عندما يستدعي «ترامب» المسؤولين اللبنانيين إلى مكتبه
عندما يستدعي «ترامب» المسؤولين اللبنانيين إلى مكتبه
ماذا لو استدعى ترامب المسؤولين اللبنانيين؟ هل سيتحملون المزيد من الضغوطات؟ هل يستطيعون إيجاد أجوبة تقنع القوى الكبرى، وفي نفس الوقت تحافظ على استقرار بلادهم؟ وهل يمكن للبنان أن يعيش حقاً دون التساهل والمساعدات الأميركية؟
في عالم السياسة الدولية، تتزايد الضغوطات على الدول الصغيرة والمتوسطة، سواء كانت تلك الضغوطات من الحلفاء أو الأعداء. ومع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، أصبح التعامل مع هذه الضغوطات أكثر صعوبة وتعقيداً. فترامب، بصفته رئيساً يتبع منهجاً غير تقليدي في علاقاته الخارجية، لا يميّز بين الدول من حيث حجمها أو وضعها، بل يضع مصالح بلاده أولاً، وأي تقاعس في تحقيق هذه المصالح يقابله بسلسلة من المطالب المشروطة، كما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ أيام.
في الأسابيع الأخيرة، تعرّض الملك الأردني عبد الله الثاني لمطالب فجة من ترامب، والتي كان أبرزها اقتراح نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر في مسعى لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي المقابل، كان الرئيس الأوكراني زيلينسكي في موقف صعب، حيث واجه ضغوطاً متزايدة واتهامات ضمنية بالتقصير في تنفيذ أجندة أميركية تهدف إلى تحقيق مصالح واشنطن في شرق أوروبا. بالنسبة لترامب، كما هو معروف، لا مكان للمساعدات الدولية دون مقابل ملموس، «من يدفع يأمر» هو المبدأ الذي يحكم تعامله مع الدول.
أميركا ليست مجرد دولة عظمى، بل هي القوة التي تتحكم في مفاتيح الإقتصاد العالمي، فحجم المساعدات التي تقدمها للبعض حول العالم جعلها مركزاً لا يمكن تجاهله في السياسة الدولية. من أوكرانيا إلى لبنان، مروراً بكثير من الدول التي تعتمد على الدعم الأميركي، يكمن التحدي الأكبر في قدرة هذه الدول على تلبية الشروط التي تفرضها واشنطن. في لبنان، حيث تتدفق المساعدات الأميركية منذ التسعينيات على شكل قروض وهبات، نجد أنّ هذا الدعم لم يكن خالياً من مطالب واشنطن السياسية. كانت هذه المطالب في السابق تتعلق بالإلتزام ببعض التوجيهات الأمنية والإقتصادية، إلّا أنّ الأمور اليوم قد اختلفت.
إذا كانت أميركا قد تعاملت مع لبنان في الماضي على أنّه مجرد «مستفيد» من المساعدات، فإنّ ترامب اليوم قد يعتبره «عميلاً» يجب محاسبته على كل دولار تمّ تحويله من خزائن دافعي الضرائب الأميركيين. فعندما يجتمع المسؤولون اللبنانيون مع ترامب، فإنّ أول ما سيتوجه إليهم هو السؤال عن كيفية استخدام الأموال الأميركية في لبنان، وما إذا كانت قد أسهمت في تحقيق الأهداف التي وضعتها واشنطن، مثل تطبيق القرار الدولي 1701، ونزع سلاح «حزب الله»، وتعزيز السيادة اللبنانية على كامل أراضيها، وتحقيق أمن إسرائيل.
هنا ستواجه السلطة اللبنانية تحدياً حقيقياً، ليس لأنّ نية الحكومة اللبنانية تتنافى مع الإلتزامات المقررة، بل لأنّ الواقع اللبناني يتسم بالتعقيد، ويصعب على أي طرف خارجي، مهما كانت درايته، أن يفهمه بالكامل. فالمشاركة الواسعة لـ«حزب الله» في الحكومة اللبنانية وبقاء حلفائه فيها وفي البرلمان، تطرح إشكالية معقدة في مواجهة المطالب الدولية، خصوصاً إذا كانت هذه المطالب تشمل نزع سلاح الحزب. وبدلاً من تقديم إجابات سهلة، ستجد الحكومة اللبنانية نفسها في موقف دفاعي، حيث سيتم الحديث عن مفاهيم مثل «الميثاقية» و«إتفاق الطائف» التي يراها البعض ضرورية للمحافظة على التوازن الطائفي في البلاد.
ومع ذلك، هذه التبريرات ستظلّ غير مقنعة في الخارج. فحتى في الداخل اللبناني أيضاً، يصعب على الكثير من المواطنين فهم استمرارية هذه المعضلات السياسية وتلك المفاهيم المعقدة. فالمسؤولون اللبنانيون سيجدون أنفسهم في مواجهة مريرة مع الأسئلة التي تتعلق بالوضع الإجتماعي الصعب: كيف تمت إدارة الأموال التي وصلت ولا تزال تصل إلى لبنان؟ هل تمّ إستثمارها في مشاريع تنموية حقيقية أم أنّها ضاعت في دوامة الفساد المستشري؟
ترامب لا يهمه كثيراً ما إذا كان المسؤولون اللبنانيون سيستطيعون التبرير لأسباب سياسية أو إجتماعية. بل هو يتعامل مع الوضع من زاوية أخرى تماماً، زاوية المكاسب السياسية والإقتصادية والإستراتيجية التي تحققها أميركا. لذلك، سيكون من المنتظر أن يطرح أسئلة صارمة حول مكافحة الفساد، وإصلاح القطاع المالي، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة لم تنفذ حتى الآن، رغم مرور سنوات على المطالب الدولية المتكررة بذلك.
ويُنتظر أيضاً أن يضع ترامب شروطاً أكثر صرامة للحصول على دعم أميركي إضافي، مثل تحسين الشفافية المالية، أو تصفية الشبكات الإقتصادية التي تستفيد من الفساد داخل الإدارة الحكومية، ونزع كل سلاح خارج الشرعية. وهذا يعني أنّ المسؤولين اللبنانيين سيكونون أمام إختبار حقيقي: هل يستطيعون تحقيق التوازن بين الحفاظ على السيادة اللبنانية وتلبية مطالب القوى الكبرى؟
الضغوط الأميركية لن تكون سهلة، خاصة في ظل الدور الذي تلعبه القوى الدولية والإقليمية الأخرى، التي تسعى هي الأخرى إلى توسيع نفوذها في المنطقة. ومع تزايد النفوذ الأميركي في لبنان، ستظل هذه القوى تحاول إيجاد منافذ للتأثير، لكن أي تحرك في هذا الإتجاه سيظلّ مشروطًا بحسابات واشنطن.
وفي هذا السياق، قد يتساءل المسؤولون اللبنانيون في سرّهم: ماذا لو استدعى ترامب المسؤولين اللبنانيين؟ هل سيتحملون المزيد من الضغوطات؟ هل يستطيعون إيجاد أجوبة تقنع القوى الكبرى، وفي نفس الوقت تحافظ على استقرار بلادهم؟ وهل يمكن للبنان أن يعيش حقاً دون التساهل والمساعدات الأميركية؟
لكن الجواب سيبقى في النهاية مرتبطاً بتعقيدات الواقع اللبناني. فلبنان، الذي يعاني من التشرذم الداخلي والإنقسامات السياسية الحادة، لن يكون قادراً على تقديم الحلول السريعة التي يطلبها ترامب. ربما لأنّ التسرّع في تحقيقها قد يودي بلبنان إلى الهلاك والإقتتال الداخلي، تماماً كما أنّ التلكؤ عن تطبيقها سيودي بلبنان إلى الفقر والعجز والعوز. هذا مصير الدول الصغيرة المفتتة على جميع الأحوال، لا مكان لرأيها بشيء خارج الطاعة للقوى الدولية.