدأت جهود الحماية مجددًا في التسعينيات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وإرتفاع عدد  السياح  ساهم في إحيائها من جديد، كما أنّ عودة المهرجانات الفنية الى معبدي جوبيتير وباخوس بثّ فيها الحياة والحركة.

آثار بعلبك في خطر؟
أبدى رئيس بلدية بعلبك اليوم  مصطفى الشل مخاوفه على قلعة بعلبك الأثرية من الاستهداف. ولم تسجل حركة نزوح إلى داخل القلعة لأنّها تحت حراسة الجيش ومديرية الآثار.
 داخل القلعة متحف (افتُتح في 1998) في الأنفاق الموجودة تحت ساحة معبد جوبيتر، ويُقام مهرجان بعلبك الدولي السنوي، الذي يتضمن عروضًا موسيقية ودرامية، خلال فصل الصيف في مجمع المعبد. وبعلبك هي في واحدة من أكثر مناطق الزراعة خصوبة في المنطقة. الى ذلك، تُعتبر بلدة بعلبك الحديثة، المجاورة للآثار، المركز الحضري الرئيسي للبقاع. وقطاعها السياحي عنصر إقتصادي هام.

ومن أبرز المعالم المحيطة بالقلعة  صخرة المرأة الحامل، بطول أكثر من 21 متراً، ومقام السيدة خولة بنت الإمام الحسين، الجاذب للسياحة الدينية. كما تضم المدينة قبتين تعودان لجامعين قديمين ومحطة قطار تاريخية، بالإضافة إلى فندق بالميرا الذي يتميز  بعراقته وبموقعه المميز وسط ساحة خليل مطران.

 فيروز والرحابنة
و قلعة بعلبك تشهد  أيضاً على الفن والموسيقى حيث تراقصت المواهب على أدراجها. ومهرجاناتها إجتذبت كبار المبدعين في العالم ولبنان،.
إذ كانت تُعتبر مهرجانات بعلبك الدولية واحدة من أبرز الفعاليات الثقافية والفنية في لبنان، حيث تجمع بين الفنون الأدائية والموسيقية في موقع تاريخي فريد. تُقام هذه المهرجانات في القلعة وتوفر خلفية مذهلة للعروض الفنية.
تأسست مهرجانات بعلبك الدولية في عام 1956، وقد شهدت على مرّ السنوات مشاركة العديد من الفنانين والمبدعين من مختلف المجالات. ورسمت صورة حضارية للمجتمع اللبناني. وصوت فيروز راسخ في ذاكرة اللبنانيين مع أعمال الرحابنة الذين على مدارج معابدها أعطوا لبنان وبعلبك هوية إنسانية وثقافية لم يستطِع العنف والحروب  والمليشيات إنتزاعها، وسيستمر صوت فيروز أعلى من كل الأجندات العسكرية والسياسية ب «بعلبك أنا شمعة على دراجك».