أهلاً بالتقسيم.. سوريا الموحدة باتت من الماضي

أهلاً بالتقسيم.. سوريا الموحدة باتت من الماضي

  • ١١ آذار ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

أي نموذج ناجح قدّمه النظام الجديد ليحث الدروز والأكراد على التوحّد معه؟ لا شيء عملياً، سوى بعض الخطابات والشعارات والحملات الإلكترونية الداعية للإنضمام إلى الحكم الجديد.

من يظن أنّ الوضع في سوريا بخير فهو مخطئ، ومن يظن أنّ تلك البلاد تسير على درب الوحدة فهو مخطئ أكثر. تقترب سوريا من التقسيم يوماً بعد يوم، فيما المجازر التي حدثت في الساحل ليست إلا مقدمة لمسار طويل ومتعرج لن تكون فيه سوريا موحدة. العقد الإجتماعي الذي جمع السوريين يوماً، ووحّد تلك البلاد بات من الماضي، فلا العقد عاد نافعاً ولا الشعب بعد كل سنوات الحرب والتهجير عاد يكترث فعلاً لكل الشعارات الوطنية والوحدوية.  

وأصلاً، لماذا يجب أن تكون موحدة سوريا أو غيرها من الدول؟ وما هذه النزعة التوحيدية التي يؤمن بها عدد لا بأس به من الناس في عالمنا العربي؟ أيهما أفضل: أن نتوحد ونقاتل بعضنا البعض أم نتقسّم وتعيش كل مجموعة منا بسلام؟ هل غاية الإنسان أن يتوحّد تحت بيرق ونشيد وبلد واحد أم هدفه أن يعيش بكرامة وأمان وحرية كما يشتهي؟

ما علينا. ما جرى في الساحل السوري طوال الأسبوع الماضي، وبخاصة مع العلويين، الطائفة التي شكلت العمود الفقري لحكم آل الأسد، تلقفته بقية مكونات تلك البلاد التي كان إسمها سوريا بالكثير من الخوف والريبة، وتحديداً الدروز والأكراد منهم، الذين باتوا يتحصنون أكثر من أي يوم مضى خلف ثقافاتهم وإيمانهم وهويتهم الفئوية. وهذا أمر غير معيب البتة.

عملياً، قام عشرات من الأفراد الذين كانوا ينتمون سابقاً لحزب «البعث العربي الإشتراكي» بعمليات أمنية ضد قوات النظام الجديد في الساحل السوري، وتحديداً في اللاذقية وطرطوس وبانياس، كما في جبلة والقرداحة، الرمزيين للطائفة العلوية. هذا التمرد غير الموفق تمّ الرد عليه بالكثير من العنف والقسوة من قبل قوات النظام الجديد. 

ناهز عدد القتلى بضعة مئات خلال أيام، منهم مدنيون وغير مدنيين، إلا أنّ رد النظام الجديد كان لا بدّ أن يكون قاسياً وقاسماً، بعدما تيقن أنّ السيطرة على مناطق الأكراد غير ممكنة الآن، بينما أصبح دروز الجنوب السوري وبعضهم في ضواحي دمشق في حماية وضمانة إسرائيل. 

بعد القسوة التي واجه بها النظام الجديد التمرّد الذي وقع ضده، بات دروز سوريا وأكرادها على يقين أنّ التعايش مع نظام أحمد الشرع غير ممكن. من يضع رأسه تحت سكين المتشددين يكون ساذجاً لا أكثر. أي نموذج ناجح قدّمه النظام الجديد ليحث الدروز والأكراد على التوحد معه؟ لا شيء عملياً، سوى بعض الخطابات والشعارات والحملات الإلكترونية الداعية للإنضمام إلى الحكم الجديد. 

إنّ ما حصل في سوريا طوال الأسبوع الماضي أكد جملة من الحقائق لا لبس فيها. الأولى هي أنّ النظام الجديد هش ولا يملك كامل السيطرة على الأرض بعد، وهذا ما ظهر جلياً عندما تمكّن بعض من هم خارج سلطته بالقيام بعمليات أمنية ضد قواته. الثانية تتعلق بأنّ هناك مجموعات وفصائل موالية للنظام الجديد لكنها خارجة عن سلطة الشرع، وبعض هؤلاء من أوزبكستان، الشيشان، وتركمانستان، وغيرهم، ولا يأتمرون بشكل كامل بأوامر السلطة الجديدة، ولهم «أجندتهم» الخاصة. أما الثالثة، فهي القدرة الواضحة لقوات النظام الجديد على ممارسة العنف، وهو عنف لا يختلف كثيراً عن العنف الذي مارسه نظام آل الأسد طوال السنوات الماضية. الملفت في الامر، أنّ من كان مظلوماً في الماضي تحوّل إلى ظالم اليوم، ومن كان ظالماً في الأمس تحوّل إلى مقموع وضحية حالياً. 

أما الملاحظة الرابعة فهي متعلقة بزيادة الخشية الدرزية والكردية من أسلوب أداء الحكم الجديد. ما جرى في الساحل السوري يبعدهما كثيراً عن التعاون مع النظام الجديد أو الدخول في حوار معه. يمكن للدروز الآن التحجج بما جرى مع العلويين، وبالتالي البحث عن مصيرهم وصناعته بأيديهم. هم عقلاء، وكل عاقل يعرف أنّ الشيخ موفق الطريف، الزعيم الروحي للدروز المقيم في إسرائيل، يمكنه أن يكون ضمانة لدروز سوريا أكثر من الشرع. وعلى نفس المنوال، يعلم الأكراد تماما المعرفة أنّ العيش مع العرب فيه الكثير من المذلة والمشقة، فكيف بالحري مع نظام جديد متشدّد وغير منضبط وكثير الإنفعال؟ على الأكراد إبقاء سلاحهم جاهزاً كما دوماً، فلا نصير لهم في هذه الدنيا غيره.

تتوجه سوريا يوماً بعد يوم نحو التقسيم. ربما لن يكون تقسيم بشكل رسمي حيث يتم الإعتراف به وإنشاء دول أخرى لترث التركة السورية، لكن التقسيم سيحدث كأمر واقع، حيث تصبح سوريا عبارة عن ثلاث سوريات: واحدة في الجنوب يحكمها الدروز بضمانة إسرائيل، ثانية في الشرق والشمال الشرقي يحكمها الأكراد، وثالثة في الوسط والساحل يحكمها النظام ومن معه من قادة وضباط وعناصر.

يحضر هنا سعي أنطون سعاده، زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، لتوحيد «سوريا الكبرى»، لتضم دولاً مثل سوريا والعراق وقبرص وفلسطين في أمة واحدة. بئس هذا الزمن، لا نريد أي وحدة، لا نحن ولا سعاده، فكل ما نطمح إليه هو توحيد جرمانا مع بقية دمشق، أو بانياس مع حمص لا أكثر. هذا أقصى طموح أي سوري.