«جريمتان لا تصنعان عدالة»
«جريمتان لا تصنعان عدالة»
«إنّ مناهضي عقوبة الإعدام قلقون على الأسباب التي تؤدي الى الجريمة الأولى، ويرفضون ارتكاب جريمة ثانية. أما مناصرو عقوبة الإعدام فغير قلقين على الأسباب التي أدّت إلى الجريمة الأولى، ويطالبون بجريمة ثانية» (وليد صليبي)
إنّ تسليط الضوء مراراً على مسألة الإعدام، وخاصة في هذا الوقت يعود الى بروز الجدل من جديد حول ما يشهده المجتمع اللبناني من ردود فعل نحو الجرائم البشعة ومنها مؤخراً الجريمة المروعة التي أدت الى دهس الشاب بدم بارد في بلدة فاريا، وما أثارته من غضب شعبي وإشمئزاز، وما يتداوله الناس من لحظات عاطفية لمعاقبة المجرمين بالأعدام ليكونوا عبرة لغيرهم ولمكافحة الجريمة بين الناس. وفيما يبقى الموضوع إشكالياً بين مؤيد للعقوبة الإعدام وبين معارض في سبيل الهدف نفسه وهو مكافحة الجريمة والمجرمين، في هذا التقرير نظرة سريعة على جدوى الإعدام أم عدمها.
«الحق لكلّ إنسان بالحياة»...
هذا ما تنصّ عليه المادة السادسة من شرعة حقوق الإنسان ، وتعني أنّ الحياة هي حق مقدّس، وهو أعلى مراتب حقوق الإنسان وأهمها، وإحدى الحقوق المدنية، فهو الذي يضمن حق الإنسان في الحياة. ويعتبر الحق في الحياة أحد المبادئ الأساسية التي تضمنها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو حق مقدس لا يجوز المساس به، إذ يكفل حماية الحياة الفردية ويمنع أي تدخل غير قانوني من الأفراد أو السلطات في حياة الإنسان. وتتضمن هذه الحماية حق الإنسان في عدم التعرض للقتل أو أي نوع من العنف، إضافة إلى عدم السماح له بإنهاء حياته بنفسه، ويُعتبر هذا الحق من الحقوق المدنية التي تؤكد عليها جميع الشرائع السماوية والدساتير الوضعية. لكن، رغم هذا الاعتراف الواسع بالحق في الحياة، تظل عقوبة الإعدام واحدة من أشد القضايا المثيرة للجدل في النقاشات القانونية والأخلاقية.
في عصرنا الحالي، يطرح السؤال حول مدى صحة أن يُستخدم القانون المبني على العدالة والمنطق لتبرير القتل. من جانبها، ترى الحقوقية تانيا عوض غرّة والعضو في المجلس العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام، أنّ عقوبة الإعدام تظل موضوعًا جدليًا في معظم بلدان العالم. في لبنان، على سبيل المثال، تثير كل جريمة قتل نقاشًا حادًا حول عقاب القاتل، حيث يدعو البعض إلى تنفيذ حكم الإعدام بينما يرفضه آخرون. وتحلل غرّة هذه الظاهرة باعتبارها نتيجة لعواطف قوية تُؤثر في مواقف الناس تجاه القتل والعقاب، مما يبرز الفرق بين العدالة القانونية المبنية على المنطق وبين الأحكام التي قد تكون مدفوعة بالمشاعر.
الإعدام والجريمة.. علاقة متوازية؟
من الناحية القانونية، يُعتبر الحق في الحياة قيمة ثابتة لا يجوز انتهاكها، كما نصت على ذلك مواثيق حقوق الإنسان. وتؤكد الحقوقية تانيا غرّة على أنّ إلغاء الحق في الحياة لأي شخص يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ويُعتبر نوعًا من العدالة الانتقامية. وبالرغم من وجود استطلاعات في بعض الدول تؤيد عقوبة الإعدام، مثل استطلاعات غالوب في الولايات المتحدة التي أظهرت تأييدًا نسبيًا من بعض الفئات العمرية، إلا أنّ هذه العقوبة تظل مرفوضة من قبل العديد من شرائح المجتمع، خاصة بين الأجيال الشابة.
الإعدام.. إستغلال سياسي
على سبيل المثال، تعرض العديد من السجناء السياسيين في دول عربية إلى حكم الإعدام نتيجة انتهاكات للإجراءات القانونية، بما في ذلك الحالات الأخيرة مثل إعدام الناشطة الكردية واريشا مرادي في إيران، بتهمة «التمرد المسلح ضد الدولة».
وختاماً، تظل عقوبة الإعدام قضية مثيرة للجدل على الصعيدين القانوني والأخلاقي، فمن الضروري تفعيل التفكير النقدي حول مدى عدالتها في العصر الحديث ومدى إمكانية معالجة أسباب الجرائم في السياقات الاجتماعية.