لماذا تتمسك روسيا بالأسد؟
لماذا تتمسك روسيا بالأسد؟
الأبعاد الإستراتيجية والخفايا وراء التحالف السوري-الروسي
الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت في عام 2011، واحدة من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين، حيث أسفرت عن مئات الآلاف من القتلى، وتشريد الملايين، ودمار واسع النطاق. وفي خضم هذه الأزمة، برزت روسيا كأحد أهم داعمي الرئيس السوري بشار الأسد، ما جعلها لاعباً رئيسياً في رسم مسار الصراع ومستقبله.
واليوم أكد الكرملين أنّ «روسيا تواصل دعم الرئيس السوري بشار الأسد بغرض إستقرار الأوضاع»، عقب هجوم واسع شنّته «هيئة تحرير الشام» وفصائل معارضة مسلّحة أتاح لها السيطرة على مناطق واسعة في الشمال أبرزها مدينة حلب.
وشدّد المتحدث بإسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين، على أنّنا «نواصل بالطبع دعم بشار الأسد»، مشيراً الى أنّ موسكو ستبني موقفها إستناداً إلى ما هو ضروري من أجل إستقرار الأوضاع.
تستند دوافع الدعم الروسي إلى عوامل تاريخية، جيوسياسية، وأيديولوجية، بالإضافة إلى أهدافها لتعزيز مكانتها كقوة عالمية
الجذور التاريخية للعلاقات الروسية-السورية
تعود جذور العلاقة بين موسكو ودمشق إلى حقبة الحرب الباردة، عندما أقام الاتحاد السوفيتي علاقات وثيقة مع سوريا عبر تقديم الدعم العسكري والإقتصادي. ومع وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم عام 2000، شهدت العلاقات بين البلدين تجديداً قوياً. يرى بوتين أنّ سوريا ليست فقط حليفاً تاريخياً، بل أيضاً شريكاً استراتيجياً يعزّز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. هذه
العلاقة أصبحت محوراً رئيسياً لسياسة موسكو الإقليمية، لا سيما مع إندلاع الأزمة السورية.
الدوافع الجيوسياسية والإستراتيجية: الحفاظ على النفوذ في الشرق الأوسط
تعد سوريا بوابة روسيا لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. تتيح التحالفات مع دول مثل سوريا فرصة لموسكو لموازنة النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة، لا سيما بعد تراجع الدور الروسي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي
تأمين المصالح الاستراتيجية
سوريا توفر لروسيا منفذاً استراتيجياً إلى البحر المتوسط عبر ميناء طرطوس، وهو القاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في المنطقة. هذا الميناء يعزز القدرات العسكرية الروسية ويؤمن مصالحها البحرية والجيوسياسية على الساحة الدولية.
مواجهة الربيع العربي
رأت روسيا في إنتفاضات الربيع العربي تهديداً لمصالحها في المنطقة، حيث أطاحت بالعديد من الأنظمة الحليفة لموسكو. لذلك، كان دعم الأسد جزءاً من استراتيجية موسكو للحفاظ على الأنظمة التي تتماشى مع سياساتها.
مكافحة الإرهاب
على الرغم من أنّ روسيا تبرّر تدخّلها العسكري في سوريا بمحاربة الإرهاب، إلا أنّ غاراتها لم تستهدف تنظيم «داعش» فقط، بل شملت أيضاً فصائل معارضة أخرى لنظام الأسد، مثل «هيئة تحرير الشام» في إدلب. هذا التدخل سمح لروسيا
بإظهار قوتها العسكرية وقدرتها على تغيير مسار النزاعات.
الأبعاد الأيديولوجية والشخصية
يرى بوتين أنّ الصراع في سوريا يمثل مواجهة بين الأنظمة العلمانية والإرهاب الإسلامي المتطرف. هذا الموقف مستوحى من تجربة روسيا في الشيشان وخوفها من إنتشار التطرف في المنطقة. كما أنّ دعم الأسد ينسجم مع النهج الروسي الذي
يرفض تغيير الأنظمة بالقوة ويركز على احترام السيادة الوطنية.
الأهداف الداخلية والدولية
تعزيز مكانة روسيا كقوة عالمية
من خلال تدخلها العسكري في سوريا منذ 2015، تمكنت روسيا من تغيير مسار الصراع لصالح الأسد، مما عزّز من صورتها كقوة قادرة على التأثير في الأزمات الدولية. هذا التدخل يرسل رسالة واضحة إلى الداخل الروسي والعالم بأنّ
موسكو لاعب لا يمكن تجاوزه.
إستعراض القدرات العسكرية
يشكل التدخل في سوريا فرصة لروسيا لاستعراض قوتها العسكرية عبر استخدام تقنيات متطورة واختبار استراتيجيات جديدة. كما يظهر موسكو كشريك موثوق للأنظمة التي تسعى للحماية من التدخلات الغربية.
التحديات الحالية للدعم الروسي للأسد
تحوّل الأولويات الروسية نحو أوكرانيا
أدّى تحول الموارد العسكرية الروسية إلى الحرب في أوكرانيا إلى تقليل وجودها في سوريا. على سبيل المثال، سحبت مما أضعف الدعم الروسي العسكري لدمشق.S-300موسكو من سوريا عام 2022، أنظمة صواريخ
هشاشة قوات الأسد
رغم استمرار الدعم الروسي، إلا أنّ قوات الأسد تواجه ضعفاً واضحاً أمام تقدم الفصائل المعارضة، مثل «هيئة تحرير
الشام»، التي سيطرت على مناطق واسعة في إدلب وحلب. والغارات الروسية لم تكن كافية لوقف هذا التقدم.
(The Guardian) ( MENA Research Center)
العلاقة بين روسيا وسوريا تجمع بين التاريخ والجغرافيا والسياسة. ودعم روسيا للأسد يعكس تطلعاتها لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وتحقيق التوازن مع القوى الغربية، ومنع إنهيار الأنظمة الحليفة. ومع ذلك، فإنّ التحولات الإقليمية والدولية، مثل الحرب في أوكرانيا، قد تؤثر على قدرة موسكو على الإستمرار في هذا الدعم بالقوة نفسها، مما يضع مستقبل التحالف الروسي-السوري أمام تحديات جديدة.